روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : أتحسبون قتال بني الأصفر... كان رهط من المنافقين منهم مخشن بن حمير - رجل من أشجع حليف لبني سلمة - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال: أتحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم؟ والله لكأنا غداً مقرنون في الحبال! فأطلع الله تعالى نبيه عليهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون وقال: مخشن بن حمير: يا رسول الله! قعد بي اسمي واسم أبي فعفا الله عنه بقوله: " إن نعف عن طائفة منكم " التوبة: وهي الطائفة التي عفا عنها فمشى مخشن بن حمير وسأل الله تعالى أن يقتل شهيداً لا يعلم مكانه فأصيب يوم اليمامة (1) ولم يوجد له أثر . هربت إليك بنفسى قال الأصمعي : سمعت أعرابيا يدعو الله وهو يقول: هربت إليك بنفسى يا ملجأ الهاربين بأثقال الذنوب أحملها على ظهرى؛ لا أجد شافعا إليك إلا معرفتى بأنك أكرم من قصد إليه المضطرون، وأمل فيما لديه الراغبون؛ يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده؛ وجعل ما امتن به من ذلك على خلقه كفاءً لتأدية حقه؛ لا تجعل للهوى على عقلى سبيلا، ولا للباطل على عملي دليلاً. والخيل تعلم كانت امرأة من العرب ذات جمال وكمال وحسب ومال، فآلت أن لا تزوج نفسها إلا كريماً،ولئن خطبها لئيم لتجدعن أنفه،فتحاماها الرجال حتى انتدب لها زيد الخيل وحاتم بن عبد الله، وأوس بن حارثة بن لأم الطائيون اليمانيون . فارتحلوا إليها فلما دخلوا عليها قالت: مرحباً بكم ما كنتم زواراً، فما الذي جاء بكم؟ فقالوا جئنا زواراً وخطاباً، قالت أكفياء كرام، فأنزلتهم وفرقت بينهم وأسبغت لهم القرى وزادت فيه، فلما كان في اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زي سائلةٍ تتعرض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما فلما صارت إلى رحل حاتم دفع إليها جميع ما حمل إليه، فلما كان في اليوم الثالث دخلوا عليها فقالت ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره، فابتدر زيد وأنشأ يقول: هلا سألت بني نبهان ما حسبي ... عند الطعان إذا ما احمرت الحدق وجاءت الخيل محمراً بوادرها ... بالماء يسفح عن لباتها العلق والخيل تعلم أني كنت فارسها ... يوم الأكس به من نجدة روق والجار يعلم أني لست خاذله ... إن ناب دهر لعظم الجار معترق هذا الثناء فإن ترضى فراضيةٌ ... أو تسخطي فإلى من تعطف العنق كرام من رؤس الأكارم وقال أوس بن حارثة :إنك لتعلمين أنا أكرم أحساباً وأشهر أفعالاً من أنصف أنفسنا لك، أنا الذي يقول فيه الشاعر: إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي فيمن قضاها فما وطئ الحصى مثل ابن سعدي ... ولا لبس النعال ولا احتذاها وأنا الذي عقت عقيقه فأعتقت عن كل شعرة منها نسمة وأنشأ يقول: فإن تنحكي ماوية الخير حاتماً ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم فتى لا يزال الدهر أكبر همه ... فكاك أسير أو معونة غارم فإن تنكحي زيدا ففارس قومه ... إذا الحرب يوم أقعدت كل قائم وصاحب نبهان الذي يتقى به ... شذا الأمر عند المعظم المتفاقم وإن تنكحيني تنكحي غير فاجر ... ولا جارف جرف العشيرة هادم ولا متق يوماً إذا الحرب شمرت ... بأنفسها نفسي كفعل الأشائم وإن طارق الأضياف لاذ برحله ... وجدت ابن سعدي للقري غير عاتم فأي فتى أهدى لك الله فاقبلي ... فإنا كرام من رؤس الأكارم وقد زوجتك نفسي وأنشأ حاتم يقول: أماوي قد طال التجنب والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم العذر أماوي إما مانع فمبينٌ ... وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجر أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر وقد علم الأقوام لو أن حاتماً ... أراد ثراء المال كان له وفر إلى أن أتى على القصيدة وهي مشهورة، فقالت : أما أنت يا زيد فقد وترت العرب وبقاؤك مع الحرة قليل، وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر والصبر عليهن شديد، وأما أنت يا حاتم فمرضي الخلائق محمود الشيم، كريم النفس، وقد زوجتك نفسي. هل الدهر إلا ليلة قال أبو العتاهية: هل الدهر إلا ليلة ثم يومها ... وحوال إلى حول وشهر إلى شهر سرينا فأدلجنا فكانت ركابنا ... تسير بنا في غير بر ولا بحر منايا يقربن البعيد من البلي ... ويدنين أشلاء الكرام إلى القبر ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما أبقى الشحيح من الوفر من أشعر الناس؟ سئل يونس النحوي: من أشعر الناس؟ قال: لا أومئ إلى رجل بعينه، ولكني أقول: أمرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب. طرائف ونوادر 20 قال الخليفة المتوكل عن ابي العيناء (2) : لولا أنه ضرير لنادمته، فنقل إليه ذلك فقال: إن أعفاني من رؤية الاهلة فاني أصلح للمنادمة !و سأل أبو العيناء بعض الوزراء أن يكتب له كتاباً إلى عامل له في رجل يطلب تسريحه فكتب إليه، فلما خرج قال: أخشى أن يكون كصحيفة المتلمس، ففتحه فإذا فيه : أما بعد فقد سألنا من لا نوجب حقه في رجل لا نعرفه، فإن فعلت خيراً لم نشكرك، وإن فعلت شراً لم نلمك، فرجع به إلى الوزير وقال له: ما هذا الذي كتبت أيها الوزير؟ فقال: تلك علامة بيني وبين العامل إذا أردت قضاء حاجة إنسان، فإن السؤال كثير، فقال أبو العيناء: لعن الله الوزير، وقطع يديه ورجليه، وأعمى عينيه، وأصم أذنيه، فقال الوزير: ما هذا الدعاء؟ فقال: هذه علامة بيني وبين ربّي إذا أردت أن يستجيب لي في قضاء حاجة إنسان. (1) من معارك التاريخ الفاصلة وكانت بين المسلمين بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه والمرتدين بقيادة مسيلمة الكذاب عام 12ه . (1) محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر الهاشمي، بالولاء، أبو العيناء (191 - 283 ه ) : أديب فصيح. من ظرفاء العالم، ومن أسرع الناس جوابا. اشتهر بنوادره ولطائفه. وكان ذكيا جدا، حسن الشعر، مليح الكتابة والترسل، خبيث اللسان في سب الناس والتعريض بهم. كف بصره بعد بلوغه أربعين سنة من عمره. أصله من اليمامة، ومولده بالاهواز، ومنشأه ووفاته في البصرة. [email protected]