بعد 8 أشهر ستدخل المحطة الشمسية الإماراتية الخدمة    مطار بن غوريون تحت القصف الحوثي.. ماذا يعني لليمن والسعودية وحلفائها؟    توقعات باستمرار الهطول المطري على اغلب المحافظات وتحذيرات من البرد والرياح الهابطة والصواعق    تسجيل اربع هزات ارضية خلال يومين من خليج عدن    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    الإعلان عن حصيلة ضحايا العدوان على الحديدة وباجل    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    ودافة يا بن بريك    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    مرض الفشل الكلوي (3)    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"يكلا".. نزيف وجع لا ينتهي
يمني يروي تفاصيل استهداف الطائرات الأمريكية لعائلته في البيضاء..
نشر في أخبار اليوم يوم 06 - 07 - 2017

ما يزال صالح محسن العامري، وهو من أهالي قرية يكلا بمحافظة البيضاء، يتذكر يوم التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2017م، ومعه مشاهد الجثث المرمية التي كان من بينها جثة ابنته فاطمة المغطاه بالدم وابنها محمد..
في روايته لتفاصيل استهداف الطائرات الأمريكية لعائلته في قرية يكلا بمحافظة البيضاء وسط اليمن، في أول عملية عسكرية للرئيس الأمريكي ترامب، يقول العامري: "في الصباح الباكر، وبعد انتهاء العملية، ذهبت إلى المواقع المستهدفة، وبينما كنت أبحث وجدت جثة ابنتي فاطمة ملقاة على الرصيف ورأيت ابنها محمد بين ذراعيها، وكانت مغطاة بالدم".
"لم أكن أتوقع أن هذا سيحدث في يوم من الأيام، لا أستطيع نسيان هذه اللحظات المؤلمة.. لقد ظننت في البداية أن حفيدي أحمد قد قتل أيضا، لكن عندما أخذته من ذراع أمه بكى، لقد كان نائما في أحضان أمه الميتة".
يستعرض أحد المواطنين اليمنيين تفاصيل استهداف الطائرات الأمريكية لعائلته في قرية يكلا بمحافظة البيضاء وسط اليمن، في أول عملية عسكرية للرئيس الأمريكي ترامب في يناير من العام الجاري.
يقول صالح محسن العامري، وهو جد من قرية يكلا، ومعظم أفراد عائلته لقوا مصرعهم في الهجوم- حسب صحيفة الاندبندنت البريطانية وترجمة "الموقع بوست"- "ظننت في البداية أن محمد حفيدي ابن العامين قد قتل أيضاً لكن عندما حملته انفجر من البكاء. كان نائما في حضن أمه التي ماتت في الهجوم".
ليلة الإنزال
يروي صالح العامري ما جرى ليلة الإنزال: "كنت نائماً مع عائلتي في منزلي ومع الساعة الواحدة والنصف فجراً سمعت إطلاق نار، في البداية، ظننت أنها مواجهات ضد مليشيات الحوثي أو اشتباك بين إحدى قبائلنا.
يستطرد "فكما تعلمون نحن بدو رحل وبيوتنا متباعدة بعض الشيء"، مشيرا إلى أنه بعد مرور نصف ساعة من الاشتباكات، بدأت طائرات تحلق وتقصف كل من يتحرك أو يحاول الخروج من بيته.
ويتابع في حديثه لصحيفة الاندبندنت "بالرغم من قرب الاشتباكات من بيتي، ظليت أنا وعائلتي في المنزل ولم نغادر رغم استمرار الانفجارات والاشتباكات، أنا وعائلتي لم نتوقع أو نتخيل بأنها عملية إنزال".
بحسب صالح فإنه أثناء العملية، سمع انفجاراً ضخما هز المنطقة وطائرات أباتشي تهاجم المنازل وتستهدف كل شيء يتحرك. "كل من كان يحاول مغادرة منزله يستهدف سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا".
مشاهد دمار ودم
في الصباح الباكر، وبعد انتهاء العملية، ذهب صالح إلى المواقع المستهدفة.. "رأيت الكم الهائل من الدمار، والجثث مرمية، وبينما كنت أبحث وجدت جثة ابنتي فاطمة ملقاة على الرصيف ورأيت ابنها محمد بين ذراعيها، وكانت مغطاة بالدم".
يواصل صالح حديثه "لم أكن أتوقع أن هذا سيحدث في يوم من الأيام، لا أستطيع نسيان هذه اللحظات المؤلمة". ويردف قائلا "لقد ظننت في البداية أن حفيدي أحمد قد قتل أيضا، لكن عندما أخذته من ذراع أمه بكى، لقد كان نائما في أحضان أمه الميتة".
"الطفل كان مصابا بإصابة طفيفة بيده بسبب رصاصة أصابت أمه، مثل هذا المشهد لا أحد يمكن أن يتخيله أو يستوعبه بما يحتويه من الإجرام والقتل"، يقول صالح.
