منذ صغري علمتني أمي أن الكذِب رذيلة ، وعيب أسود ، وأن حبلهُ قصير ، وقصيرٌ جداً . هذا العام وجدتُ نفسي أكذبُ عليكِ أيتها الغالية ، كذبتُ عليك لأجعلك سعيدة ، ولا ينغصكِ الخوف عليّ وعلى مدينة الحبِ والسلام تعز . كذبتُ عليكِ حين أخبرتك أن تعز بخير ، وحين أخبرتك أن قصف الأحياء ليس شديداً ، وحين أخبرتك أنني في تعز أكل جيداً ، واشرب نظيفاً ، وأنام هانئاً . كذبتُ عليكِ حين أخبرتك أنني بأمان ، وأن عملي قائماً ، وحياتي مستقرة ، وحين أخبرتك أنه لا يوجد ما يجعلك تقلقين عليِّ وعلى تعز كثيراً . كذبتُ عليكِ يا أمي حين أخبرتك أن كل شئ متوفر في تعز ، بينما كنتُ ساعتها أبحث عن علاجي المعتاد ولا أجده ، وطعامي المفضل فلا أطاله ، ومائي البارد فلا أحصل عليه والمأساة تعم الجميع . كذبتُ عليكِ حين أخبرتك أن الموت بعيداً عني في تعز ، بينما كان يطرق بابي كل ساعة من نهار ، ولحظة من ليل ، وخطفَ ولازال يخطفُ كثيراً من أصدقائي ، مقاتلين في الجبهات أو مدنيين في المنازل والحارات . كذبتُ عليكِ حين أنكرت ما تبثه وسائل الإعلام من مآسي لاجعلك تنامين هانئة ، وحين أخبرتك أن الخطر بعيداً عني كنتُ في فوهته ، فتعز يا أمي كلها تنام تحت رائحة البارود ، وعلى ايقاع مدافع ودبابات الانقلابيين المتربصين بها من جهاتها الأربع . تعز يا أمي تعيش أياماً سوداء بفعل أسوأ مليشيات عرفها تاريخنا اليمني ، والتعزيون حملوا السلاح يأ امي مضطرين للدفاع عن مدينتهم وتركوا اقلامهم وكتبهم جانباً ليحرروها من مدَّعِي الحق الإلهي بحكم الشعوب . حين لم تنبطح لهم تعز كغيرها أرادت مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية تعز مضايا أخرى يا أمي ، وفلوجة ثانية ، لكن أمنياتهم خابت بفعل جهود وعزيمة ودماء التعزيين . الحقيقة الوحيدة التي لم ولن أكذب عليكِ فيها يا أمي أن تعز تتنفس الحرية من خلف قضبان الحصار ، وتتذوق الكرامة من تضحيات الشهداء ، تجوع لكنها تقاوم ، وتضمأ لكنها تقاتل ، وتُحْرمُ الدواء والاكسجين لكنها تفعل الكثير لتكسر شوكة الحصار الظالم . تعز يا أمي تشكو بثها وحزنها إلى الله ، وتشكو لضمير العالم جرائم الانقلابيين ، وظلم ذوي القربى . بالمقابل يا أمي ومع كل زخات الخوف هذه ، وكُتل الألم المتجددة ، لا زال في تعز من يبيع المشاقر كل صباح ، ومن يقدم الايسكريم والألعاب للأطفال ، ولازال الطلاب يقصدون مدارسهم على وقع القذائف ، والنساء لا زالت تمارس هواياتها في التسوق . تعز تحبك وتبلغك سلامها يا أمي الغالية .