span style=\"font-size: medium;\"من حق الشعوب أن تحتفي بأعيادها الوطنية .. لم ترد هذه العبارة في أيٍ من وثائق الأممالمتحدة العديدة حول حقوق الإنسان .. رغم أهميتها وضرورتها ، إذ توجد شعوب على البسيطة لا تحتفل بأعيادها الوطنية ولا حتى الدينية . فالشعب الفلسطيني ، مثلاً ، لا يستطيع ، كعباد الله الآخرين أن ينعم بحرية الاحتفال بأعياده الوطنية بسبب الاحتلال الصهيوني لأرضه ومصادرته لحقوقه ، والأممالمتحدة تشهد على ذلك وتبارك للوجود الصهيوني بدعم أمريكي وأوروبي غربي وشرقي ، منذ وعد بلفور المشئوم . لكن ألا يحتفل شعب بعيد استقلاله من محتل أجنبي في ظل سلطة وطنية ؛ فهذه من غرائب الأمور . انتزع جنوب اليمن المحتل استقلاله من بريطانيا في 30 نوفمبر عام 1967م ، بعد احتلال دام مائة عام ونيف (19يناير 1839م) ، ومنذ ذلك اليوم الأغر جبل شعب الجنوب على الاحتفال به كأهم الأعياد بعد عيد الرابع عشر من أكتوبر ، حين اندلعت في ذلك اليوم ثورة الجنوب المسلحة ضد الوجود البريطاني من قمم جبال ردفان الشماء . وكانت الاستعدادات والتحضيرات للاحتفال تتم قبل أشهر منه . فتنظم العروض الكرنفالية والمسرحية والرياضية وتقام الندوات الفكرية والأمسيات الشعرية والقصصية، كما تنظم المسيرات الجماهيرية التي تصاحبها الأهازيج الشعبية والفرق الموسيقية ، وتنظم كذلك المبادرات الطوعية في تنظيف الشوارع والأحياء السكنية ومرافق العمل المختلفة والمدارس لاستقبال المناسبة والوطن في أبهى زينته . كانت الاحتفائية عظيمة بعظمة الشعب اليمني المناضل الذي ضحى بخيرة أبنائه من أجل التخلص من أكبر دولة استعمارية ، أُطلق عليها لقب "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" ، إلا أن الشمس غابت عنها بعد أن ثار شعب الجنوب ضدها واسقط تاجها التي كانت عدن أبرز جواهره المرصعة . ولأول مرة لم يتم الاحتفال بعيد الاستقلال بعد أن وضعت حرب صيف 1994 م أوزارها ، وما تبعها من تطورات غيرت مسار الوحدة اليمنية ، التي دفع شعب الجنوب من أجل تحقيقها ثمناً باهظاً من أرواح ودماء أبنائه الأخيار . وأدرك الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه أن مؤامرة خسيسة دارت وتدار ضده ، وأن الحرب اللعينة ضد الجنوب كانت آخر المحاولات للقضاء على الفريسة التي فشلت منذ عقود ، المحاولات السابقة للنيل منها ، والتاريخ يشهد على ذلك . لم يُلغَ بعد الحرب الاحتفال بعيد الاستقلال فحسب ؛ بل وأعياد أخرى كانت تمثل لشعب الجنوب محطات لها مكانتها وتأريخها المتميزين في حياته السياسية والاجتماعية والثقافية ، منها 20 يونيو ، يوم الشهداء 11 فبراير ، ثورة 14 أكتوبر ، يوم المرأة العالمي 8 مارس ، عيد الأسرة 21 مارس ، يوم المعلم 10 سبتمبر، عيد العمال ، وغيرها من المناسبات التي كنا في بعضها نحظى بأجازة من الدراسة والعمل لأهميتها الوطنية والقومية والأممية. كل تلك المظاهر اختفت بحجج واهية ، مستَبطِنة نوايا غير شريفة ، الهدف منها طمس تاريخ أرض وشعب الجنوب البطولي ، واستبداله بمحطات تاريخية أخرى بعضها لم تجرِ على أرضه. وقد رأينا ذلك التعتيم والتزوير الجليين في كتب التاريخ المدرسية ، التي سرعان ما تم إصدارها في السنة الأولى من تلك الحرب/ الجريمة وتغير أسماء عدد من المدارس والشوارع التي كانت تحمل أسماء شهداء الثورة والاستقلال . وهي سياسة قديمة فقهناها إبان الاحتلال البريطاني ، الذي كان يعمد إلى غرس مفاهيم تاريخية مغلوطة في أذهان تلاميذ المدارس ، لينشأ جيل جاهل لتاريخه وجغرافية بلاده . وفشلت بالطبع كل تلك السياسات الاستغبائية . اليوم قرر الجنوب الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني بمليونية جماهيرية في ربوعه .. فهنيئاً لك يا شعب الجنوب عيدك في ذكراه ال 44 . هنيئاً لك النصر يا صاحب البطولات الفذة العظيمة ، والنصر حليفك دائماً حتى تعود كل مكتسباتك الوطنية ، وكل ما تم نهبه وسلبه نهاراً جهاراً بغير وجه حق من قبل معتدٍ مغتصبٍ لئيم ، كائنٍ من يكون .