عدن أون لاين/ إينجل هارت/ ترجمة/ مهدي الحسني: لا توجد لديه الكثير من القيود (عدى تلك التي يستوعبها). ولا يستطيع أحدٌ إيقافه أو نقض أوامره. لديه عصبة من المحامين تحت إمرته، يعملون على تفسير شرعية قراراته. و بإمكانه إرسال روبوت – إنسان آلي – لاغتيالك كائنا من كنت و أينما كنت على وجه كوكب الأرض، إن هو رغب في ذلك.
يشبه الرجل الشرير التقليدي في رواية جيمس بوند، ذلك الشخص الذي يلقي القبض على جيمس بوند و يحدثه عن خطته الوحشية للهيمنة على كوكب الأرض، ثم يقوم بربطه وتعذيبه بوحشية و يتركه خلفه و قد افسد عليه الأمر.
صادف أن يكون هذا الرجل هو رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، الرجل اللطيف المتزوج من امرأة ذات كاريزما و أب لطفلين رائعين.
كيف لهذا أن يحدث؟
أحلام منيت بالفشل الذريع لكي تعرف أحيانا أين تقف اليوم، عليك أن تفتش جيدا في الماضي. و في هذه الحالة، لو أردنا أن نعرف كيف تمكن أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي، الليبرالي صاحب المكتب البيضاوي و أستاذ القانون، أن يصبح أكثر رئيس امبريالي بين جميع الرؤساء الامبرياليين الذين تولوا رئاسة الولاياتالمتحدة مؤخرا، من الضروري أن نعود بالذاكرة إلى السنوات الأولى من فترة رئاسة جورج بوش. من حتى يتذكر تلك الفترة، عندما كان الحديث عن الولاياتالمتحدة كقوة عالمية وحيدة أو قوة عظمى أو الشرطي الوحيد على كوكب الأرض، و كان المحافظون الجدد يتفاخرون بالإمبراطورية التي ستتجاوز في عظمتها الإمبراطورية البريطانية و الرومانية معا.
في تلك السنوات - المحلقة عاليا - التي تلت الحادي عشر من سبتمبر، كان الرئيس بوش و نائبه ديك تشيني و كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية لديهم ثلاثة أحلام متعلقة بالقوة و الهيمنة يسعون لتحويلها إلى حقيقة . أولى تلك الأحلام تتمثل في إطلاق العنان للجيش الأمريكي، تلك القوة التي يؤمنون بقدرتها على تركيع أي أحدٍ أو أي دولةٍ في الشرق الأوسط الكبير. و مع أمريكا في الصدارة، أرادوا أن يخلقوا أجيال من الباكس أمريكانا([i] (Pax Americana) في المنطقة.
كان من المفترض أن يكون احتلال العراق في 2003 النزهة الأولى فقط ضمن سلسلة من عمليات الصدمة و الرعب، حيث تقوم واشنطن بإعادة ترتيب منابع النفط في كوكب الأرض بشكل أحادي، و الإطاحة بالأنظمة المعادية مثل النظام السوري و النظام الإيراني أو ترويعهما. انقلاب المحافظين الجدد اسر و تملك روح تلك اللحظة. «الجميع يريد الذهاب إلى بغداد، لكن الرجال الحقيقيون يريدون الذهاب إلى طهران»[ii]. هذا بالمقابل سيجعل الولاياتالمتحدة في موقف مناسب للسيطرة على العالم بطريقة فريدة من نوعها لم يشهدها التاريخ من قبل، و يوقف صعود أي قوى عظمى أخرى أو كتل من الدول المقاومة للرغبات الأمريكية.
السبب الثاني مرتبطا تماما بالأول، و هو خلق أجيال طويلة من «الباكس رببليكانا» (Pax Republicana) داخل الولاياتالمتحدة. الجميع يريد الذهاب إلى كانساس، لكن الرجال الحقيقيون يريدون الذهاب إلى نيويورك و لوس انجلوس. الحلم الثاني يقضي بان يتم تركيع الديمقراطيين كما هو الحال مع العراقيين أو الإيرانيين، و تأتي غالبية جمهورية مدعومة ماليا من كبرى الشركات الأمريكية لتفرض هيمنتها و تدفع برئيس وحدودي متحرر من القيود المحلية و لديه القدرة, بصريح العبارة لديه صلاحيات واسعة بالقيام بكل ما يريد فعله.
