في سياق قراءته للمشهد السياسي العربي واستشرافه لمستقبله أفرد الأستاذ/ عبدالباري عطوان مقالته الأخيرة للبحث في خفايا تهديد "الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش"، ومضامينه وظروفه ومخاطره، في ظل التطورات التي شهدتها المواجهات في سورية في الأيام الأخيرة، فضلا عن الإعلان السعودي الصادر مطلع الشهر الجاري والقاضي بوضع عدد من التنظيمات الإسلامية السياسية والجهادية في قائمة "الإرهاب"، ومن بينها "داعش" و"النصرة" وهما التنظيمان المسلحان البارزان في سورية، ويرى الكاتب في هذا الإعلان مؤشرا ليقظة سعودية على خطورة العودة المحتملة لعناصرها المنخرطين في التنظيمين – ولو متأخرة- ويرجعها إلى كونها "إجراءات وقائية لتحصين جبهتها الداخلية، وليس من منطلق الحرص على سورية من حيث إضعاف هذه الجماعات المتشددة لصالح نظيرتها المعتدلة والجيش السوري الحر الذراع للائتلاف الوطني الذي تتزعمه ورئيسه"، بيد أننا هنا نطرح عددا من التساؤلات نراها جديرة بالنقاش لأنها تصب في الاتجاه ذاته الذي يتناوله أستاذنا القدير عبدالباري عطوان، ولعل كثير من اليمنيين – على وجه الخصوص- يرون وجاهة طرح التساؤل التالي: ماذا عن السعوديين المنخرطين في تنظيم "قاعدة جزيرة العرب" وهم منذ سنوات يرتكبون أبشع الجرائم بحق أبرياء ومسالمين في عدد من المحافظاتاليمنية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا؟ أليس من واجب المملكة أن تستشعر خطورتهم وبالتالي تطالبهم بالعودة سريعا إلى بلادهم أسوة بإخوانهم في سورية والعراق؟ وإن لم تفعله السعودية انطلاقا من واجبها السالف ذكره فليكن من باب رفع الضرر والأذى عن جيرانها وإخوانها، خاصة وأن المواجهات التي يخوضها التنظيم منذ سنوات عديدة في اليمن كشفت عن تواجد العنصر البشري السعودي بكثرة في صفوفه، سواء على مستوى القيادة والتخطيط والتمويل أوالتنفيذ. إن كان ثمة خطر يهدده السعوديون المنضوون في جبهات القتال السورية والعراقية على المملكة في المستقبل، ومن حقهم الوقوف أمامه، فنظراؤهم في اليمن لا يخفون خطورة عنهم، سيما وأن هؤلاء المقيمين في اليمن على قدر من الإعداد والتدريب والخبرات التي اكتسبها أغلبهم من سنوات الجهاد في أفغانستان، كما أنهم ليسوا مقاتلين عاديين يسهل تحريضهم على القتال كما يسهل إقناعهم بنقيضه في الوقت نفسه ومن الجهات نفسها، كما هوحال آلاف العناصر المنخرطة في جبهات الدولة الإسلامية في العراق وسورية والنصرة وغيرها، ما يطرحه السيد/عبدالباري عطوان ككاتب ومحلل سياسي من مخاوف ومخاطر وما يتوقعه من مآلات جدير بأن يوضع بعين الاعتبار خاصة وأنه واحد من أكثر السياسيين والمثقفين العرب إدراكا لمخاطر القاعدة ودراية بمضامين خطابها، وفصول سيرتها ومسيرتها التي تتبعها فصلا فصلا لسنوات عديدة، وهذا ما خلصت إليه بعد قراءتي لكتابه القيم (القاعدة- التنظيم السري)، ما يعني أن حديثه عن القاعدة وأخواتها سيكون مختلفا عن تلك الأحاديث التي نسمعها يوميا – وعلى مدار الساعة- من آخرين تعودنا منهم أن يقولوا كل شيء عن أي شيء، وبالتالي فلا مناص من أن يطرح الموضوع بجدية على كل من يهمه أمن الجزيرة وأطرافها شرقا وغربا وحدودها في البر والبحر، ونجدها فرصة لتذكير السادة أصحاب السموأن لهم في اليمن وديعة- ليست المنطقة الحدودية الواقعة بين البلدين، وقد حان أن يستردوها، وما دام الإعلان