تزداد شهية جماعة الحوثي المسلحة في اليمن كل يوم، ولم يكتفوا بابتلاع المال العام لدولة صاروا بين ليلة وضحاها حكاما لها، ليتوجهوا نحو القطاع الخاص التجاري والصناعي، معتبرينه الخزانة الخلفية والتي لها أكثر من بوابة وأكثر من مفتاح، في عمليات ابتزاز ونهب متنامية متواصلة ، مؤطرة باسم القانون حينا، أو مرغمة بقوة السلاح أحيانا كثيرة. مراقبون أكدوا إن استمرار معاناة تجار العاصمة صنعاء من ممارسات جماعة الحوثي، جراء فرضها الجبايات والإتاوات ورسوم على التجار، دفع بالغرفة التجارية والصناعية بصنعاء للخروج عن صمتها الذي دام لما يقرب ال3 أعوام. لينعقد اجتماعاً طارئاً للجمعية العمومية للغرفة التجارية الصناعية وإدارة اتحاد الغرف التجارية الصناعية ، شارك فيه كبار التجار ورجال الأعمال. أتاوات غير مشروعة الاجتماع الذي تمخض وحسب بيان أكد فيه المجتمعون على أن "مصلحة الجمارك ووزارة المالية، التابعة للحوثيين، لا ترى في القطاع الخاص إلا مصدراً للإيرادات والرسوم والغرامات والإتاوات، تفرض عليه ما تريد من إجراءات ورسوم وغرامات، ولو كانت مخالفة لأبسط القواعد والنصوص واللوائح القانونية والدستورية". وأضاف البيان أن "تعامل القائم بأعمال رئيس المصلحة قد تجاوز إقرار إجراءات جمركية تخالف الدستور والقانون، وتعداه إلى رفض الأوامر والأحكام والقرارات القضائية وشخصنة الوظيفة العامة والتطاول على الدستور والقوانين النافذة، حتى وصل به الحال إلى الإساءة والخروج عن اللياقة في التعامل مع كبار التجار ورجال الأعمال الذين يراجعونه في مكتبه بسبب إجراءاته وأوامره التعسفية". وحذر البيان من أن "القطاع الخاص لم يعد يستطيع احتمال هذه الممارسات التعسفية، مشيراً إلى أن خسائر القطاع الخاص التجاري والصناعي تزداد كل يوم بسبب تأخير وحجز البضائع ومدخلات الإنتاج وإعادة الإجراءات الجمركية عليها مرة أخرى وتعريضها للتلف واستنزاف أموال ومدخرات التجار وما يتبع ذلك من خسائر مباشرة وغير مباشرة تهدد وجود القطاع الخاص بأكمله في هذا البلد، وتدفعه للبحث عن بيئة استثمارية أخرى تُصان فيها كرامته وأمواله". خسائر بالأرقام مدير العلاقات العامة باتحاد الغرف التجارية بصنعاء احمد الطيار أوضح، أن خسائر القطاع الخاص التجاري في تضاعف مستمر، مشيرا إلى أن التكلفة الاقتصادية “تكلفة الفرصة الضائعة قدرت الخسائر التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 32.5 مليار دولار خلال الفترة 2015 – 2017. وقدرت الخسائر التراكمية في الإيرادات العامة 2449 مليار ريال، أي ما يعادل 11.4 مليار دولار بين عامي 2015 – 2016، وقدرت تكلفة الفرصة الضائعة التراكمية في إجمالي الاحتياطات الخارجية ب 37 مليار دولار في الفترة 2015 – 2017. وبحسب إحصائيات رسمية حديثة، فقد قل النشاط التجاري والاستثماري للقطاع التجاري الخاص في صنعاء بنسبة 40%، وغادر العاصمة صنعاء من الرأس المال التجاري ما يقدر ب 13%، وقام 5% بتغير نشاطه التجاري لعوامل متنوعة أبرزها كساد مبيعات سلعته، أو صعوبة وارتفاع تكلفة توريدها إلى السوق المحلية، وغيرها من الأسباب المتعلقة بضعف القدرة الشرائية لدى المواطن. جبايات وابتزاز تعامل غالبية كبار التجار بصنعاء بذكاء مع الجبايات المتلاحقة لجماعة الحوثين. مدير العلاقات باتحاد الغرف التجارية والصناعية بصنعاء احمد الطيار، كشف في حديثه ل”المشاهد“، أن معظم رجال الأعمال التي تمتلك