بالرغم من ذلك، و بعد مضي اقل من عقد من الزمن، أصبح الحلمين و كأنهما من الزمان الغابر. كلاهما تحطم و احترق، مخلفين وراءهما رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض، و عراق بدون حامية الجيش الأمريكي و نظام لم يتغير بعد في إيران. و عند انهيار الاقتصاد العالمي، تم إعادة تسمية أولائك الحلمين الكبيرين بالكارثتين و سقطا في ثقب الذاكرة الأسود و تم نسيانهما اليوم على نطاق واسع.
من السهل إذن، أن ينسى المرء أن فترة حكم الرئيس بوش لم تكن كلها سيئة، و أن الثالث من أوهامهم المتغطرسة كان لافتا للنظر، و حقق نجاحا يكاد لا يذكر. ولان ذلك النجاح لم تخزنه ذاكرة الأمريكيين وذلك لضياعه وسط الكارثتين و الهزيمتين المتواليتين، فقد كان صعبا على المواطنين الأمريكيين أن يستوعبوا الجزء الامبريالي من رئاسة أوباما.
تذكر عندما صعد تشيني و جماعته إلى سدة الحكم في 2001، كانوا على قناعة إن رؤساء الولاياتالمتحدة ما بعد فضيحة "ووترجيت" و حرب فيتنام، أصبحوا مقيدين بالسلاسل. وعندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإنهم قاموا بخلع قفازاتهم كما كانوا يقولون. و كانت هناك رغبة عميقة في استخدام – الأمن القومي – لتحرير جورج بوش و من سيأتي بعده من أجيال السلام الامريكي، لتحريرهم من القيود.
من هنا جاءت الحاجة إلى قرار شن حرب عالمية على الإرهاب، تكون بلا نهاية زمنية محتملة، و التي ستُبقي الرئيس (القائد الأعلى للقوات المسلحة) في البيت الأبيض حتى يتجمد الجحيم. إن بناء معتقل جوانتانامو و مراكز الاعتقال السرية من بولندا حتى تايلند، منظومة سجون الرئيس الخارجية الخاصة، ما هي إلا نتيجة طبيعية لنظام الظلم و العقاب و التعذيب المحظور الذي أسسه الرئيس لنفسه.
و في الوقت نفسه بدءوا بتوسيع مملكة العمليات العسكرية – السرية – بأمر رئاسي – أعلن عن معظمها في نهاية الأمر، من حروب الطائرات بدون طيار إلى تطوير قوات العمليات الخاصة.كانت تلك معالم تشير إلى رئيس أطلق له العنان ليتصرف خارجيا بدون قيود. و بالمثل في داخل الولاياتالمتحدة، حيث بدأت إدارة بوش بتوسيع ما كان يُعتبر مراقبة غير قانونية لمواطنيها و بقية أشكال التجاوزات ذات الوحي الرئاسي. و بدءوا بالتعامل مع الولاياتالمتحدة و كأنها جزء من كوكب آخر، بمعنى أخر تم التعامل معها و كأنها الدولة الأجنبية و هم القوة المحتلة.
و في وجود كونغرس مذعور و خائف، و جماهير تم إلهائها، فُسِح المجال لهم بلا شك ليقوموا بعمل ما هو أكثر من ذلك. لم يكن هناك قدر كاف من الاعتراض أو استخدام الفيتو أو مراجعة القرارات، لتقييد رئيس حرب و مساعديه البارزين. اتضح في الحقيقة أن عملية الاعتراض أو استخدام الفيتو أو مراجعة القرارات الوحيدة التي أحسّوا بها كانت تلك التي استوعبوها، أو التي جاءت من داخل إدارة الأمن القومي نفسها، و قد أخضعتهم تلك النصائح لبعض القيود التي شعروا أنها معقولة.
اذن كان ذلك ما ورثه اوباما عند دخوله المكتب البيضاوي (مكتب الرئيس في البيت الابيض)، قائد توسعي و رئاسة ليست خيرة تماما, و التي اذا استعدنا الماضي سنجد انها تناسبه و على مقاسه (مقاس قفاز اليدين). بالطبع فقد ورث ايضا الاخفاقات المحلية لادارة بوش و اخرين في الشرق الاوسط و التي غطت على كل ما عمله كقائد اعلى للقوات المسلحة اثناء فترة رئاسته.
صحيح انه مع قرار الرئيس ترمان بالذهاب الى حرب كوريا عام 1950، فان حق الكونغرس الدستوري في اعلان الحرب قد تم تجاهله و لم يجري التصويت على القرار . هناك خلفية تاريخية متميزة للرئاسة الامبريالية الحالية. و في زماننا فان صناعة الحرب الرئاسية (الحروب التي يصنعها الرؤساء) اصبحت كالفعاليات التي تتم على مدار الساعة.
