خلال عامين ونصف من سيطرتها على العاصمة اليمنيةصنعاء والعديد من المحافظات الأخرى، شنت جماعة الحوثي المسلحة أوسع حملة اعتقالات يشهدها اليمن ضد خصومها ومناهضيها من سياسيين وأكاديميين وحقوقيين ونشطاء وإعلاميين، وغيرهم من أبناء الشعب اليمني. وتكشف شهادات مختطفين عاشوا تجربة الاعتقال عن روايات مرعبة حول التعذيب والموت في سجون جماعة الحوثي وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح، تنوعت ما بين الصعق الكهربائي ونزع الأظفار والكي بالنار والضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية، وأساليب تعذيب أخرى لا تقل وحشية عن سابقاتها. ناجون من السجون قالوا إن الحوثيين كانوا يكبلون أيديهم وأرجلهم ويضربونهم بوحشية في وجوههم ورؤوسهم ومؤخراتهم.. وذكر آخرون أن عددا من المختطفين كانوا ينزفون ويتقيؤون دما، ولم يتلقوا العلاج في حين يموت البعض تحت وطأة التعذيب. وقالت مصادر حقوقية إن ممارسات جماعة الحوثي المسلحة وحليفها الرئيس السابق علي صالح نسفت كل مضامين التشريع الوطني وفي مقدمتها الدستور والقوانين النافذة والحقوق المكفولة بموجبه أو بموجب المواثيق والاتفاقات الدولية فيها، التي يعد اليمن طرفا. ويتناول تقرير حقوقي حديث أطلقته منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان في العالم العربي عن قضية المعتقلين في اليمن، تحت مسمى (اليمن: ضحايا خلف القضبان)، يتناول القضايا المأساوية للمعتقلين والمخطوفين والمخفيين قسريا في اليمن، منذ منتصف العام 2014 وحتى نهاية الربع الأول من العام 2017 من قبل جميع الأطراف المتصارعة في اليمن. حقوق انتهكتها المليشيا تضمن التقرير سياقا عاما وملخصا تنفيذيا عن حالة حقوق الإنسان في اليمن خلال الثلاث السنوات الماضية وأوضاع المعتقلين في السجون وكذا المخفيين قسريا، وحجم الانتهاكات لحقوق الإنسان في هذا الجانب من قبل جميع الأطراف في اليمن، وفي مقدمتهم ميليشيا جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح وكذا القوات الحكومية وبعض الجماعات المسلحة المدعومة من قوات التحالف. اشتمل التقرير كذلك على نماذج كثيرة من القصص المأساوية للمعتقلين والمخطوفين والمخفيين قسريا، في بلد فقير أنهكته الحرب وتناسى المتحاربون فيه هذا الملف الشائك والمؤلم والذي أصبح يؤرق أسر الضحايا، كما يثير اهتمام الكثير من الناشطين والمنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية الدولية. ويختتم هذا التقرير، بتوصيات لمختلف الأطراف المعنية بحقوق الإنسان في اليمن، وبالشأن اليمني عموما، ويعد ضمن سلسلة إصدارات وتقارير دورية تصدرها منظمة (رايتس رادار)، اعتمد هذا التقرير في بياناته على الراصدين الميدانيين لمنظمة (رايتس رادار) الذين ينتشرون في أكثر من 18 محافظة يمنية، بالإضافة إلى تقارير وبيانات ومعلومات قام راصدون محليون بتوثيقها في معظم المحافظاتاليمنية، وكذا تقارير وبيانات صادرة عن منظمات حقوقية تابعة للأمم المتحدة وأخرى عن منظمات غير حكومية محلية ودولية. سجون سرية وبحسب التقرير، كشفت مصادر حقوقية لمنظمة "رايتس رادار" أن جماعة الحوثي والرئيس السابق علي صالح أنشأت 484 معتقلا جديدا، بالإضافة إلى العشرات من المعتقلات والسجون الرسمية التابعة للسلطات الأمنية في العاصمة صنعاءوالمحافظات التي تسيطر عليها. وأوضحت أن عدد الأشخاص الذين اختطفتهم واعتقلتهم جماعة الحوثيين تجاوز 16800 معتقلاً ومخطوفا، منذ بداية سيطرة المسلحين الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014 وحتى نهاية آذار/مارس 2017. حيث قامت الجماعة بتحويل 484 من المباني الحكومية والأهلية إلى معتقلات لمعارضيها بينها 227 مبنى حكوميا