تجارتهم فروع في عدد من المحافظات قد لجئوا إلى تغذية فروعهم، وبالتحديد تلك الواقعة في المحافظات الآمنة التي تسيطر عليها الشرعية مثل مأربوعدن، تحسبا لأي إجراءات من سلطة صنعاء من شأنها تتطيح بتجارتهم، مما جعل فروع أعمالهم في العاصمة شكلية، تمارس المهام الإدارية أكثر من ممارستها للنشاط التجاري. ويضيف أن "هناك عدد من التجار في صنعاء قاموا بتقليص نشاطهم التجاري في اليمن عامة، وإنعاش تجارتهم في فروعهم الرئيسية المتواجدة في بلدان أخرى، وهذا مايفسر بقاء عدد من رجال الأعمال خارج اليمن منذ بداية الحرب". في حين يذهب مراقبون بالقول أن جماعة الحوثيين تبتكر في كل يوم مبررا لابتزاز التجار في صنعاء، منها ماهو تحت رداء القانون، وذلك بتوجهها لإقرار حزمة جديدة من الجبايات، من خلال زيادة الضريبة العامة على المبيعات وضريبة الدخل ورسوم ضريبة السيارات، وهو إجراء عارضته الغرفة التجارية في العاصمة صنعاء، ويؤكدون أن ذلك سيتسبب في خسائر فادحة للقطاع التجاري، ويفاقم معاناة المواطنين. رسوم مجحفة وتقوم الجماعة بفرض رسوم على التجار ليس لها مصوغ قانوني، سوى أنها تبرعات مباشرة مفروضة لما يسمى “المجهود الحربي”، بهدف تمويل حروبهم. أو من خلال عرقلة الأعمال التجارية، كما يحدث لتجار الوقود من خارج الجماعة، حيث يتم احتجاز سفنهم، ولا يتم الإفراج عنها إلا بمقابل مادي كبير، أو بنصب عشرات من نقاط التفتيش، مهمتها ابتزاز شاحنات التجار في فرض رسوماً غير قانونية لأفراد كل نقطة ، نظير السماح بعبورها. وليد الحضري مالك مصنع حديد في صنعاء، وبصراحة عجيبة شرح أن "الحوثيين يرفضون علينا باستمرار جبايات وأتاوات، وأنا عن نفسي اسميها جزية لان ذنبنا أننا تجار، أنا بصراحة ارفع من أسعار البيع في كل ما ينتجه المصنع عاملا بذهني نسبة للحوثيين، وصدقني من كثرة حضورهم إلى مصنعي بقيت أحس أنهم شركائي، ولولا تكلفة المصنع ومعداته الكبيرة لكنت هاجرت خارج اليمن مثل الكثيرين، فإما تعطيهم بدون لعاجه أو يقتلوك ويقولوا هذا داعشي. أما أمين الشرماني وهو احد تجار الجملة في المواد الغذائية في العاصمة، فيقول: "تأتينا أطقم مسلحين بين حين وآخر وبأيديهم سندات رسمية مرة زكاة ومرة ضرائب وأخرى مجهود حربي وغيرها، وإذا رفضت يغلقون عليك المحل، ماذا تريد من أقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم". تناقضات الواقع بالمقابل يرى اقتصاديون أن من المتناقضات في واقع القطاع الخاص التجاري أن يهدد تجار صنعاء، بوقف أنشطتهم داخل اليمن والبحث عن بيئة استثمارية بديلة خارج البلد.. في الوقت الذي تأسس جماعة الحوثيين كياناتٍ اقتصادية موازية في مناطق سيطرتها، واستحواذهم لقطاعات تجارية واقتصادية بعينها، مثل قطاع الوقود والغاز، والقطاع الزراعي وقطاع العقارات والقطاع المصرفي بحجة تمويلهم جبهات قتالهم. بينما هي لا تدفع رواتب لمئات من مسلحيها المنتشرين في نقاط التفتيش بصنعاء، وعن عمد تتيح وتبيح لهم تدبير أمورهم المالية من خلال قيامهم بابتزاز المحلات التجارية ورجال الأعمال. محاوله للنهوض رغم الأزمة التي تمر بها اليمن جراء الحرب التي عصفت بالاقتصاد الوطني وتسببت بأضرار كبيره للقطاع الخاص، إلا أن القطاع الخاص يحاول الاستمرار في مشاريعه التنموية والإنسانية وله ادوار مهمة ومشهودة ويحاول الوصول إلى كافة مناطق اليمن. رغم المخاطرة العالية جراء ذلك وحالات القصف التي تعرضت لها بعض قاطرات