السعودي تضمن دعوة مواطني المملكة للعودة وترك مواقعهم في جبهات القتال على ثغور الشام، نأمل أن لا ينسوا رعاياهم المرابطين في جنوب الجزيرة العربية. السعودية وقاعدة اليمن الأجهزة الأمنية السعودية تدرك أكثر من غيرها أن غالبية السعوديين المقاتلين في اليمن ضمن صفوف تنظيم القاعدة كانوا في السجون السعودية، وعدد منهم أعلنوا توبتهم على يد مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة! ومهمته الحوار مع معتقلي القاعدة وحثهم على التخلي عن الأفكار المتطرفة والأعمال الإرهابية، لكن تصريحات رسمية صدرت قبل سنوات تفيد أن "بعض الذين أفرج عنهم انضموا مجددا إلى جماعات متشددة"، محمد العوفي "أبوالحارث" القائد الميداني لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب قرر أن يسلم نفسه للسلطات السعودية أواخر العام 2010م فتواصل مع أشخاص لهم علاقة بالمركز ، والأخير وجهه بتسليم نفسه للسلطات اليمنية، وهي بدورها سلمته لنظيرتها السعودية، ليظهر على التلفزيون السعودي معلنا تخليه عن القاعدة التي قال إنها صارت تتلقى الأوامر من "مخابرات دولة إقليمية على الرغم من اختلاف المراجع الفكرية والمذهبية للطرفين"، وأظنكم عرفتم اسم الدولة الموجودة في الإقليم وتختلف مرجعيتها الفكرية والمذهبية عن مرجعية تنظيم القاعدة "السنية"!! والعوفي هذا ليس عنصرا عاديا في تنظيم القاعدة، بل هوثالث ثلاثة أعلنوا في فبراير/شباط 2009 دمج تنظيمي القاعدة السعودي واليمني في فرع واحد بات يطلق عليه "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، خضع مع قيادات أخرى لمركز المناصحة فأعلن توبته ليظهر فجأة مع قيادات سعودية أخرى في مقطع فيديووهم يهددون ويتوعدون، بينما اكتفى الإعلام السعودي (الرسمي) بالقول إن توبتهم لم تستمر طويلا! ومثلما احتفت جريدة "الشرق الأوسط" وقناة "العربية"، بتصريحات العوفي وتوبته كانت جريدتا "الحياة" و"عكاظ" قد فعلتا الشيء ذاته قبل حوالي شهرين مع حدث مماثل يخص قياديا سعوديا آخر في القاعدة المقيمة باليمن، هوجابر الفيفي الذي أعلنت السلطات اليمنية القبض عليه في مواجهة عنيفة شهدتها محافظة أبينجنوب البلاد في سبتمبر/أيلول 2010م، بينما ظهر الإعلام السعودي الرسمي وغير الرسمي مسنودا بتصريحات وبيانات حكومية بصياغة شبه موحدة للحادثة مفادها أن الفيفي سلّم نفسه للسلطات الأمنية السعودية، ونقل عن المتحدث باسم الداخلية السعودية تأكيده أن الفيفي اتصل بالمختصين في مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، في تكذيب ضمني للرواية الأمنية اليمنية، وزيادة في التوضيح قال الإعلام الرسمي وشركاه ما يلي: "دحض مسؤول في وزارة الداخلية السعودية ما تواتر من أنباء ترددت عن إلقاء السلطات الأمنية اليمنية القبض على الفيفي.."، وربما يكون الصحفي والسياسي اليمني "أبوبكر عبدالله" هوالشخص الوحيد الذي تنبه إلى أن "معظم وسائل الإعلام السعودية وكذلك العربية والدولية التي تديرها الرياض من الباطن، أذاعت ونشرت كلها خبر الفيفي ليس بكونه عملية استسلام لهذا المطلوب، بل "عودة". وزادت صحيفة "عكاظ" أن السلطات السعودية "جمعت شمله بأسرته فور عودته في موقع سكني مجهز بكل مستلزمات الحياة الكريمة"! هل تتغير قاعدة التعامل مع القنابل الموقوتة انطلاقا من كونها خطرا يهدد الجميع؟ لا بوصفها أوراقا قابلة للعبث هنا أوهناك.