و27 مؤسسة طبية و49 مبنى جامعياً و99 مدرسة عامة وخاصة و25 نادياً رياضياً و47 مبنى قضائياً و10 منازل مواطنين. وذكر التقرير أن جماعة الحوثي فور سيطرتها على العاصمة صنعاء قامت بحملة اقتحامات لمقار الأحزاب السياسية والوسائل الإعلامية وقنوات التلفزة وبيوت معارضيها. كما قامت بحملة اعتقالات في نطاق واسع بالعاصمة صنعاء، شملت المئات من السياسيين والوزراء والإعلاميين والأكاديميين الجامعيين. بالإضافة إلى نشطاء شباب في إطار سياسة إسكاتها أصوات المناهضين لسياستها المسلحة للانقلاب على السلطة. وأكد التقرير أنه لا تزال عمليات الاختطافات والاعتقالات الحوثية لمعارضيها السياسيين ومنتقديها وسجناء الرأي متواصلة، وفقا لمصادر المنظمة، وللتقارير الحقوقية التي تصدرها المنظمات المحلية والدولية. مفقودون بلامصير وذكرت مصادر حكومية أن عدد المعتقلين الذين لا زالوا في سجون المليشيا الحوثية بصنعاء لوحدها حتى نهاية العام 2016 تجاوز 4414 حالة، بينهم سياسيون وإعلاميون وناشطون شباب وفئات عمالية. ووفقاً لمندوب اليمن الدائم لدى الأممالمتحدة/ خالد حسين اليماني، ففي مقدمة هؤلاء المعتقلين اللواء محمود الصبيحي (وزير الدفاع)، واللواء ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس هادي)، والعميد فيصل رجب (قيادي عسكري) والقيادي البارز في تكتل أحزاب اللقاء المشترك محمد قحطان. وقال اليماني، في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في 22 كانون أول/ديسمبر 2016 تجاوز عدد الأشخاص الذين اختطفهم واعتقلهم مسلحو الحوثي وصالح 16800 معتقلاً ومخطوفاً ومخفياً قسراً، خلال سنتين ونصف، ومحرومون من كافة الحقوق الإنسانية. وأشار إلى إن إجمالي عدد الأطفال المعتقلين بلغ 204 أطفال، فضلا عن توثيق 91 حالة اعتقال لأكاديميين ومدرسي جامعات. وأوضح أن العاصمة صنعاء كانت الأعلى في عدد المعتقلين والمفقودين الذي وصل عددهم إلى 2973، تليها محافظة الحديدة 1035، ثم محافظة إب 871 حالة، وان العدد الأكبر من المعتقلين والمفقودين كان من نصيب أبناء محافظة تعز. وقال اليماني: "لا يزال 17 صحافياً في سجون الحوثيين بصنعاء، حيث تعرضوا للتعذيب والاعتداءات الجسدية من بينهم الصحافي عبد الخالق عمران المحتجز في سجن الأمن السياسي، والذي يتعرض للتعذيب، مما ضاعف من سوء حالته الصحية والنفسية جراء استمرار تعذيبه وإصابته البالغة في عموده الفقري". وأضاف:" فيما توفي في ظروف غامضة مؤخرا الصحافي الاستقصائي محمد عبده العبسي بعد نشره معلومات دقيقة حول تورطه في تجارة الوقود والمشتقات القيادات الحوثية الرئيسي النفطية والإثراء منها على حساب معاناة شعبنا اليمني. حالات قمع ممنهج ويواجه السياسيون والناشطون المدنيون والمدافعون عن حقوق الإنسان في اليمن حالات قمع بصورة غير مسبوقة وتتسم بالعمل الممنهج، بالتوازي مع حالات تحريض وتخوين واتهام بالعمالة تستهدف أي صوت يحاول الوصول إلى الحقيقة أو انتقاد السياسات القمعية التي تتبعها سلطات الأمر الواقع الحوثية في المناطق التي تسيطر عليها، وهو الأمر الذي تبدو معه أداوت النضال السلمي المدني متعذرة ومحفوفة بالمخاطر وتشبه السير في حقل ألغام. واعترفت قيادات سياسية في حزب المؤتمر الشعبي العام، جناح علي صالح، شريك الحوثيين في الانقلاب على سلطة الرئيس عبده ربه منصور هادي، بوجود آلاف المعتقلين في سجون سرية وغير قانونية استحدثتها المليشيا الحوثية في العاصمة صنعاء بعيداً عن الأجهزة الأمنية وسلطات القضاء. وقال القيادي في حزب المؤتمر عبد الرحمن الأكوع، صهر صالح وأحد المقربين منه، خلال جلسة للبرلمان، بتأريخ 6 كانون أول/ديسمبر 2016، عقدها برلمانيو جناح صالح في المؤتمر، إن "أمانة