وحدها الرائحة المخيفة هي ما لا تنقلها شاشات التلفزة من صور الموت في غزة فذاك ضرباً من خيال علمي ما زالت تقصر عن بلوغه تقنيات ما بعد ثورة الاتصالات ولكن هل ثمة حاجة حقاً لحاسة الشم كي يتفاعل أي مشاهد بعيد مع الحدث المتفاقم في وقت تتشبع فيه حواسه الأخرى بفائض الدم المسفوح هناك؟! هو سؤال قد يعود إلى جذور لغة يترادف فيها معنى مفردة الشم مع معاني مفردات الأنفة والكبرياء ورفعت الأنفس ليحال من ثم إلى جواب سياسي ترتسم في تفاصيله ملامح فريقين عربيين أصر احدهما على البحث في متاهات الشرعية الدولية عن حل ينصف المظلومين من بني جلدته، بينما دعا الآخر إلى كلمة سواء بين العرب أنفسهم أملاً بالوصول إلى الغاية ذاتها. رفع الظلم عن أؤلئك الذين ما فتأت تسحقهم جنازير الدبابات، وإذا انتهى السعي في مجلس الأمن الدولي إلى قرار وصف بالكسيح وردت عليه آلة الحرب الإسرائيلية بإفراغ مزيد من رصاصها المصهور في الصدور العارية ظل التباين العربي العربي على حاله بل عله ازداد اتساعاً بعد مبادرات إنقاذ رأى فيها بعض من قادة فصائل المقاومة الفلسطينية مجرد صكوك استسلام ، كما اعتبرها عرب كثر التفاف على القمة العربية الطارئة التي كان وعد عقدها قد اقترن بشرط إخفاق الجهد الدبلوماسي في أروقة المنظمة الدولية. هنا عادت الجهات الداعية أصلاً إلى القمة أي دولة قطر كي تجدد الدعوة إلى انعقادها في موعد محدد هو يوم الجمعة المقبل بحجة عدم جواز الانتظار أكثر بعد ما بلغ الدم الفلسطيني الزبا ، ومرة أخرى تباينت الردود وتعزز الفرز بين العربين حين واصل المتحفظون وفي مقدمتهم مصر والسعودية تحفظهم بدعوى إمكانية الاستعاضة عن عقد القمة الطارئة في الدوحة بلقاء تشاوري للزعماء العرب على هامش قمة اقتصادية سيعقدونها في الكويت يوم الاثنين القادم ، وبعد تقول أسطورة من التراث العربي إن المستحيلات ثلاثة لا رابع لها وهي الغول والعنقاء والخل الوفي بيد أن أشباح الفسفور الأبيض التي تخيم فوق غزة باتت ترى ألان وفي منأى عن أي مجاز أسطوري بوصفها نفثات غول فولاذي يمزق لحم الأطفال ويهيل البيوت على رؤوس أهاليها بينما يعيد هؤلاء في كل لحظة إنتاج قصة العنقاء تخرج حية من رماد الموت ليظل الخل الوفي أخيراً هو المستحيل الوحيد الباقي على قيد الأساطير منتظراً أن يختبر عرب قمة الدوحة أو حتى عرب اللقاء التشاوري في الكويت قدرتهم على إحياءه ليتمثل أمام الفلسطينيين بشراً سوياً.