ادانات دولية واسعة لجريمة العدوان الأمريكي على ايران    الدولار في عدن 3000    الإمارات ومليشياتها تضاعف من معاناة المواطنين بالجنوب    وزارة الخارجية : العدوان الأمريكي يعد انتهاكاً سافراً لسيادة إيران    خبراء :المشروبات الساخنة تعمل على تبريد الجسم في الحر الشديد    إيران تطلق دفعتين صاروخيتين وإعلام إسرائيلي يتحدث عن دمار كبير    أيها الرئيس ترامب.. لا تنتحر    أيش ذا يا عم علي.. ليش ذا؟    حادث مفجع يفسد احتفالات المولودية بلقب الدوري الجزائري    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (3)    أول موجة إيرانية بعد العدوان الأمريكي    أثار نزاعا قانونيّا.. ما سبب إطلاق لقب «محاربو السوكا» على ترينيداد؟    فلومينينسي ينهي رحلة أولسان المونديالية    السلبية تسيطر على ريفر بليت ومونتيري    الرئيس الزُبيدي يُعزّي الشيخ عبدالرب النقيب في وفاة شقيقه    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    من بينها فوردو.. ترامب يعلن قصف 3 مواقع نووية في إيران    العليمي وبن بريك والمعبقي يصادرون موارد الصناديق الإيرادية الجنوبية    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    هاني الصيادي ... الغائب الحاضر بين الواقع والظنون    روايات الاعلام الايراني والغربي للقصف الأمريكي للمنشآت النووية الايرانية وما جرى قبل الهجوم    ترامب يعلق مجددا على استهداف إيران    الدفاعات الإيرانية تدمر 12 طائرة مسيرة صهيونية في همدان    استعدادات مكثفة لعام دراسي جديد في ظل قساوة الظروف    بتواطؤ حوثي.. مسلحون يحرقون منزلاً في محافظة إب بعد نهبه    حملة لازالة البساطين والعشوائيات في باب اليمن    محافظ تعز يبحث مع مسؤول أممي أزمة المياه والحلول الممكنة    تدشين الدورة الآسيوية لمدربي كرة القدم المستوى "C" بالمكلا    الرزامي يهاجم حكومة الرهوي: الركود يضرب الاسواق ومعاناة الناس تتفاقم وانتم جزء من العدوان    ما وراء حرائق الجبال!!    الرهوي يشيد بجهود وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية    الطوارئ الإيرانية: إصابة 14 من طواقم الإسعاف وتضرر 7 سيارات جراء العدوان الصهيوني    إحباط عملية تفجير غربي إيران واعتقال عنصر مرتبط بالموساد    ليفاندوفسكي يحدد وجهته بعد حقبة برشلونة    تشيلسي يقترب من إبرام صفقة مؤجلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 21 يونيو/حزيران 2025    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    بين حروف الرازحي.. رحلة الى عمق النفس اليمني    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    مليشيا درع الوطن تنهب المسافرين بالوديعة    صنعاء .. موظفو اليمنية يكشفون عن فساد في الشركة ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة جحاف    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    الأمم المتحدة تقلّص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تراجع كبير في التمويل    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    الصبر مختبر العظمة    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موظفو تعز.. ضياع بين حكوميتين
فيما سلطات الانقلاب تتبرأ منهم.. والحكومة الشرعية تهديهم الوعود المسكنة
نشر في أخبار اليوم يوم 30 - 03 - 2017

يشعر بأسى كبير أحد أساتذة جامعة تعز، وهو يتذكر كيف رفض صاحب البقالة المجاورة لمنزله أن يدينه كيلو واحد من البطاطا ليطعم به صغاره.
بألمٍ طافح، يقول الأكاديمي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه ل"أخبار اليوم"، وهو ينظر إلى الأرض،: "درست لسنوات طويلة وتخرجت أكاديميا، ولم أكن أتوقع يوما أن أكون بمثل هذا الموقف".
