في ظلِّ الانسحابات المفاجئة للقوَّات السُّعوديَّة مِن معسكراتها في مدينة عتق بمحافظة شبوة، ومنطقة البريقة في مدينة عدن، أثار الإنسحاب العسكري الذي نفذته القوات المشتركة في الساحل الغربي جدلًا واسعًا، لاسيما وقد تزامن مع احتدام المعارك على أطراف مدينة مأرب، وتزايد المطالب بتحريك جبهة الحديدة، لتخفيف الضَّغط على الجيش الوطني بمأرب. مركز المخا للدراسات الإستراتيجية نشر تقرير يدرس دوافع وتداعيات انسحاب القوات المشتركة من الساحل الغربي، قال فيه "بدت الانسحابات مفاجئة، ولا تخلو مِن إثارة". وهو تقرير يدرس دلالات الإنسحاب العسكري الذي نفذته القوات المشتركة وسلمت على إثره لجماعة الحوثيين مناطق كثيرة في الحديدة. حلم معطل أشار مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، في تقريره الى أن "الحكومة اليمنيَّة الشَّرعيَّة، والتَّحالف العربي، أطلقا في عام 2017م، معركة" الرُّمح الذَّهبي"، بهدف تحرير السَّاحل الغربي مِن مليشيا الحوثي". وبحسب التقرير، تمكَّنت الحملة مِن فرض سيطرتها على المنطقة السَّاحليَّة الممتدَّة مِن المخاجنوبًا، وحتَّى شارع الخمسين والمطار وكيلو 16 على أطراف مدينة الحديدة شمالًا، وكانت على وشك السَّيطرة على ميناء الحديدة الَّذي يُعدُّ ثاني أهمَّ ميناء في اليمن. وأكد التقرير أن "مجلس الأمن الدُّولي مارس الكثير مِن الضُّغوط على الحكومة اليمنيَّة ودول التَّحالف، تحت ذرائع إمكانيَّة حدوث كارثة إنسانيَّة في حالة دخول القوَّات إلى الحديدة، ما اضطرَّ الحكومة الشَّرعيَّة للدُّخول في مفاوضات "ستوكهولم" بالسُّويد". وقال "في ديسمبر 2018م، وقَّعت الحكومة اليمنيَّة وجماعة الحوثيِّين اتِّفاقًا يقضي بوقف جميع العمليَّات القتاليَّة في محافظة الحديدة، وتنفيذ انسحابات وإعادة انتشار لقوَّات الطَّرفين، بإشراف مِن قبل بعثة أمميَّة، غير أنَّ هذا الاتِّفاق لم يجد طريقه للتَّطبيق". توقَّفت العمليَّات العسكريَّة الكبيرة في السَّاحل الغربي عقب التَّوقيع على اتِّفاق "ستوكهولم"، وإن لم يخل الأمر مِن مواجهات هنا وهناك. انسحاب وتسليم مع اشتداد المعارك حول مأرب تعالت الدَّعوات لتحريك القوَّات المشتركة نحو مدينة الحديدة، لتخفيف الضَّغط على مدينة مأرب، الا أن المفارقة العجيبة لم تكن لتقبل بالانصياع لما يفرضه واقع الحال. ففي الوقت الذي كان التَّرقُّب قائمًا لإمكانيَّة فتح معركة كبيرة مع الحوثيِّين في السَّاحل الغربي، تفاجأ الكثير بتنفيذ" القوَّات المشتركة" انسحابًا واسعًا، مِن تخوم جنوب وشرق مدينة الحديدة، ومديريَّات التِّحيتا، ومناطق واسعة مِن مديريَّة الدُّريهمي، وبيت الفقيه، وصولًا إلى مدينة الخوخة الَّتي تقع على بعد 163كم جنوبي مدينة الحديدة". بحسب التقرير. وقال مركز المخا للدراسات "الانسحاب كان مفاجئًا حتَّى لقادة الألوية العسكريَّة، وتمَّ بقدر كبير