إرتبط المجلس الانتقالي من حيث الإمتداد والخطاب والأداء السياسي، بالحراك الجنوبي الذي ظهر في العام 2007 مطالباً بتحسين أوضاع العسكريين والأمنيين الذين أقصاهم نظام صالح أعقاب حرب 1994 بعد أن حسمها مع حلفاؤه على حساب الحزب الاشتراكي. تطورت مطالب الحراك في وقت لاحق لتصبح ذات صبغة سياسية مضمونها الدعوة لانفصال جنوباليمن عن شماله، والعودة إلى ما قبل الوحدة اليمنية التي تحققت بين الشمال والجنوب في العقد الأخير من القرن العشرين. غير أن ثمة ارتباط آخر للانتقالي الذي تشكل في العام 2017، وهو الارتباط بدولة الإمارات العربية المتحدة التي دخلت اليمن في العام 2015 ضمن دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وبعدما توترت العلاقة بين الحكومة وأبوظبي أقدمت الأخيرة على تشكيل ودعم المجلس الانتقالي الذي أصبح ورقتها القوية في مواجهة الحكومة، وفي الضغط على السعودية إذا لزم الأمر. كيف تكونت الظروف لنشأة المجلس الانتقالي الجنوبي؟ وما العوامل التي ساعدته ليصبح الفصيل الأكثر سطوة وحضورًا بعدد من المحافظاتالجنوبية؟ وما الأسباب التي تقف وراء توسعه وتمكينه من إمتلاك قوة مسلحة وصلت حد مواجهة قوات الحكومة المعترف بها دولياً، وإجبارها على مغادرة العاصمة المؤقتة عدن وعدة مدن ومناطق؟ كلها تساؤلات أجابت عليها دراسة أجراها مركز أبعاد للدراسات والبحوث بعنوان "ماهو مستقبل المجلس الإنتقالي الجنوبي"، كشفت نقاط قوة ضعف المجلس الانتقالي، وعلاقته بالصراع على السلطة في ماضي جنوباليمن قبل الوحدة، وخارطة انتشاره ومناطق تأثيره، في مقابل مناطق بدت غير متفاعلة مع خطابه وممارساته. النشأة منذ إندلاع الأزمة السياسية بين فرقاء الوحدة اليمنية والتي إنتهت بحرب 1994 والتي إستغرقت شهرين قبل أن يحسمها الرئيس صالح وحلفاؤه.. أخذت تظهر بين حين وآخر إحتجاج في جنوب البلاد، تارة عبر تشكيلات عسكرية سرية، وتارة أخرى في فعاليات إحتجاجية مدنية ذات طابع سلمي. أعقبها ظهور حركة إحتجاجية عام 2007م، في بعض مناطق جنوباليمن، يقودها العسكريون الذين تعرضوا للتسريح القسري من أعمالهم بعد حرب 1994، عرفت ب"الحراك الجنوبي" كانت أبرز مطالبها إعادة المُسرّحين من عسكريين ومدنيين. كان رد السلطات الحكومية آنذاك عنيفاً وقاسياً ضد المحتجين، إلا أن الحراك أخذ يتوسع خاصة في مناطق الضالع وردفان، لتشمل على إثرها القاعدة الشعبية للحراك الجنوبي فئات مختلفة من الأكاديميين والمحامين والطلاب والصحفيين، ولم تعد حكراً على العسكريين المُسرّحين. وهنا تحولت المطالب الحقوقية إلى مطالب سياسية عنوانها "القضية الجنوبية"، وشعارها "إستعادة دولة الجنوب" التي دخلت في وحدة إندماجية مع شمال اليمن عام 1990. لينخرط في إطار الحراك الجنوبي خلال العامين 2008 و2009 عدد من المكونات السياسية، منها الهيئة الوطنية للتحرير والاستقلال، والمجلس الوطني الأعلى لتحرير الجنوب، وحركة النضال السلمي الجنوبي، وهيئة النضال السلمي. ناهيك عن انضمام الشيخ القبلي طارق الفضلي أحد أبزر حلفاء صالح. وبحسب الدراسة فإن "المكون توسع فيما بعد على حساب بقية المكونات، لاسيما بعد أن حظي بدعم من قبل علي سالم البيض آخر رؤساء جنوباليمن، والذي غادر البلاد عقب هزيمته في حرب 1994، الى سلطنة عمان، ليغادرها هي الأخرى فور إعلانه استئناف العمل السياسي، مستقرًا في العاصمة اللبنانية بيروت". إرتباط إيراني بدأت أحداث الربيع العربي تعصف تدق أبواب الأنظمة العربية، فأخذت اليمن حصتها المتمثلة بإندلاع ثورة ال11 من فبراير، والتي شهدت على إثرها الحكومة اليمنية حالة من الضعف واللا إستقرار السياسي، الأمر الذي فتح الباب أمام مراكز القوى الإقليمية في المنطقة لتمرير مشاريعها للداخل اليمني. أشارت الدراسة الى أنه "بعد ثورة ال11 من فبراير/شباط 2011 وجدت إيران فرصة مواتية لتحقق أهدافها في اليمن، فاستغلت ضعف سيطرة الحكومة المركزية في زيادة من دعمها لجماعة الحوثيين في شمال البلاد... ولإيجاد موطئ قدم لها في جنوباليمن استقطبت علي سالم البيض وأنصاره الذين يشكلون أكبر فصيل في الحراك الجنوبي". وأضافت "إستقطبت طهران أيضًا شخصيات سياسية وإعلامية وناشطين من مختلف المحافظات، وظفوا ضمن الأجندة الإيرانية التي تركز جهودها على محاربة المملكة العربية السعودية من خلال إفشال عملية الانتقال السياسي للسلطة عقب الثورة، حيث نظمتها "المبادرة الخليجية" ووقعها الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في الرياض". تطورات وحروب لم يدم تحالف طهران مع البيض وأتباعه وقتًا طويلًا، ففي الوقت الذي كان مشروع إيران يبتلع شمال البلاد، كانت حاجتهم للحراك الجنوبي تقل تدريجيًا. أكدت الدراسة على أن "الإنقلاب الحوثي وسيطرته على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 أدى إلى إنهاء تحالف البيض مع إيران والحوثيين، حيث لم تعد طهران بحاجة للبيض بعدما سيطر حلفاؤها الحوثيون على السلطة وأغلب المدن اليمنية. فيما ذهب أتباع البيض في الجنوب يعلنون أنهم لن يكونوا طرفاً في الحرب ضد الحوثيين الذين سارعوا لاجتياح بقية المحافظات. وبقي موقف الحراك الجنوبي في الغالب ملتزما الحياد، الا أن بعض عناصره انخرطوا في مقاومة الحوثيين وشاركوا في القتال إلى جانب أفراد المقاومة التي ضمت مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، خاصة في عدنوالمحافظات المجاورة. بعد تدخل السعودية لمواجهة المتمردين الحوثيين وانطلاق عملية عسكرية يقودها التحالف العربي لدعم الشرعية في مارس/أذار 2015، تغيرت مواقف كثير من أنصار الحراك الجنوبي من التبعية لإيران والتنسيق مع الحوثيين ضد السعودية والحكومة اليمنية، إلى محاربة الحوثي، ليتم بعد ذلك تحرير عدد من المحافظات وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن. مشروع الإمارات بعد تحريرها بقيت محافظة عدن تحت سيطرة دولة الإمارات صاحبة النفوذ الأكبر في التحالف العربي بعد السعودية، فبدأت تكسب الموالين لها من أنصار الحراك الجنوبي والتيار السلفي، وعملت، على استبعاد قيادات المقاومة الموالين للحكومة الشرعية، لتقوم بعدها بدعم أتباعها بالمال