كان ياما كان، كان هناك رؤساء امريكيون لم يضعوا في عين الاعتبار جعل ادارة حالة الحرب جزء من مهامهم الوظيفية، ولم يركزوا على الجيش الامريكي و شؤون الامن القومي. اليوم اصبح كل ما يتحدث عنه الرئيس هو القتل في كل مكان على وجه الارض، و يمارس سلطاته تلك بشكل دائم. و يلتقي بالقوات المسلحة باستمرار، و جعلت زوجته امور رفاهيتمها جزء من عملها. و لديه سلطات واسعة في الحروب السرية، بما في ذلك جيوشه الخاصة: سي اي ايه اكثر عسكرية، و حجافل من قوات العمليات الخاصة، منهم 60,000 يشكلون جيش سري داخل الجيش الامريكي.
في الحقيقة، لديه ايضا اجهزة استبخاراتية خاصة به، من بينها جهاز الدفاع السري الذي تم تاسيسة مؤخرا في البنتاغون، و يعنى بعمليات جمع المعلومات الاستخباراتية عن المناطق التي ليست فيها حروب (خاصة الصين و ايران كما تذكر التقارير). و اخيرا، فان لديه ما يعرف بقواته الجوية التوسعية الخاصة (التي تعمل بشكل الي عن بعد) و تعرف ب "الطائرات بدون طيار" ( درونز).
بامكانه ان يرسل طائراته التي تنفذ عمليات الاغتيال و فرق العمليات الخاصة الى اي مكان في العالم لقتل اي شخص يعتقد انه يستحق القتل، و اللعنة على السيادة الوطنية. لقد اسس لحقه هذا من خلال مطاردة اسوا السيئين، قتل كل من اسامة بن لادن في باكتسان من قبل قوات العمليات الخاصة، و المواطن الامريكي الجهادي انور العولقي بطائرة بدون طيار في اليمن.
في هذه الايام ينشغل الرئيس بعملية توسيع حرب الطائرات بدون طيار السرية. التي تكاد لا تحظى بتغطية اعلامية في الولاياتالمتحدة تقريبا، على سبيل المثال، قامت طائرات بدون طيار مؤخرا بتنفيذ غارة جوية في الفلبين اسفرت عن مقتل خمسة عشر شخص، وقد اعلنت القوات الجوية منذ ذلك الحين خطة لرفع عدد الغارات الجوية هناك بنسبة 30 بالمائة.
و في اليمن، كما كان يحدث في مناطق الحدود الباكستانية، منح الرئيس اوباما وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) و قيادة العمليات المشتركة الامريكية، منحهم صلاحية شن هجمات بطائرات بدون طيار، ليس لاستهداف الاشخاص الذين تم تحديد هوياتهم مسبقا كاهداف ذو اهمية في القاعدة، لكن ايضا ضد انماط السلوك المشبوهة العامة.
علينا ان نتوقع تصعيدا في حرب الطائرات بدون طيار في اليمن، ليست حربا ضد اشخاص معروفين، بل ضد مجاميع ممن يشتبه بانهم اشرار (و كما في معظم الحالات، مواطنين ابرياء ايضا).
هذا مثال اخر لشئ ما كان ليسمح به في الولاياتالمتحدة، لكنه اداة في يد السلطة الرئاسية تستخدما في اماكن اخرى من العالم: انه التمييز العنصري.
و كما هو الحال مع ادراة الرئيس بوش الابن، يبدو ان الشئ الوحيد الذي يمكن ان يفرض قيودا على الرئيس و فريقه، هو مجموعة من القيود التي يستوعبها. و هذا بلا شك كان السبب وراء اجتماع محامين من البنتاغون و وزارة الخارجية و مجلس الامن القومي و وكالات الاستخبارات و وزارة العدل، للخروج بمذكرة من خمسين صفحة تعطي المبرر القانوني للرئيس لاصدار الامر باغتيال مواطن امريكي، و هي وثيقة اذكركم بانه لن يتم الكشف عن محتواها بشكل علني.
