يتذرع البعض بسلوك مسالك مشينة من التشهير والتجريح بقصد الأذى واصطناع الفضائح، ولربما امتد به طغيان النفس وغلبة المصلحة واتباع هوى النفس إلى إحقاق الباطل وجعله من المسلّمات والحقائق التي لا تقبل الجدل أو النقاش، متذرعاً بأنه يمارس حقه في حرية الرأي والتعبير،وأنه لا يخش فيما يقوله أحداً ولا يهمه رضا الآخرين أو سخطهم. ومع ما ينطوي عليه ذلك التفكير السقيم من غرابة واستعجاب، وما يحمله من عوارض المرض النفسي، إلا أن صاحبه يظن حقاً أنه يمارس حقه في حرية الرأي والتعبير، و قد نسي هذا المسكين وإن تبوأ في مضمار الصحافة أو الكتابة المراتب المقدمة، واحتل صدر القوم أن ذلك الحق لا يؤتى على ذلك، ويصدق فيه قول الشاعر: أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ** ما هكذا تورد يا سعدُ الإبل إن النقد الهادف البناء الذي يقدم مصلحة المجتمع والوطن، ويلتزم المصداقية، ولا يجلب النقائص والفتن، هو ما يجب أن يكون عليه الأساس الذي يعلوا عليه حقنا في ممارسة حرية الرأي والتعبير، فالحوار والمناقشة وتبادل الآراء وإن امتدّ بها الحال إلى الجدل، فإنها لا يجب أن تفسد للود قضية، فلكلٍّ حقه المشروع في تقرير ما يراه وما يقتنع به، وما أوصله إليه إعماله لفكره وجهده العقلي، وهذا لا شك يُعدّ من أنجع الأسباب لازدهار الواقع الثقافي، واستغلالاً جيداً لمواهب الفكر وللملكات العقلية التي حباها الله للإنسان ولم يرضَ له أن يركمها أو يعطلها دونما نفع أو فائدة، على أن ما يجب التركيز عليه والتذكير به أن الإنسان كلما استخدم هذه الملكة بشكلها الصحيح وبالهيئة المطلوبة، فإنها تلقائياً ما تؤتي ثمرتها في شخصيته على هيئة تأصيل للوازع الأخلاقي، وتنمّي لديه نوازع التواضع والقبول بالآخر ( المناقِش / المعارض )، وإن لم يجد في نفسه بعدئذٍ تلك المعاني والمثل ووجد صعوبة في التخلق بها، فما عليه إلا أن يعيد الحسابات بشأن ملكته تلك، ويحاسب ضميره ونفسه، ويجتهد أن يتخطى حالته تلك حتى يعيد الأمور إلى نصابها هذا إن أراد التغيير والرفع من قيمة ما يمارسه من مبدأ ويجترحه من مُثُل . لقد وضع ديننا الحنيف لحرية الرأي والتعبير قيوداً على المسلم أن يلتزم بها ولا يحيد عنها، حتى يحفظ لهذا الحق قدسيته، ويعلي من شأنه، نذكر منها: التزام الأدب في المناقشة والنقد وإبداء الرأي . 2. عدم الإضرار بالمصلحة العامة، ومن قبيل ذلك ترويج الضلالات والأكاذيب، والعنف في نشر الأفكار وفرضها فرضاً على الناس وغير ذلك. 3. عدم الإضرار بالأفراد، ومثال ذلك السب والشتم والتجريح، والقذف والسخرية من الغير، وبقية الرذائل الخلقية الأخرى كالمراء والمجادلة العقيمة . وفي ختام القول، ومما تجدر الإشارة إليه أن حرية الرأي والتعبير لا يسري عليها التقييد، ولا يكون عليها الحظر بل ربما تكون في مثل هذه الحالات واجبة فرضاً، إذا كان المقصود منها كشف مصائب وأساليب الفسدة، وسلوكيات أهل الفساد والفسق المتبجحين بأخلاقهم وأفعالهم المنكرة ومغامراتهم الدنيئة، أو المتمردين على أنظمة المجتمع، وعاداته وتقاليده المتوافقة المتماشية مع روح الشريعة الإسلامية .
طالب بقسم الصحافة والإعلام - مستوى ثاني - كلية الآداب جامعة حضرموت