مِن التَّخبُّط والعشوائيَّة، وبدا وكأنَّه تسابق على الفرار أكثر مِنه انسحابًا منظَّمًا". وبحسب التقرير "أشارت المصادر الإعلاميَّة إلى أنَّه" تمَّ سحب اللِّواء الأوَّل والخامس والسَّادس عمالقة، واللِّواء 21، مِن مواقعها مِن الخطوط الأماميَّة في جبهات السَّاحل الغربي" وانسحب اللِّواء الخامس الَّذي يقوده أبو هارون اليافعي، والسَّادس الَّذي يقوده حمدي شكري، واللِّواء الأوَّل مشاة الَّذي يقوده وزير الدِّفاع الأسبق هيثم قاسم طاهر، إلى مدينة الخوخة التَّابعة لمحافظة الحديدة، فيما اتَّجه اللِّواء الأوَّل بقيادة رائد الحبهي إلى منطقة بئر أحمد بمحافظة عدن، جنوبي البلاد". وتابع "مثلما كانت عمليَّة الانسحاب مرتبكة، فإنَّها كانت غير منضبطة، فقد رفضت عدَّة وحدات الانسحاب، وخاصَّة كتائب مِن الألوية التَّهاميَّة، وعوضًا عن ذلك اشتبكت مع مليشيا الحوثي، وتعرَّض بعضها للحصار، وقُتِل بعض أفرادها". ضروب من الغيب في السياق، يقول مركز المخا للدراسات الاستراتيجية أنه "لا يزال الغموض يكتنف الأسباب الَّتي أدَّت إلى هذا الانسحاب المفاجئ، وغير المخطَّط له، غير أنَّه وبقراءة السِّياق الَّذي جرت فيه التَّطوُّرات الأخيرة، يمكن تقديم تَّفسيرات محتملة، يمكن أن يقف أحدها خلف هذا الحدث الملفت". يعتقد مركز المخا، أن ثمة ما يدعوا لاعتبار الانسحاب عملية ارباك متعمدة، حيث يرى أن هذا التَّفسير يقوم على افتراض مفاده أنَّ ما جرى يندرج في إطار الحرب الباردة، وغير المعلنة، بين الطَّرفين الرَّئيسين في "التَّحالف العربي"، السُّعوديَّة والامارات. وقال التقرير "عمدت الإمارات الَّتي تشرف بشكل مباشر على غرفة عمليَّات القوَّات المشتركة، وتتحمَّل الأعباء الماليَّة والتَّسليحيَّة لهذه القوَّات إلى إرباك وتخريب الموقف العسكري في منطقة السَّاحل الغربي، مِن خلال إصدار أوامر مِن غرفة العمليَّات المشتركة بضرورة الانسحاب تحت ذريعة إعادة التَّموضع، تطبيقًا ل"اتِّفاق استكهولم"، وتهديد مَن لم يستجب لذلك بأنَّه سيكون عرضة لقصف الطَّيران". ويعتقد أنه من ما يدعم هذا السِّيناريو "التَّحذيرات الَّتي كان قد أطلقها النَّائب في البرلمان اليمني، ورئيس مجلس أبناء تهامة الوطني "محمَّد ورق"، في منتصف شهر أكتوبر الماضي. فقد صرَّح بوجود مؤشِّرات لمؤامرة تحاك لإسقاط المناطق المحرَّرة في الحديدة، بيد جماعة الحوثي، واتَّهم في تسجيل مصوَّر نشره على صفحة المجلس، في الفيسبوك، ما أسماه ب"الأدوات العميلة للقوى الخارجيَّة"، بالتَّجهيز لإسقاط السَّاحل التَّهامي". وفي سياق متواصل، ويعتقد التقرير أن الإشاعات التي تفيد بتصاعد التَّوتُّر بين السُّعوديَّة والإمارات في المحافظاتالجنوبيَّة خلال الفترة الأخيرة سبب اضافي يدعم التقرير.. حيث اتجهت السُّعوديَّة إلى التَّلاعب بتركيبة "المجلس الانتقالي"، الَّذي تعدُّه الإمارات