كتب: سليم عزوز فجأة دقت طبول الحرب في ربوع العالم الإسلامي، ونفر المسلمون خفافا وثقالاً، وغدو خماصاً وبطاناً، فقد أنتج مَوْتور فيلماً يسيء إلى الرسول، ما كان لزاما على المسلمين على ظهر البسيطة أن يعلنوا الحرب، دفاعاً عن الرسول الكريم، وهناك من دعوا إلى " مليونية" لنصرته صلى الله عليه وسلم، على نحو جعل من منتجه أشهر رجل في العالم ومن قبل أن تتم إذاعته!. وكأني انظر إلى موريس صادق منتج الفيلم وهو يجلس في منزله في نيويورك سعيداً فقد تحقق له المراد أخيراً ونجح في أن يستفز المسلمين بشكل جعله عرضة لسهامهم، وهي المهمة التي نذر نفسه لها منذ أن غادر القاهرة متوجهاً إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد أن منحته واشنطن حق اللجوء السياسي، باعتبار أنه مضطهد في مصر، وكان خلال السنوات الماضية يبحث عن حيثيات لاضطهاده فلم يمكنه أحد من ذلك! موريس صادق محام مصري، كان يطلق على نفسه محامي البابا شنودة، وهناك من قلدوه في سرقة هذه الصفة، وفي أكثر من مرة أعلنت الكنيسة أنه لا يوجد محام بعينه يمكن أن يقال عنه أنه " محامي البابا"، وكان موريس قد أقام دعوى أمام القضاء الإداري تطالب بعودة البابا إلى موقعه كبابا للأقباط الأرثوذكس، طاعناً في قرار الرئيس السادات بعزله، ولم تكن هذه الصفة تمثل أي حساسية من أي نوع، فمكانة البابا شنودة استمدها في الأوساط السياسية من عداء السادات له، ولا تنسوا أن الذين قتلوا السادات كانوا في وجدان الجميع أبطالاً، وهناك قصائد شعر قيلت في خالد الإسلامبولي قاتل السادات لشعراء محسوبين على اليسار، قبل أن يتغير الوجدان المصري وينظر إلى هؤلاء على أنهم قتلة، وشاهدنا كيف قامت ضجة كبرى بسبب الاحتفاء الإعلامي بعبود الزمر عقب خروجه من المعتقل قبل الثورة وهو من المتهمين في قضية اغتيال الرئيس السادات، وجرى نقد هذا على أساس أن المحتفى به مجرد قاتل، وكان الاهتمام به في السابق باعتبار أنه زعيم، وقد توارى الرجل عن الإعلام بعد أن تبين له أنه شخصية غير مرغوباً فيها سياسياً. صادق وباعتباره "محامي البابا" كان يجد حفاوة في الأوساط السياسية، ولا أبالغ إذا قلت إنه كان يجد الحفاوة نفسها لدى الإسلاميين الذين كانوا ينظرون إليه باعتباره مسيحياً معتدلاً وكان من جانبه حريصاً على هذه العلاقة، وقد شاهدته مرة يقبل يد المرشد العام لجماعة الإخوان على مشهد من الجميع، ونقلت دهشتي لزميل مسيحي فعلق ساخراً: ربما اختلط عليه الأمر ونحن "فاتحين مبوسة"، يقصد عملية تقبيل المسيحيين لأيدي رجال الدين المسيحيين!. وقد علمت أنه أسس مركزاً يتحدث من خلاله على استحياء عن حقوق المسيحيين ويعرض بعض الحالات التي يرى أنها تمثل إهداراً لحقوقهم، لكنه كان وهو يفعل هذا يحرص على شعرة معاوية التي تربطه بالدوائر الإسلامية والسياسية، وأذكر أن زميلاً مسيحيا كان يعمل معنا في جريدة "الأحرار" هرع إليه بحجة أنه تم فصله من الجريدة لأنه مسيحي، فأصدر مركزه بياناً يندد بما جرى، دون أن يتبين، كما أصدرت مراكز أخرى بيانات مشابهة، واحتفي به نجيب ساويرس لفترة باعتباره أحد ضحايا الاضطهاد الديني، الذي يقوم به رئيس تحرير الأحرار "الإخواني" الذي تأكدت إخوانيته من توليه رئاسة تحرير جريدة "المسلمون" في لندن في وقت سابق، ولم يكن صاحبنا قد تم فصله، ولم يكن رئيس التحرير له علاقة