في الحقيقة، حتى هذه اللحظة قد يكون الرئيس اعطى اوامره بقتل اولئك الاشخاص دون الحصول على تلك المذكرة. فكر في الرئيس وكانه ضمير مذنب، لكن ثق في انه عندما تبدا تلك الطائرات باستهداف (انماط السلوك المشتبه) في اليمن و اماكن اخرى، لن يكون هناك سيل من مذكرات الخمسين صفحة لتبرير تلك القرارات. لذلك عندما تسلك مسارا كهذا، و تصبح افعالك مثال عالمك، فان حاجتك لتبرير تلك الافعال لنفسك تتراجع.
ذلك المسار توسع و اصبح طريقا، و قد يتحول القتل بعدها يوما ما الى ما يعادل الطريق السريع (اوتوبان). و في تلك الحالة، فان قرار القتل سيكون اسهل بكثير على رئيس امبريالي، بينما يزداد عزل المجتمع الامريكي عن الحروب و العمليات التي تشن باسمه. و فيما يخص الصلاحيات الممنوحة للرئيس باصدار اوامر القتل، سواء فاز اوباما بفترة رئاسية ثانية او تمكن ميت رومني من دخول المكتب البيضاوي، فان مدى الصلاحيات الرئاسية الممنوحة للقائد الاعلى للقوات المسلحة في حربه السرية، سرية جدا الى درجة عدم الاعتراف بها حتى في المحاكم، تلك الصلاحيات ستتوسع باستمرار.
هذا تطور خطير و يتركنا في قبضة ما استطيع تسميته ب "لغز اوباما". داخل الولاياتالمتحدة، و في القضايا ذات الاهتمام المحلي، فان اوباما رئيس عاجز و مقيد بشكل لافت للنظر. منذ تمرير قانون الرعاية الصحية الذي شهد خلافا كبير، فهو من ناحية اصبح مقيد، و لم يستطيع تنفيذ شئ يذكر من برنامجه (الانتخابي ) محليا. حتى عندما حاول ممارسة صلاحياته احادية الجانب، التي تم استثمارها في الرؤساء بشكل متزايد، فقد ثبت ان قدراته في عمل الكثير اصبحت محدودة، و هي عبار عن مجموعة من اللفتات الصغيرة في وجه مشاكل عملاقة. و اذا افترضنا نجاح ميت رومني في الانتخابات، و نظرا للحقائق الدستورية، فان ذلك الامر لن يتغير خلال الاربع سنوات المقبلة.
من ناحية اخرى، فان الصلاحيات التي يمتلكها الرئيس كقائد للقوات المسلحة الامريكية، لم تمنح لاي رئيس قبله. و اذا استمر اوباما في الرئاسة في الفترة القادمة، فان لديه صلاحيات لا يمتلكها الا الالهة عندما يتعلق الامر بقرارات شن الحرب في الخارج. و هناك سيكون هو المتعهد بالحياة و الموت. داخليا فهو عاجز و هزيل، و لكن عندما يتعلق الامر بالحرب، فانه - ساستخدم مصطلح كان قد اختفى بشكل كبير منذ السبعينيات و هو – رئيس امبريالي.
تلك التناقضات تحتاج الى قرار و هذا ما يجعنا نقلق. [i] يُطلق مصطلح «الباكس أمريكانا» على السلام النسبي في نصف الكرة الأرضية الغربي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945 –، الحرب التي أنهت جميع الحروب ، وجعلت من الولاياتالمتحدة أقوى دولة في النصف الغربي من الكرة الأرضية . و المصطلح يعود، في الأصل، إلى «الباكس رومانا» ليشير إلى الحقبة الزمنية التي كانت فيها روما تحكم العالم. و عادة ما يستخدمه مُعظم الأمريكيين. [ii] وردت عبارة «الجميع يريد الذهاب إلى بغداد، لكن الرجال الحقيقيون يريدون الذهاب إلى طهران» في مقال نُشر في مجلة نيويوركر عام 2003: «لا شك إن بعض الشخصيات العقائدية القريبة من إدارة بوش يحلمون بحرب لا نهاية لها. جيمس ووسلي مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق و الذي تم ترشيحه من قبل دونالد رامسفيلد كوزير للمعلومات في العراق، تنبأ بحرب عالمية رابعة (باعتبار إن الحرب الباردة هي الحرب الثالثة) و التي قال إنها ستستمر فترة أطول من الحربين الأولى والثانية. مسؤول بريطاني بارز قال لصحيفة نيوزويك قبل الغزو "الجميع يريد الذهاب إلى بغداد. لكن الرجال الحقيقيون يريدون الذهاب إلى طهران". و ربما بعدها إلى دمشق و بيروت و الخرطوم و صنعاء و بيونج يانج».