وسط محطة للحافلات بمديرية المنصورة خلت ساحتها منذ 4 أيام إلا من هتافات تطالب برحيل الرئيس صالح عن الحكم يستوطن المئات من الشباب العدني المطالب بإسقاط صالح . كيف ينظر الشارع العدني إلى حركة الاحتجاجات هذه؟ وماهي المطالب الحقيقية التي تنادي بها هذه الحركة ؟وماهو مستقبلها على المدى القصير؟
حتى ال 16 من هذا الشهر كانت حركة الاحتجاج في عدن محصورة وخاملة ووصفها كثيرون بأنها مشاعر شبابية متحمسة بسبب انتصار حركة الاحتجاج الشعبية في كلا من تونس ومصر وتمكنهما من الإطاحة بحكمي مبارك وبن علي .
في سنوات ماضية وقبل خروج الحراك الجنوبي إلى العلن شهدت عدن مسيرات مشابهة نظمها شباب غاضبون كانت أحداها للتنديد برفع الحكومة الدعم عن مواد تموينية لكن جميعها لم يرفع شعار الإطاحة بصالح .
ويرى كثيرون ان حركة الاحتجاج الصاخبة التي تشهدها عدن اليوم كان يمكن لها ان تمر بسلام لو ان قوات الأمن تعاملت بهدوء وحكمة مع المشاركين فيها .
تضم محطة الحافلات التي أطلق عليها المتظاهرون اليوم "ساحة الشهداء" خليط واسع من الشباب العدني والكل يردد هتافات متعددة تحمل مطالب متعددة ومتماهية فيما بينها ، البعض يردد هتافات تطالب برحيل صالح عن الحكم وآخرون يرددون هتافات مؤيدة لانفصال الجنوب ومابين تناقض وتعدد الهتافات يبدو المشهد السياسي في هذه الساحة أكثر ثراء من أي مكان أخر في اليمن.
غياب الخطاب السياسي الموحد
بعكس حركة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها عدد من المحافظات الشمالية اليوم والتي تتفق على شعار "إسقاط نظام الرئيس صالح" تقف حركة الاحتجاج في عدن حائرة بين عدد من الشعارات وتسبب التنوع العرقي للقاطنين في هذه المدينة بحالة من الشتات للمطالب السياسية، ففي حين يؤيد الشباب الذين تنحدر أصولهم من محافظات جنوبية مطالب الحراك الجنوبي ويرون ان القضية الأساسية لنضالهم تندرج في إطار انفصال الجنوب يرفض الشباب المنحدرين من أصول محافظات شمالية ذلك ويرون ان القضية الأساسية بالنسبة لهم هي الإطاحة بنظام الرئيس صالح وتحقيق العدالة والمساواة في إطار اليمن الواحد.
ورغم تعدد الأهداف التي يؤمن بها كل طرف الا ان الجميع اتفق مؤخراً على رفع شعار واحد وهو "إسقاط النظام" بعد ان قبل مؤيدو الحراك من الشباب بهذا الشعار شريطة عدم رفع أي علم جمهوري للجمهورية اليمنية أو ترديد شعار يمجد الوحدة وهو ماقبل به الطرف الاخر.
اتفاق سياسي يرى كثيرون انه يضمن الحد الأدنى من المساواة في الحضور والمطالب لكل طرف من الأطراف. يرى الشباب العدني المنحدر من أصول شمالية ان إسقاط نظام الرئيس صالح سيحقق له الكثير من المطالب فيما يرى الشباب العدني المنحدر من اصول جنوبية ان إسقاط الرئيس صالح هو الطريق الأوسع نحو إنفصال الجنوب .
وتقف هذه التحركات أمام معضلة عدم القدرة على بلورة تنظيم سياسي محدد إضافة إلى ذلك لم يتمكن منظموا الاحتجاجات في عدن حتى اللحظة من الاتفاق على إصدار بيان سياسي واحد يحدد فيه مطالبهم بشكل واضح لذا فانه وحتى اللحظة تظل الهتافات المتضادة هي السبيل الوحيد لمعرفة التوجه السياسي لهذه الاحتجاجات.