والسلاح. وبحسب الدراسة فإن دولة الإمارت مارست الضغط على الرئيس هادي لاستيعاب عدد من الموالين لها في مؤسسات الدولة. تولى بعضهم مناصب عليا في الحكومة المركزية والسلطات المحلية، أمثال السلفي المتشدد "هاني بن بريك" الذي عين وزير دولة بدون حقيبة، وكذا القائد العسكري عيدروس الزبيدي الذي عُيّن محافظاً لعدن في ديسمبر/كانون 2015، خلفاً للمحافظ جعفر محمد سعد. وأشارت الى أنه منذ العام 2016 بدأت الإمارات بناء تشكيلات شبه عسكرية معظمها من السلفيين، وأطلقت عليهم اسم "الحزام الأمني" في محافظاتعدن ولحج وأبين، والضالع، و"النخبة" في حضرموت وشبوة وسقطرى. وأضافت "عملت هذه التشكيلات خارج هيئة الأركان اليمنية، وبدأت تستخدمها في تحقيق أهدافها وتنفيذ الأعمال الانتقامية ضد خصومها، مثل حرق مقرات الأحزاب والصحف وملاحقة الناشطين واختطاف قادة المقاومة والأحزاب والمنظمات المدنية". ورقة ابتزاز على الرغم من دخول دولة الإمارات ضمن دول التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية، إلا أنه سرعان ما توترت العلاقة بين الطرفين، فمن جهة شهد الوقع الميداني في الشق الجنوبي لليمن بناء معسكرات خارج إطار الدولة و تدين بالولاء لأبو ظبي التي سخرت امكاناتها العسكرية والمادية لتشكل تحولًا في مسارها الداعم للشرعية. من جهة كانت الحكومة اليمنية تعطي أولوية المواجهة العسكرية للانقلاب الحوثي، ومن جهة أخرى تحت وطأة الضغط السعودي، وهو ما أجبرها على التزام الصمت تجاه ممارسات دولة الإمارات في بناء معسكرات تابعة لها. "فيما تبنت أبو ظبي سياسة انتقامية تجاه الرئيس هادي وحكومته، فعملت على تقويض السلطة الحكومة الشرعية بتهميشها وإضعاف تواجدها، وحتى إخراجها من عدنوالمحافظاتالجنوبية، وأوعزت إلى القوى المحلية الموالية لها بعدم الاعتراف بشرعية الرئيس هادي ورفض قراراته، ووصل الأمر حد منع طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن، بعد عودته من الرياض في فبراير/شباط 2017". بحسب الدراسة أصدر الرئيس هادي في أواخر أبريل/نيسان 2017، قرارات تقصي بإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي من منصبه، وكذا إقالة وزير الدولة هاني بن بريك وإحالته للتحقيق.. الأمر الذي أثار غضب الإماراتيين، فقامت بدعم أتباعها لتنظيم فعاليات إحتجاجية في عدن بداية مايو/أيار 2017. تشير الدراسة الى أن "الاحتجاجات أصدرت ما عرف ب"إعلان عدن التاريخي" الذي رفض قرارات الرئيس هادي، وجدد المطالبة بانفصال الجنوب، وأعلن تفويض الزبيدي بإعلان قيادة سياسية برئاسته لإدارة وتمثيل الجنوب". وأضافت "بعدها بأسبوع صدر بيان يعلن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي، وتضم هيئة رئاسته 26 من الشخصيات المدنية والعسكرية، أغلبهم من المسؤولين الذين أقيلوا من مناصبهم، وبينهم سلفيون من التيار المدخلي المتشدد، ممن احتوتهم الإمارات وباتوا يعملون لصالحها". فيما أعلن المجلس الانتقالي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تشكيل "الجمعية الوطنية"، كسلطة تشريعية