"شهادتي في بلادي لم تقني من الجوع والحرمان، وكثيرا ما فكرت بالسفر إلا أني حاليا لا أستطيع حتى ذلك بسبب التكاليف، وأنا مضطر لأن أبقى لأجل أبنائي الذين يدرسون في بعض المدارس التي لم تغلق أبوابها بعد": يضيف الأكاديمي في جامعة تعز.
ويتابع:" لا أعيش أنا فقط هذا الوضع المزري، فلكل زميل قصص كثيرة مؤلمة، ويبدو أن من لم يمت بالقذائف والرصاص سيموت جوعا".
منذ أغسطس/آب 2016، والموظف اليمني بشكل عام، وفي تعز بشكل خاص، يعيش وضعا صعبا بعد انقطاع مرتبه، الأمر الذي فاقم من معاناتهم، وجعل أعباءهم تزيد بشكل كبير، وصار همهم الأكبر هو لقمة العيش.
انقطعت عنهم المرتبات بعد أن بدد الانقلابيون من سبتمبر/أيلول 2014 أموال الدولة، ونهبوا قرابة 800 مليار ريال يمني، ضاربوا فيها بالأسواق، فانهار الوضع الاقتصادي في البلاد.
ارتفع التضخم في اليمن إلى 43%، فيما بلغ عجز الموازنة العامة 7 مليارات دولار، في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني 2015 وأغسطس/آب 2016 ، حسب تقارير اقتصادية.
بين بنكين
حاولت الحكومة إنقاذ البلد من الوضع المنهار، بعد عدم التزام الانقلابيين بحيادية البنك، وعملت على نقله في سبتمبر/أيلول 2016 من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، وبدأت برفده بموارد الدولة التي ما يزال كثير منها بيد الانقلابيين.
وعقب أشهر من نقلها للبنك، واستنزاف الانقلابيين لاحتياطي الدولة من النقد، قامت الحكومة الشرعية بطبع مائتي مليار يمني، من أجل تخفيف معاناة المواطن، الذين امتنعت مليشيا الحوثي عن تسليم مرتباتهم، فضلا عن استعادتها مؤخرا 700 مليون دولار من البنوك الخارجية، وهي ما تبقى من الاحتياطي النقدي.
كما قامت المملكة العربية السعودية، بدعمهم ووضع ملياري دولار في خزينة البنك المركزي، كوديعة لدعم الاستقرار المالي في البلاد، وتعزيز الثقة بالاقتصاد اليمني.
لكن كل تلك الحلول لم تحل مشكلة موظفي الدولة، الذين يتجرعون المعاناة بشكل يومي فأخذت من نفسياتهم وصحتهم، وبقيت الأموال المنهوبة مكدسة في كهوف محافظة صعدة، وبلغت ثروات القيادات الانقلابية مبالغ طائلة.
بينما يموت قطاع واسع من الشعب وهو يقترب يوما بعد آخر من شبح المجاعة المميتة لا الجوع هذه المرة، فيما يستمر الحوثيون بصرف إيرادات الدولة لتغذية حروبهم، خاصة مع عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى كافة المواطنين.
وبين حكومتين وبنكين تستمر معاناة الموظفين، ولا يجدون ما يخفف عنهم بعد أن أغلقت كل الأبواب في وجوههم.
توجيهات ووعود عرقوبية
وكانت حكومة بن دغر أعلنت مطلع مارس الجاري عن بدء صرف مرتبات موظفي محافظة تعز، وأولهم التربويون، وذلك عبر شركة الكريمي للصرافة، بحسب ما كشفه السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر/ غمدان الشريف ل"سبتمبر نت".
جاء ذلك بعد يوم واحد من انتفاضة موظفو محافظة تعز لمطالبة الرئيس عبد ربه منصور هادي توجيه حكومته مباشرة وبدون تلكؤ بصرف رواتبهم المقطوعة لستة أشهر متتالية.
ورغم التوجيهات الصادرة عن رئيس الوزراء بصرف مرتبات موظفو محافظة تعز، إلا أن موظفو المحافظة يعتبرون ذلك مجرد وعود لتسكين الوجع، حد وصفهم.