شأنًا خاصًّا بها، وضغط الرِّياض على الإمارات لسحب قوَّاتها مِن ميناء بلحاف بمحافظة شبوة". وقال" ومع هذا فإنَّ الأسانيد السَّابقة لا تعدوا أن تكون تكهُّنات يصعب الجزم بدقَّتها". إعادة تموضع يشير التقرير الى أنه هذا التَّفسير هو المرجَّح، ويقول انه يميل، إلى أنَّ ما حدث -أيَّام الأربعاء وحتَّى الجمعة الفائتة- تمَّ في سياق إعادة توزيع القوَّات المتواجدة في السَّاحل الغربي، وتموضعها استعدادًا لتطوُّرات جديدة. وقال "قيادة التَّحالف تمتلك خطَّة مسبقة لنقل تدريجي لقوَّات العمالقة الَّتي يصل قوامها البشري إلى 12 لواء مِن السَّاحل الغربي بشكل كامل. فقد تمَّ نقل كتائب عسكريَّة مِن هذه الألويَّة إلى قاعدة العند العسكريَّة أواخر أغسطس الماضي، وتعرَّضت حينها إلى استهداف مِن قبل الحوثيِّين". وتابع "في أواخر الشَّهر الماضي كشفت المصادر عن نقل لواءين كاملين مِن ألوية العمالقة مِن السَّاحل الغربي إلى أحد المعسكرات في منطقة" بير أحمد"، غربي عدن، تمهيدًا لنقلهم إلى محافظة أبينوشبوة". وبحسب المصادر، ووفقًا لهذا الافتراض، فإنَّ دول التَّحالف تقوم بإعادة انتشار وتموضع للقوَّات التَّابعة للحكومة الشَّرعيَّة على الأرض استعدادًا لحدث كبير، قد يتمثَّل في سقوط مأرب، بحيث تضطلع ألوية العمالقة بدور محوري في مواجهة أيَّ تقدُّم للحوثيِّين في كلٍّ مِن: أبينوشبوة ولحج والضَّالع، وفي المقابل يتمُّ تسليم مهمة السَّاحل الغربي، وتحديدًا المنطقة الإستراتيجيَّة القريبة مِن باب المندب ل"حرَّاس الجمهوريَّة"، بقيادة طارق صالح. بحسب التقرير. فيما يضيف التقرير انه مما يدعم هذا التفسير "إعلان المتحدِّث باسم قوَّات التَّحالف العربي، في 15 نوفمبر الجاري، أنَّ ما وصفه ب"إعادة انتشار وتموضع القوَّات العسكريَّة للتَّحالف والقوَّات التَّابعة للحكومة اليمنيَّة، بمنطقة العمليَّات، جاءت ضمن خطط عسكريَّة مِن قيادة القوَّات المشتركة للتَّحالف، ويتواءم مع الإستراتيجيَّة العسكريَّة لدعم الحكومة اليمنيَّة في معركتها الوطنيَّة على الجبهات كافَّة.. وأنَّها تتماشى مع الخطط المستقبليَّة لقوَّات التَّحالف". ويرى مركز المخا ان هذا التَّفسير يستند أيضًا إلى قيام دول التَّحالف بإعادة سحب القوَّات الخاصَّة بها؛
استدراج من جهة اخرى، يرى التقرير ان انسحاب القوات المشتركة، هو في الأساس عمل تكتيكي، لدفع الحوثيِّين إلى اسقاط اتِّفاق استكهولم، وجرِّهم إلى انتشار واسع في المناطق الَّتي جرى الانسحاب مِنها. ويعتقد أن ذلك سيمكِّن مِن تدشين معركة جديدة باتِّجاه مدينة الحديدة، بعد تجاوز القيود القانونيَّة والسِّياسيَّة الَّتي مثَّلها اتِّفاق السُّويد، واستغلال انتشار الحوثيِّين على أراضٍ واسعة لتوجيه أكبر ضربات لهم، خاصَّة وأنَّه ليس في مقدورهم الحصول على دعم بشري وتسليحي كبير، لانشغالهم بالمعركة الأهم في مأرب.