للمجلس، برئاسة أحمد سعيد بن بريك المحافظ الأسبق لمحافظة حضرموت. توالت إعلانات تشكيل فروع الانتقالي في المحافظات والمديريات، ومنذ تشكيله مثلت مناطق الضالع- ردفان- يافع المعروفة ب"المثلث" قاعدة شعبية للانتقالي، خاصة يافع التي ينتمي إليها غالبية القيادات العسكرية والسلفية المدعومة إماراتياً، سواء في التشكيلات المسلحة أو في الهياكل القيادية للمجلس الانتقالي. سلفية وظيفية ضم المجلس الانتقالي تكتلات سياسية عدة منها عناصر في الحراك الجنوبي الذي ظهر في العام 2007، وكذلك عناصر حزبية بعضها محسوب على الحزب الاشتراكي، وبعضها الآخر محسوب على حزب رابطة الجنوب العربي، إضافة إلى بعض المحسوبين على حزب المؤتمر. ومن التيارات الدينية يبرز التيار السلفي المدخلي الذي استمالته الإمارات بعد تحرير عدن، وعملت على استقطاب أتباعه وألحقتهم بمعسكرات أنشأتها وأشرفت عليها مثل "الحزام الأمني"، الذي أسندت قيادته إلى هاني بن بريك، وجعلت منه زعيماً للسلفية الوظيفية التي تقوم بخدمة مصالحها، واختارته نائباً لرئيس المجلس الانتقالي. تفيد الدراسة بأن تقارير حقوقية أشارت إلى أن قوات الحزام الأمني اقترفت الكثير من التجاوزات في حقوق الإنسان، ومارست انتهاكات تجاه الحريات العامة، فقد قامت بترحيل العمال اللذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية وخاصة محافظة تعز من مدينة عدن. وتابعت " نكلت بالمخالفين لتيار بن بريك، وخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يتوفر له مخزون من العداء المركب من كل من الإمارات والحراك الانفصالي، والتيار السلفي المدخلي، حيث دهمت الكثير من مقراته وأحرق بعضها، ناهيك عن اعتقال عدد كبير من أنصاره والمحسوبين عليه، ووضع المئات من المناوئين لتيار بن بريك في سجون سرية تشرف عليها القوات الإماراتية". وبحسب الدراسة أنه "بخلاف بن بريك وتياره، لم يتوفر للسلفيين المعتدلين الحظوة ذاتها لدى الإماراتيين، مع أنه كان لهم حضور معتبر أثناء الحرب والمواجهة العسكرية مع الحوثيين، وأكثر من ذلك فقد تعرض من يمتلك منهم قبولاً شعبياً للاغتيال والتصفية الجسدية أو محاولات الاغتيال، خاصةً أئمة المساجد والخطباء، وبصورة ممنهجة". ونقلت أن تقارير متواترة أشارت إلى أنه "اغتيل نحو 30 شخصًا من أئمة المساجد منذ تحرير محافظة عدن، فيما اُضطرَ البقية منهم إلى مغادرة عدنوالمحافظاتالجنوبية إلى مناطق أخرى داخل وخارج اليمن". وأضافت "كما تشير تلك التقارير إلى قيام قوات الحزام الأمني بحملات اعتقالات واسعة في صفوف التيار السلفي الذي لم يُعلن ولاءه للإمارات، وغالبا ما يتم تبرير تلك الحملات بدعاوى محاربة الإرهاب والجماعات المتشددة". وأكدت على أن "وثائق رسمية سربت لوسائل الإعلام في عدن، تكشف عن محاضر تحقيقات النيابة العامة مع متهمين اعترفوا بقيامهم باغتيال الشيخ سمحان راوي، أحد أبرز رموز التيار السلفي، ومن قيادات المقاومة ضد الحوثيين، في يناير/كانون أول 2016، وأفادوا أنهم تلقوا التعليمات والدعم اللازم من هاني بن بريك وضابط إماراتي".