ولم تكن توجيهات ووعود الحكومة الشرعية هي الأولى من نوعها، فقد سبق أن وجه رئيس الوزراء في تاريخ 20/12/2016 بصرف مرتبات 3 أشهر للموظفين المدنيين بمحافظة تعز.
إلا أن هذه التوجيهات ظلت حبرا على الورق ولم يستلم الموظفين مرتباتهم، حد تأكيدات موظفين اعتبروا ذلك عملية تحفظ من قبل محافظ البنك المركزي على شيكات مرتبات محافظة تعز التي تأكد استلامه لها.
وينتقد ناشطون التباطؤ في تنفيذ تلك التوجيهات، بحجة عدم وجود سيولة تارة وتارة أخرى بمبرر مخاوف انهيار الريال اليمني أمام العملة الصعبة. ويعيبون صمت الاقتصاديين التابعين والموالين للحكومة الشرعية المدقع عن هذا الأمر.
مؤكدين أنه ليس هناك مبررات للبنك المركزي أو للحكومة الشرعية في احتجاز مرتبات موظفي القطاع العام تحت مبرر الحفاظ على قيمة العملة اليمنية من التدهور.
ومنتصف مارس الجاري وجه رئيس الوزراء بصرف مرتبات الموظفين والعاملين في إذاعة تعز. وبحسب توجيه بن دغر، فإن صرف مرتبات الموظفين والعاملين في الإذاعة سيكون منذ شهر أكتوبر الماضي.
وفي التاسع عشر من ذات الشهر وجه رئيس الحكومة الشرعية بصرف رواتب موظفي مؤسسة الجمهورية للصحافة.
ووفقاً لكشوفات المرتبات بحسب موازنة الدولة لعام 2014م بلغ إجمالي مرتبات موظفي المؤسسة اثنان وثلاثون مليونا ومائتان وعشرة آلاف ريال.
برنامج الأمعاء الخاوية
وفي ردة فعل استنكارية على تأخر صرف مرتباتهم لجأ موظفو محافظة تعز إلى تدشين فعاليات احتجاجية مطلع فبراير المنفرط للمطالبة بسرعة الإفراج عن مرتباتهم الموقوفة.
وضمن فعاليات "برنامج الأمعاء الخاوية" يواصل موظفو مختلف القطاعات في تعز احتجاجاتهم من خلال المسيرات والوقفات، وغيرها من الأنشطة، حتى ترضخ الحكومة الشرعية بصرف مرتباتهم كاملة.
ولا يكاد يخلو يوم من فعالية احتجاجية لموظفي القطاع العام بالمحافظة، والتي تتسم بعضها بلغة سخرية وتهكمية من تأخير صرف المرتبات وما لحقهم جراءها من أوضاع مأساوية.
وعلى سبيل الذكر خرج موظفون مع أبناءهم إلى الشوارع في إحدى المسيرات المستنكرة تأخير صرف المرتبات، وهم يحملون الأواني المنزلية الفارغة بينما يدقون عليها ويهتفون: "يا الله يا الله.. مامبوش حق الطمطوسة.. و لا حق كدمه ولا حق سمبوسة.. نشتي منك ربطه خضرورة.. نشتري دجيي.. نفرح البنتوتة.. وسكر وشاهي ودقيق..ونخلي الحجة تعمل بسبوسة".
ومؤخراً وصل موظفو تعز إلى خيار تصعيد فعالياتهم، والتي كان آخرها التهديد بالإضراب الشامل في الخامس والعشرين من مارس الجاري، إذا لم تتخذ حكومة بن دغر خطوة جادة في تنظيم وصرف مرتباتهم المنقطعة منذ نصف عام.
ألوان من المعاناة
يقف أكاديميو اليمن- وهم جزء من موظفي الدولة- عاجزين عن فعل شيء، بعد أن تفاقمت معاناتهم بعد مرور قرابة ستة أشهر منذ آخر مرتب حصلوا عليه، ووعود كثيرة لم تطعمهم، وإنما كانت كالمسكنات، جعلت الموظفين يتعلقون بحبل الأمل شهرا بعد آخر.