تسليم الساحل أحدثت الانسحابات السَّابقة عددًا مِن التَّداعيات، وعلى الأرجح أنَّ الكثير مِنها، وخاصَّة ما يتعلَّق بتعقيد الأوضاع العسكريَّة والسِّياسيَّة في اليمن، والتَّأثير على ميزان القوى العسكري، سيمتدُّ إلى فترة ليست بالقصيرة. يشير التقرير الى أنه "ترتَّب على سحب القوَّات المشتركة مِن السَّاحل الغربي، تسليم مناطق واسعة على شكل هديَّة مجانيَّة إلى جماعة الحوثي، دون أيِّ جهد أو خسائر تذكر". فقد سارع الحوثيُّون إلى فرض سيطرتهم على المناطق الَّتي تمَّ إخلاؤها، وباتوا متطلِّعين لانتزاع الأراضي الَّتي تمَّ الانسحاب إليها. فقد شنَّت مليشيا الحوثي هجومًا على مدينة الخوخة أسفر عنها عدد مِن القتلى والجرحى، بينهم إبراهيم بري، أركان حرب أحد ألوية المقاومة التَّهاميَّة. بحسب التقرير.
ويرجح التقرير، أن القوات المشتركة وحراس الجمهورية ستكون في حالة ضعف، بعد أنَّ يتمَّ سحب ألوية العمالقة، نظرًا للتَّداعيات النَّفسيَّة الَّتي تركها الانسحاب على معنويَّات المقاتلين فيما يُسمَّى المقاومة التَّهاميَّة. وأشار الى أنه "إذا لم يكن الدَّافع هو استدراج الحوثيِّين إلى معركة حاسمة حول الحديدة، فإنَّ هذا الانسحاب أضاف الكثير مِن التَّعقيد إلى المشهد العسكري في اليمن، وخلق واقعًا جديدًا بات معه تحرير مدينة الحديدة خيارًا أكثر صعوبة إن لم يكن خيارًا مستبعدًا. إرباك للشَّرعيَّة وفي سياق متواصل، يقول التقرير أن الانسحاب وما ترتَّب عليه مِن تداعيات، أدى إلى اتِّساع الفجوة بشكل كبير للغاية، بين قطاع واسع مِن المواطنين وبين التَّحالف العربي والسُّلطة الشَّرعيَّة. ويرجح أنَّه "سيدفع بالكثير للبحث عن بديل لقيادات السُّلطة الشَّرعيَّة و"التَّحالف العربي" على السَّواء". ومن جهة أخرى، يعتقد التقرير أن سيطرة الحوثيِّين على المناطق الواسعة الَّتي تمَّ الانسحاب مِنها، مثلت نصرًا سياسيًّا لهم. ويقول "كما شكل تدعيمًا لنهجهم القائم على أولويَّة العمل العسكري مِن جهة، والتَّعنُّت أمام الضُّغوط الدُّوليَّة مِن جهة أخرى. وهذا ما سيشجِّعهم على تكثيف هجومهم على مدينة مأرب". وأضاف "كما سينعكس هذا التَّطوُّر سلبًا على معنويَّات المواطنين، وسيدفع جانبًا مِنهم إلى الاقتناع بأنَّ خيار العمل العسكري الَّذي يقوده التَّحالف عبثيٌّ وغير مجدٍ". وتابع "كما أنَّه أضعف مِن الالتفاف الإعلامي حول المعركة في مأرب، وأثار مِن جديد الانقسامات السَّابقة. وبطبيعة الحال فإنَّ المشهد سيتغيَّر إذا كان الغرض استدراج الحوثيِّين إلى معركة فاصلة في السَّاحل الغربي". إثارة للتَّناقضات. بحسب التقرير، بدى قرار الانسحاب الَّذي اتَّخذته قيادة القوَّات المشتركة" وكأنَّه قرار انفراديٌّ مِن وجهة نظر البعض، وأثار في نفوس كثير مِن الأفراد الشُّكوك بكونه خيانة وتسليمًا لأراض واسعة للحوثيِّين. وأشار الى أن الإنسحاب "ساهم كذلك في تكريس عدم الثِّقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، سواء في إطار ما يسمَّى ب" القوَّات المشتركة"، أو بين أحد مكوِّناتها "حرَّاس الجمهوريَّة" وبين المكوِّنات الأخرى. وقال "أدَّى أيضًا إلى تلاشي دعوات التَّقريب بين الأطراف الرَّئيسة المناوئة للحوثيِّين، وحلَّ بدلًا عن ذلك تكريس غياب الثِّقة، وتراشق الحملات الإعلاميَّة والاتِّهامات المتبادلة بالتَّخوين والتَّواطئ مع الحوثيِّين وتنفيذ أجندة دول خارجيَّة على حساب المصلحة الوطنيَّة".