العاصمة فيها أعدادا كبيرة من المعتقلين في سجون غير قانونية وإن غالبيتهم ليس عليهم تهم أو إدانات قضائية ويجب على جماعة الحوثي إطلاق سراحهم فورا". وأضاف الأكوع أنه ترأس لجنة لبحث أوضاع السجون فاكتشف كارثة في هذا الجانب، وأن هناك بيوتا تم تحويلها إلى سجون ودون علم أو إدارة من قبل القضاء. وطالب القضاء بتولي هذا الملف لأنه من صميم اختصاصه. وقال القيادي في حزب المؤتمر (جناح صالح)، أحمد الزهيري، وهو رئيس الدائرة التنظيمية في الحزب، إن هناك آلاف السجناء يقبعون في السجون الحوثية دون ذنب ارتكبوه ويجب إطلاق سراحهم. ووفقا لمصادر موثوقة أكدت لمنظمة رايتس رادار أن أكثر من %70 من المعتقلين جبروا على الإدلاء باعترافات قسرية عبر كاميرات فيديو والتوقيع على أوراق تعرض حياتهم أو حياة أحد أقاربهم للخطر في حال إفصاحهم عما جرى لهم من تعذيب أو تحقيق أو مكان اختطافهم أو المتسببين بالاعتقال أو التحدث لوسائل الإعلام أو المنظمات الحقوقية. مطالبات لاتلقى سمعاً ونظمت رابطة أمهات المختطفين في سجون جماعة الحوثي، وقفات احتجاجية أسبوعية في العاصمة صنعاء، لكنها قوبلت بالقمع من طرف مسلحي جماعة الحوثيين، بما في ذلك وقفات احتجاجية أمام مكتب الأممالمتحدةبصنعاء وكذا أمام مكتب النائب العام المعين من قبل الحوثيين، ولم تسلم أمهات المختطفين من الاعتداءات الجسدية عند بوابة مكتب النائب العام للحوثيين. وأفادت مصادر حقوقية موثوقة أن مليشيات الحوثي وصالح وضعت المعتقلين في زنازين انفرادية ومعتقلات تتنافى ومعايير القوانين الإنسانية وعرضتهم للتجويع والمنع من دخول دورات المياه. وبلغ عدد السجون 484، منها 227 أقيمت في مبانٍ حكومية و27 في مستشفيات ومؤسسات طبية بالإضافة إلى معتقلات في جامعات حكومية وخاصة وفي مدارس وملاعب، فيما بلغ عدد المعتقلات السرية نحو 10 سجون. وكانت منظمة (هيومن رايتس ووتش)، في تقريرها الصادر منتصف تشرين ثاني/نوفمبر 2016 اتهمت جماعة الحوثي بالاعتقال تعسفياً والإخفاء قسراً لمئات الأشخاص في اليمن. وطالبت جماعة الحوثي بالتوقف عن هذه الانتهاكات وحماية حقوق كل المعتقلين، والإفراج فوراً عن جميع المحتجزين تعسفيا، ومنح أسر المعتقلين والمحامين ومراقبين مستقلين إمكانية الوصول الفوري إلى مواقع الاحتجاز، للحد من مخاطر سوء المعاملة للسجناء المعتقلين في الزنازين الحوثية. سجل حافل بالانتهاكات وترفض مليشيا الحوثي - صالح توجيهات النيابات القضائية بإطلاق سجناء ومعتقلين، ووصل استهتارها بالسلطات القضائية إلى حد كتابة قيادي حوثي ردا بخط يده على توجيه لوكيل نيابة بالعاصمة صنعاء بإطلاق سجين، يقول فيه لوكيل النيابة حرفيا: "توجيهك بله واشرب ماءه"، وفقا لما تداوله نشطاء حقوقيون. ووفقا لراصدي منظمة "رايتس رادار"، لدى الحوثيين سجل حافل في الاختطافات والاعتقالات التعسفية، فمنذ بدء سيطرتهم على محافظة صعدة، شمالي اليمن، أقدم الحوثيون أثناء طقوسهم الدينية واحتفالاتهم السنوية، على اعتقال العشرات من السكان من تيارات مختلفة، بمن فيهم منتمون إلى حزب الإصلاح، المناهض لهم، ومواطنون عاديون، بحجة إجراءات أمنية، ويشمل ذلك قيام الحوثيين باختطاف العديد من سكان المحافظة بشكل تعسفي، ويحتجزونهم في سجون خاصة، قبل أن يطلقوا سراحهم الحقا بعد انتهاء تلك المناسبات. ويقوم الحوثيون بإحياء احتفالات سنوية في المناطق التي يسيطروا عليها في اليمن، مثل الاحتفال بذكرى ميلاد النبي محمد والاحتفال بيوم القدس العالمي. حيث تشهد تلك المناطق حالة طوارئ حوثية، يتم فيها ارتكاب العديد من الانتهاكات للحقوق بمبرر الإجراءات الأمنية، التي يقومون بها للحفاظ على سلامة الحشود الكبيرة التي يجمعوها لحضور هذه الاحتفالات.