حين صار همهم الأكبر كيف يطعمون أبناءهم، ويفون بالتزاماتهم المالية خاصة للدائنين، حفاظا على كرامتهم، فسقط عديد منهم مرضى نتيجة الضغوط النفسية التي عاشوها، فأصيبوا بمختلف الأمراض المزمنة كالضغط والسكر وأمراض القلب.
"تأثر وضع الشعب بأكمله بسبب انقطاع المرتبات، ونحن كمدرسين جزء من نسيج هذا الشعب المطحون المغلوب على أمره"، هذا ما قاله الأكاديمي بكلية الهندسة بتعز/ مراد رسام ل"أخبار اليوم".
ويضيف متألما:" رضينا أن نخدم الوطن بالرغم من العروض المغرية التي تلقيناها من أكثر من جامعة عريقة، خارج اليمن عربيا وحتى على مستوى العالم، ضحينا بأرواحنا وساهمنا منذ اللحظات الأولى لاستعادة الحرم الجامعي في إعادة تطبيع الحياة فيه، واستأنفنا التدريس فصلا بعد آخر، وكلنا أمل بانتظام الحياة فيها وفي كل تعز، ودون أن نستلم مرتباتنا منذ أغسطس/آب 2016".
"وبرغم ذلك نعيش نحن الأكاديميون عيشة الكفاف كباقي فئات الشعب وبالذات في تعز المحاصرة المحرومة من كافة الخدمات الإنسانية اللازمة لحياة الإنسان": يؤكد الدكتور/ رسام.
ويردف: "لدينا أطفال يدرسون في المدارس ولا نجد أحيانا ما ندفعه لهم كرسوم دراسية، ومستلزمات أخرى كالكتب والدفاتر وغير ذلك".
ويضيف:" تنازلنا عن حقنا في استمرار البحث العلمي، لأن ذلك أضحى ضربا من الرفاهية التي لا نتخيل حصولنا عليها في ظل هده الظروف، وأصبح البعض منا غير قادر على دفع إيجار منزله، واضطر لترك أطفاله وعائلته في القرى مع صعوبة الوضع المعيشي هناك ولكن ما باليد حيلة".
ويتابع رسام: "بعضنا أصبح لا يجد أجرة المواصلات كي يذهب للجامعة ويعطي دروسه اليومية، وبسبب غياب بعض زملائنا لظروف قاهرة اضطررنا لتحمل أعباء تغطية مقررات إضافية فوق طاقاتنا، مما جعل حياتنا الطبيعية مع أسرنا شبه مستحيلة، خاصة أننا نعيش كباقي سكان تعز تحت وطأة القصف والقذائف اليومية، وكذلك مآسي الحصار وانعدام الأمن بكافة أشكاله".
وبوجع يستدرك:" كل ذلك لم يشفع لنا لنحصل على أبسط حقوقنا كبشر، عوضا عن أننا أفنينا أعمارنا في التحصيل العلمي؛ لنخدم مجتمعنا ونبني أجيالا مسلحة بالعلم والازدهار".
احتجاجات
حرصوا على العمل برغم أن أجرة الباص سلفة، من أجل أن لا يضيع مستقبل الطلاب، ولكن اضطرتهم الظروف الصعبة للإضراب كما حدث في جامعة صنعاء، وللبدء بتنفيذ وقفات احتجاجية كما حدث مؤخرا في جامعة تعز.
لا تعنيهم المهاترات السياسية لا من قريب ولا من بعيد، وإنما قاموا بالوقفة الاحتجاجية التي نفذوها الأربعاء، إلا بعد تدهور وضعهم المعيشي، هذا ما يؤكده الأكاديميون الذين تحدثنا إليهم بتعز.
وعن الخطوات التصعيدية التي سينفذها أكاديميو جامعة تعز من أجل الحصول على مرتباتهم، يذكر الدكتور بكلية الهندسة/ مراد رسام، أنهم سيستمرون بالوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، ليوصلوا صوتهم للجهات المعنية.