مواقف الأحزاب والتنظيمات السياسية من حركة الاحتجاج
منذ الوهلة رفض الشباب المطالبون برحيل صالح أي تمثيل سياسي لأي حزب وأعلنوا ان تحركاتهم هي تحركات شعبية بعيد عن أي وصاية ، وصف هذا الموقف بالجيد من قبل كثيرين الا ان ذلك لم يمنع شخصيات اجتماعية وسياسية من مغازلة هذه التحركات.
قدمت عدد من القيادات المنتمية للحزب الحاكم اليمن استقالتها قبل أيام من الحزب احتجاجا على ماتقول أنها قسوة في التعامل مارستها قوات الأمن في وجه المتظاهرين ،وصفت الخطوة بأنها غزل سياسي سابق لأوانه .
عصر أمس شوهد منصور الحريري وهو شاب في ال29 من عمره وصنف خلال فترات سابقة بأنه احد ابرز المدافعين من الشباب عن سياسة الحزب الحاكم في عدن،أعلن الرجل دعمه لحركة الشباب ووقف أعلى منصه أقيمت بساحة الإعتصام وهتف "الشعب يريد إسقاط النظام.
وصفت تحركات الرجل بالانتهازية لذلك لم يكن الترحيب به على مستوى عال ومثلما رفض المشاركون الترحيب بمقدم الحريري رفضوا سابقا الترحيب بقيادات سياسية من اللقاء المشترك أيضا.
أحزاب المعارضة بشكل عام التزمت الصمت حيال تأييد دعوات الإطاحة بصالح الا ان موقف حزب الرابطة كان مفاجئا للجميع وذلك حينما أعلن أمس بإنه يؤيد دعوات الإطاحة بصالح .
مشاعر متعددة
بعكس الكثير من الشباب الذين يشاركون في الاعتصامات والتظاهرات هنالك قطاع واسع من المجتمع العدني تسوده مشاعر متضاربة حيال الأمر ، الكثير من هؤلاء يشكو مرارا من حالة فساد واسعة النطاق تعاني الكثير من مرافق الدولة في المدينة منها ،إضافة إلى ترد واسع وانتشار واسع للفقر .
قطاع واسع يؤيد المطالب وقطاع أوسع يبدي تخوفه الشديد من تدهور الأوضاع والتحول صوب العنف خصوصا بعد تعرض عدد من المؤسسات الحكومية لأعمال نهب قيل ان متظاهرين قاموا بها .
محمد صالح علي يتكى عصراً بالقرب ساحة الاعتصام بالمنصورة وهو يمضغ القات يقول ل"عدن الغد" انه جاء إلى هنا لكي يعبر عن تضامنه مع شباب قال أنهم يصنعون اليوم مستقبلاً جديداً لعدن.
على النقيض من صالح لايخفي محمد فارع وهو سائق أجرة امتعاضه الشديد مما يحدث في عدن هذه الأيام.
يقول فارع فيما هو يجاهد لكي يبحث عن طريق لسياراته بعد ان وجد العشرات من الطرق الفرعية وسط مديرية المنصورة مقطوعة:" هذه هي الهمجية بعينها لايوجد شعب في العالم يدمر حياته ، إنهم غوغاء والغوغاء لايصنعون الا الفوضى ، نحن لانقبل بذلك.
يتفق كثيرون مع فارع من أهالي عدن في رفضهم لأعمال العنف والتدمير التي قد تسود المدينة في حال استمرار التظاهرات لكنهم لايخفون تململا واضحا من سوء الأوضاع في المدينة وبين هذا وذاك تظل مشاعر الجميع حبيسة انتظار ماستسفسر عنه قادم الأيام.