كثيراً ما كان أقطاب السياسة اللبنانية في حاجة إلى التذكير بأن في العالم قضايا أخرى كثيرة تنشغل بها الدول الكبرى. وأنه مع أهمية الصراع الدائر في لبنان ومن حوله فإنه ليس من المتصور أن يترك العالم كل قضاياه السياسية والاقتصادية وحروبه وصراعاته لكي يتفرغ للبنان. . وكالعادة يستغرق الأمر وقتاً وأثماناً غالية يتم دفعها حتى يصل الفرقاء أخيرا إلى هذه الحقيقة. . وهو ما حدث أخيراً في ظل مناخ التهدئة الذي تم فرضه على المنطقة ومع نهج البحث عن تسويات للمشاكل والقضايا المعلقة في الجبهات الملتهبة مع مجيء إدارة أوباما، ومع الاتجاه إلى المصالحة بين الأطراف العربية التي مازالت الخلافات تمزقها، ومع الحرص على أن تمر الانتخابات اللبنانية بعد أسابيع على خير، وهو ما منع تصاعد الموقف بعد الأزمة بين حزب الله والقاهرة، وما يأمل الجميع أن يساعد في تجاوز الموقف بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بالإفراج عن الضباط الأربعة. وليس الأمر جديداً في لبنان، فهكذا كان الموقف يسوء دائما حين يضعف العرب وتلعب القوى الخارجية أوراقها، وتتفرق الصفوف ثم يكتشف الجميع في النهاية انهم أبناء وطن واحد محكومون بالعيش على أرضه والدفاع عن كل شبر فيه تحت مظلة العروبة أمام عدو لا يفرق بين مسلم ومسيحي، ولا بين شيعي وسني، ولا بين يمين ويسار. . فالكل لديه عرب، والعروبة هي عدوه الأول لأنها تعني أن القدس عربية وأن فلسطين عربية ولأنها هي النقيض لصهيونية نازية تعادي الإنسانية كلها حين تعادي العروبة. لكن الكارثة الحقيقية أن ما استوعبه الأشقاء في لبنان لا يريد الأشقاء في فلسطين نفسها أن يستوعبوه!! وهاهم الاخوة في «فتح» و«حماس» يتصرفون وكأن على العالم كله أن ينتظر حتى يهديهم الله إلى المصالحة الموعودة!! ولا أريد أن أدخل في تفاصيل الخلافات التي أصبحت معروفة للجميع، ولكن إذا كان الفصيلان الأساسيان (فتح وحماس) لا يجدان طريقاً للتفاهم بعد كل هذه الجولات. . فلماذا كان الحوار منذ البداية؟ وهل هو لاستهلاك الوقت أم لرفع العتب ؟ وإذا كان العكس هو الصحيح وهناك إمكانية للتفاهم. . فلماذا تضييع الوقت ؟ ولمصلحة من ؟ وإلى متى تتحمل القضية هذا العبث ؟ الحقيقة الأساسية هنا أن كل فريق يعتبر أن التنازل عما في يده من «مكاسب» هو إضرار بالقضية الفلسطينية. «حماس» تعتبر أن انتصارها في غزة هو انتصار لمنطق المقاومة، و«السلطة» في رام الله تعتبر أن ما حققته منذ أوسلو هو مكاسب لا يمكن التنازل عنها، وأن الاستمرار في نفس الطريق سيحقق الهدف ويقيم الدولة ويضمن التسوية السياسية العادلة!! لا أحد يريد أن يعترف بأن التخلي عن الحق المشروع في المقاومة قبل الوصول إلى الحل السياسي كان خطأ، وأن التفاوض دون استناد إلى القوة لا يؤدي إلى شيء. ولا أحد على الجانب الآخر يعترف بان تصحيح الخطأ لا يأتي بقتال الأشقاء، وأن الانقسام كارثة، وأن التوصل لحلول تشارك فيها كل الفصائل هو الذي يضمن وحدة الصف. ولا أحد في الجانبين معاً يعترف بأنه يصارع على سلطة وهمية، وأن أي مكسب لأي طرف ( في ظل الانقسام ) هو خسارة للقضية، وأن العدو هو المستفيد الأكبر حيث لا يجد في مواجهته المقاومة الحقيقية التي تجبره على الرضوخ، ولا المفاوض القوي القادر على استخلاص الحقوق المشروعة. والنتيجة. . تتحرك الإدارة الأميركية ويعلن الرئيس أوباما أنه مصمم على الوصول إلى تسوية على أساس حل الدولتين أثناء ولايته الأولى. وبدلاً من انتهاز فرصة وجود أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً وضعفاً في مواجهة أميركا والعالم، نضيع الوقت في حوارات لا تنتهي بين «حماس» و«فتح»! ويستعد البيت الأبيض ليستقبل هذا الشهر الرئيس المصري مبارك والفلسطيني أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. وبدلاً من أن يذهب مبارك وأبو مازن ووراءهما مصالحة عربية شاملة، واتفاق تام بين الفصائل الفلسطينية، ورؤية عربية بالحل المطلوب والعواقب الوخيمة على المصالح الأميركية نفسها إذا لم يتم التوصل إليه. . يذهب الرئيسان العربيان وكل شيء على الجانب العربي والفلسطيني مؤجل ! بينما يذهب نتنياهو ومعه مخططه للتسويف وشراء الوقت وبيع الأوهام وتحويل القضية إلى مشاريع لتحسين الأحوال الاقتصادية للفلسطينيين وتأجيل أي حديث جاد عن الدولة الفلسطينية لحين القضاء على الخطر الإيراني، وربما بعدها يظهر الخطر الباكستاني أو الإندونيسي. . وحتى ذلك الوقت يستمر تهويد القدس وتوسيع الاستيطان في الضفة، وتستمر الجهود الصهيونية لفرض شرط «يهودية الدولة» بما تعنيه من طرد فلسطيني الداخل. . بينما نحن نتابع مباحثات المصالحة بين فتح وحماس، ونقرأ الفاتحة على من ينضمون لقافلة الشهداء. كاتب صحفي مصري