ويضيف، في حديثه لمراسلة"أخبار اليوم"،: "سنضطر آسفين- إن لم يتم الاستجابة لمطالبنا- إلى الإضراب التام والشامل عن مهامنا الأكاديمية والإدارية، وبالتالي إيقاف العملية التعليمية ككل، وسنخرج للبحث عن أي مصدر رزق نقتات منه، ونطعم أسرنا ولو بالحد الأدنى الكافي لاستمرار الحياة".
وينوَّه إلى أن الشلل في الحياة العامة الذي سيحدث نتيجة إيقاف العملية التعليمية في الجامعة، وهو ما قد يدفع الطلاب وأساتذتهم للخروج إلى الشوارع. لافتا إلى صعوبة التنبؤ بما قد يحدث في ظل الوضع الكارثي الذي تعيشه تعز في مختلف المجالات.
ويدعو "رسام" الحكومة الشرعية إلى أن تولي مرتباتهم اهتماما بالغا وسريعا. ويستطرد:" نحن بشر نريد أن نوفر لأهالينا وأطفالنا الحد الأدنى من متطلباتهم، وهذا حق كفله الدستور والقانون وجميع النظم والشرائع". مُحملا من يهمه الأمر أي نتائج كارثية قد تحصل نتيجة إيقاف العملية التعليمية بشكل تام في الجامعة.
تسلل الأمل إليهم
يطارد شبح الجوع منذ خمسة أشهر أيضا الأستاذ (م.ا) المتقاعد من ست سنوات، بعد قيام المليشيا الانقلابية بنهب أموال المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للقطاع الخاص التجاري والصناعي والخدمي والشركات النفطية والاتصالات والبنوك في عموم البلد، والتي تُقدر بثلاثمائة مليار ريال (1.2 مليار دولار).
يقول المتقاعد الستيني ل"أخبار اليوم": "إن استلمت المرتب لا أعلم أين أذهب به، فلدي إيجار المنزل، وديون متراكمة، وأغراض البيت الضرورية من أكل وشرب، وهي أمور مهمة تبقي على كرامتنا وتحافظ على حياتنا".
يشعر بإحباط كبير أثناء حديثنا معه، بينما يضيف: "كنت ألوم بعض من ينتحرون بسبب الأزمات المالية، لكن أصبحت أشعر بمعاناتهم، وكل ما أرجوه أن تنتهي هذه المعاناة التي تزداد بشاعة وضراوة يوما بعد آخر".
لا يختلف كثيرا حال الأستاذة في مدرسة النهضة بتعز(أ.ا)، والتي تقول: "حين استلمت مؤخرا مرتبي بعد انقطاع لأشهر، وزعته للدائنين في نفس اليوم، ولم يبقَ لي منه ريال واحد".
وأردفت في حديثها ل"أخبار اليوم": "كأننا لم نستلم مرتب، لكن ما يخفف قليلا عنّا هو أن هناك أمل بأن لا ينقطع المرتب نهائيا، وهو الأمر ذاته بالنسبة للدائنين".
تتشابه قصص كل موظفي الدولة، الذين يجمعهم الوجع ذاته ولكن مع اختلاف درجاته، وهو يشتد يوما بعد آخر مع كل يوم يمر عليهم دون أن يكون هناك ريالا واحدا في منزلهم.
الأثر بعيد المدى
ويذهب الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي/ نبيل الشرعبي، إلى أن عدم تسليم المرتبات للموظفين جعلهم يصرفون كل ما جمعوه من مدخرات مادية وعينية، فضلا عن لجوء بعضهم إلى بيع أثاث السكن والأدوات المنزلية، وصولا إلى نفادها كليا في بعض الحالات.