النقل للبضائع بالإضافة إلى إسهاماته في الجانب الإغاثي والإنساني بل ويبتكر القطاع الخاص حلولا كبيرة لمواجهة التحديات في ظل تحلل مؤسسات الدولة بشكل كلي في كثير من مناطق اليمن. القطاع الخاص في صنعاء وعموم المحافظات لعب دورا مهما في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد حيث عمل بكل مسئولية على تأمين توفير السلع الأساسية وتموين متطلبات السوق من خلال مخزونه الاحتياطي ومن خلال الاستمرار في استيراد السلع الأساسية ورفد الاقتصاد وضمان عدم انهياره كليا رغم التحديات ويعمل على تغطية الفجوة التي عجزت عنها الأطراف المتحاربة. ولم يقتصر دور القطاع الخاص على توفير السلع الأساسية وضمان تدفقها فحسب وإنما كان للقطاع الخاص دور كبير في تقديم الخدمات كالطاقة البديلة والانترنت والعمل على توفير المشتقات النفطية في ظل توقف الشركات المنتجة وله ادوار مهمة في الأعمال الإغاثية في التخفيف عن النازحين والمتضررين والمحتاجين. وهناك العديد من التجارب الناجحة لعمليات إغاثية وإنسانية أدارها القطاع الخاص في عدن وحضرموت والحديدة وصنعاء ومنها بنك الطعام اليمني الذي أنشئ بدعم وإشراف القطاع الخاص بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني. بيئة طاردة يقول رجال أعمال أن مشاريع القطاع في الجانب البيئي والتنموي تواجه العديد من العقبات أولها استمرار الحرب وتعرض البنية التحتية للتدمير الممنهج ولم يستطع القطاع الخاص أن يقوم بدوره في جانب إعادة الإعمار رغم أن مشروع إعادة الإعمار يدرس منذ عام ولكن يصعب تنفيذه في ظل استمرار الصراع. ويعد القطاع الخاص الأكثر تضررا من بعد العام 2014م حتى الآن بسبب الصراع وعدم توفر الأمن لان التنمية والمشاريع الاستثمارية تحتاج إلى الأمن قبل كل شيء. دراسات ومسوحات ميدانية أجراها الإعلام الاقتصادي في مختلف المحافظاتاليمنية تؤكد أن 83% من مؤسسات القطاع الخاص تضررت بسبب الحرب فيما توقفت 47% من المؤسسات بشكل كلي. كما أظهرت نتائج الدراسات أن 21% من رؤوس الأموال الاستثمارية غادرت إلى الخارج من إجمالي المؤسسات التي لم تتوقف ولا تزال تمارس نشاطها التجاري إما بشكل كلي أو جزئي في حين أن 79% لم تبدأ بنقل أنشطتها لكن البعض قد بدأ يفكر فعلا. أيضا 52% من الشركات المتوقفة بسبب الحرب لا تفكر باستعادة عملها في الوقت الراهن و47% بدأوا بالتفكير باستعادة أنشطتهم التجارية رغم المشاكل واستمرار الحرب كما أثبتت نتائج تلك الدراسات والمسوحات مما يؤكد أن القطاع الخاص يحاول الاستمرار في تقديم الخدمات رغم الصعوبات. تحديات ومعوقات يواجه القطاع الخاص تحديات تعيق نشاطاته ومشاريعه لعل أبرزها: الجمارك المكررة واستفزاز السلطات المحلية واستمرار إغلاق المطارات كمطار صنعاء الدولي الذي تضرر منه القطاع الخاص بشكل كبير ويعيق القطاع الخاص الحصول على السيولة النقدية الصعبة بسبب تسخير البنك في خدمة الجانب العسكري للأطراف المتصارعة والتي اضطرت القطاع الخاص للتعامل مع السوق المصرفي البديل عبر الصرافين وهذا خطر لأنه لا يمكن ضبطه ولا يمكن أن تتوقف عملية تهريب الأموال ولن يستقر سعر الصرف وبالتالي هذا شكل ضرر تأثر منه القطاع الخاص. ويأمل القطاع الخاص أن يسود الاستقرار وان يعود رأس المال اليمني الذين غادروا بسبب الحرب ويأمل أن يعود النشاط التجاري والمشاريع الاستثمارية فإن إحلال السلام من مصلحة اليمن عامه وللقطاع الخاص خاصة.