بموضوعه أو بالإخوان المسلمين!. ولم يكن هذا البيان سبباً في إحداث قطيعة بيننا، فقد كنا عندما نلتقي نتصافح، فقد كان ودوداً، قبل أن أقف على أنه ود ظاهري ليس تعبيراً عما بداخله، وقد حاورته في مكتبي ونشرت حواره على صفحة كاملة، وعاتبته لإصدار هذا البيان دون التحقق من صحة ما نقل إليه، وكان هذا بمناسبة ملاحظات أبداها عليّ هذا الزميل " المضطهد"، وقد أكد في حواره أن هناك اضطهاداً للأقباط، لكنه لم يكن عنيفاً في كلامه شأن الذين تمددوا في المشهد بعد هجرته وممن كانوا في الخارج فعادوا إلى مصر في لحظة كان فيها موريس صادق يغادرها. لا أعرف ما ذكره " صادق" من حيثيات كانت سبباً في أن تمنحه واشنطن حق اللجوء السياسي هو وزوجته وأبناءه، ولا أخفي أنني فوجئت به وقد تغير خطابه وهو يتحدث عن وقائع اضطهاد ليس لها وجود أصلا، ثم إنه تطرف في هجومه على المسلمين وعلى كتابهم ورسولهم بشكل يفتقر إلى اللياقة وعلى نحو أذهلني، لدرجة أنني ظننت أنه تعرض في مصر لما لا أعرف فكان هذا الغل الذي كان دافعه للتطاول والشطط!. بالسؤال تبين أنه لم يتعرض إلى شيء، وربما دار بيننا حوار قصير عبر البريد الإلكتروني، تأكد فيه أن صاحبنا بما يفعل يبحث عن "سبوبة" وعن مصادر جديدة للتمويل والدخل، وربما عن مبرر لهجرته وكان هجومه سبباً في إسقاط الجنسية المصرية عنه بحكم قضائي، إذ حرّض إسرائيل على غزو مصر وتطهيرها من المسلمين "المحتلين". لقد كان موريس صادق يناضل ليلفت الانتباه إليه، ولابتزاز القراء ليهاجموه وربما كان رد الفعل على ممارساته ما يمنحه مكانة في الدوائر التي يتعامل معها! لهذا، فقد تخيلته في حالة من السعادة والحبور وهو يشاهد رد الفعل الإسلامي على فيلمه الذي يوجه فيه إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولعله سحب نفساً عميقاً وقال : أخيراً؟!. أقدر العاطفة الدينية في الموضوع، لكني لست متفقاً مع ردة الفعل التي أنتجتها بشكل دفع البعض ونحن نعيش "موضة المليونيات" أن يدعوَ إلى "مليونية" لنصرة الرسول؟! وكأن الرسول هو رئيس حزب أو رئيس دولة يمكن أن يسيء إليه مَوْتور، وقد أساء له الذين كفروا من قبل وقالوا شاعر مجنون، فكانوا ككنّاس يريد أن يثير التراب إلى السماء فأثاره على نفسه وبقيت السماء هي إلى السماء، بل ونزل الوحي بما قاله الذين كفروا لنتلوه إلى يوم القيامة، بما يؤكد حجم الهجوم الذي تعرض له، وسمو المُهَاجَم الذي لا يقلل من قدره أن تنبح عليه الكلابُ الضّالة!. لقد نسب البعض هذا الفيلم إلى أقباط المهجر، تكبيراً للجريمة، وأدان مثقفون من أقباط المهجر الفيلم، وطالبوا بنسبته إلى صاحبه وهو شخص وليس عموم أقباط المهجر. إن اللافت هنا أننا نجحنا بحسن نية في أن نصنع نجوماً وأبطالاً من العدم لأننا تحركنا بعاطفتنا، ويكفي أننا جعلنا مؤلفا لراوية تافهة بالمعايير الأدبية، هي "آيات شيطانية" نجماً وبطلاً وآية على عدم احترام المسلمين لحرية الرأي، كما كنا برد فعلنا العاطفي سبباً في أن يعرف الناسُ الرسومَ المسيئة للرسول وأن يُذاع خبرها. إن الرسول لن يسيء إليه فيلم ولن تشوه صورته رواية لكن يسيء إليه حقاً أن يكون المسلمون على هذه الدرجة من الضعف والهوان، إلى حد تسول قوت يومهم وأن نكون كغثاء السيل. أرجوكم لا تساهموا في صناعة زعماء من الهواء. كاتب وصحفي مصري [email protected]