ونجم عن تعثر تسليم المرتب- كما يقول الشرعبي ل"أخبار اليوم"- نجم عنه إتباع أسلوب إجباري في الحد من الإنفاق على الصحة والغذاء والتعليم وتحسين ظروف الحياة، مما أثر سلبا على عملية التحصيل العلمي، وتزايد المشاكل الصحية مع العجز عن مواجهتها، عاظم من ذلك سوء التغذية، وهذا يمتد أثره على المدى البعيد، ومعالجاته مكلفة للغاية.
وكانت منظمة اليونيسف، في أحدث تقرير لها، قالت أن استمرار الصراع وعدم قدرة السلطات على دفع أجور المعلمين والتربويين منذ 6 أشهر في مختلف محافظات اليمن يهدد بحرمان مزيد من الأطفال من التعليم، علاوة على وجود قرابة مليوني طفل في سن التعليم خارج المدارس معظمهم كانوا خارج التعليم قبل هذا الصراع الجاري.
وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على تعويض المدخرات التي فقدت بأنواعها كافة، فما أنفقه موظف خلال بضعة أشهر يحتاج إلى سنوات لاسترداده، بل سيكون استرداده على حساب الإنفاق على تجويد تعليم الأبناء وصحتهم وتغذيتهم، وهو ما يعني أن المشكلة لن يكون من السهل علاجها كليا إلا على مدى بعيد وبتدخل من الدولة، حسب الصحفي الشرعبي.
ويشير إلى أن عدم تسليم المرتبات، تسبب في زيادة المشاكل الأسرية وارتفاع نسبة الطلاق، وهو ما لا يمكن تجاوزه بمجرد عودة المرتب، وسيبقى أثره ولو على مدى متوسط، وهو ما لا يجب إغفاله.
واعتبر أن الحلول التي يتحدث عنها مختلف الأطراف في قضية تسليم المرتبات، ليست أكثر من مخدر موضعي لإزالة الألم مؤقتا، ومن ثم عودته أقوى بكثير مما كان عليه وبالذات مع معاودة التعثر مجددا.
سياسة التجويع
وتطرق الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي/ نبيل الشرعبي، إلى سياسية التجويع التي يبتكرها صناع الحروب وتجارها؛ لإيجاد حقول ملغومة من البشر بالجوع والفاقة يسهل معها تجنيد وتجييش هؤلاء البشر.
ومضى بالقول:" إن مسألة إعلان الطرف المسئول عن عجزه عن الوفاء بمرتبات موظفي الدولة ثم التوقف عن دفعه، ليس مجرد عمل عبثي بل تكتيكي يلجأ إليه سماسرة الحروب للقضاء على أي توجه رافض أو مناهض لهم".
وخاطب الشرعبي أصحاب القرار في الشرعية: "إن استمرار نجاح تحالف انقلاب صالح- الحوثي، في صناعة الجوع، معناه استمرار وبقاء هذا التحالف الانقلابي قويا، ولذلك فإن إفشال هذه الصناعة يجب أن ينال أولوية عاجلة، مرتكزا على محددات، أبرزها: توجيه رسائل للموظفين للضغط على الجهات لإرسال كشوفات الراتب للحكومة الشرعية".
وطالب بالتعجيل بتسليم مرتبات موظفي الجهات المعنية بالشأن الإنساني، وفي المقابل إيقاف مرتبات العسكريين والأمنيين كليا في المناطق الخاضعة لسيطرة تحالف انقلاب صالح- الحوثي، مع ربط ذلك باستثناء ملخصه "من يريد مرتبه عليه التوجه إلى العاصمة المؤقتة عدن، أو إتباع آلية معينة لذلك".
تستمر معاناة الموظفين في محافظة تعز، كغيرهم في غالبية محافظات اليمن، في هذه الظروف الصعبة التي يعيشونها، في ظل الحرب وانقطاع المرتبات، دون أن يلتفت لهم أحد.
وبرغم لجوء البعض منهم إلى العمل على باصات أو كباعة متجولين، أو في المطاعم، إلا أن ذلك لم يفي بالغرض، وبالكاد أسكت أمعاء أطفالهم الخاوية.
*تصوير/ توفيق آغا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.