ويشير إلى أن العملية الأمريكية قتلت النساء والأطفال والمدنيين. يقول "لا يزال شعبنا يشعر بالصدمة، نحن لا نفهم ما حدث، ولماذا ارتكبت هذه الجريمة"؟.. ويضيف "إذا كانت حكومة الولايات المتحدة تريد حقا استهداف الإرهابيين، اطلبوا منهم أن يعلنوا عن اسم إرهابي واحد مطلوب دوليا تم قتله أو مطاردته في هذه الغارة".
ويختم حديثه "أنا لا أعرف ما كانوا يبحثون عنه. كل ما أعرفه هو أنهم قتلوا أطفالنا ونساءنا ومدنيين دون رحمة، وبدون أي سبب على ما يبدو".
مساء مرعب
وكانت قوات أميركية خاصة نفذت في 29 يناير/كانون الثاني 2017، إنزالا، وشنت غارة على قرية الغيل الصغيرة في منطقة يكلا في محافظة البيضاء وسط اليمن، 145 كم تقريبا من مدينة عدن الساحلية جنوب اليمن.
قال الجيش الأمريكي إن الغارة- الأولى من نوعها التي يقوم بها الجيش منذ أكثر من سنتين في اليمن- كانت تهدف إلى "جمع معلومات استخبارية".
قال شهود عيان إن 5 نساء و9 أطفال كانوا من ضمن المدنيين الذين قُتلوا في الغارة، وأنه بحدود الساعة 2 بعد منتصف الليل اقترب نحو 30 جنديا أمريكيا معهم كلاب عسكرية من منزل القائد العسكري عبد الرؤوف الذهب.
وقال أحد الشهود إن الرجال في منزل الذهب سمعوا صوت أشخاص يقتربون من المنزل فنادوهم وعندما لم يأت جواب فتحوا النيران، والذين كانوا بالخارج ردّوا عليهم بالمثل.
بينما قال شاهد آخر، كان في المنزل المجاور لمنزل الذهب إن الرجال داخل المنزل أطلقوا طلقات تحذيرية في الهواء وإن القوات خارج المنزل فتحت النيران عليهم.
قال الجيش الأمريكي إن جنوده وجدوا أنفسهم تحت النيران "من كل صوب"، بما في ذلك "منازل ومبان أخرى" ومن "نساء مسلحات كنّ تموضعن في أماكن قتالية محضرة مسبقا".
قال شهود إن إطلاق النار تصاعد بسرعة بعد اشتباك سكان القرية مع القوات في الخارج. ومع اشتداد القتال، بدأت مروحيات وطائرات أخرى في إطلاق النار من أسلحة أوتوماتيكية موجهة بالضوء على القرية. قال شهود إن 20 منزلا على الأقل تضرر.
الموت الزؤام
قال شهود إن القوات الأمريكية البرية والطائرات كانت على ما يبدو تستهدف كل ما كان يتحرك وكل مَن خرج من منزله.
أوضح عزيز العامري، عضو المجلس المحلي، إنه وعائلته استيقظوا على صوت طلقات النار. في البدء اعتقدوا أن هناك إشكال فردي أو عشائري: "تفاجأنا عندما رأينا المروحيات المقاتلة تطوّق القرية... كانوا يطلقون النار على كل ما يتحرك، بدون استثناء، بشر أو حيوانات، حتى الحمير".
قال العامري: "بعض النساء اللاتي قُتِلنَ كن يحملن أطفالهن وبعضهن كن هاربات؛ لقد أغاروا على منازلنا، دمروها، قتلوا نساءنا وأطفالنا".
أفاد إن قريبته فاطمة العامري، وهي أم في منتصف العقد الرابع، وُجِدَت مقتولة، وابنها البالغ عامين بين ذراعيها. لا يزال الطفل على قيد الحياة. طفل آخر، 5 أعوام، وُجد مقتولا عند باب منزل عائلته.
قال ناشطون محليون إن المصابين لم يتمكنوا من الحصول على رعاية طبية بسبب بُعد القرية. قال الدكتور أمين مبروك مدير مستشفى "26 سبتمبر" في منطقة الجوبة في مأرب التي تبعد 5 ساعات بالسيارة عن منطقة يكلا وأقرب مستشفى يقدم عناية لحديثي الولادة، إن المستشفى استقبل 3 مصابين من الغارة – شاب مصاب في رِجله وامرأة حامل وفتاة صغيرة.
المرأة التي كانت حامل في شهرها التاسع كانت مصابة بطلقة في بطنها، فأجرى المستشفى جراحة قيصرية طارئة ولكن الطفل لم ينجُ.
مزاعم مرفوضة
حمّل الكولونيل جون طوماس، الناطق الرسمي باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي، تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مسؤولية الإصابات بين المدنيين.
قال لوسائل الإعلام إن تنظيم القاعدة يملك "تاريخا مروّعا بزجّ النساء والأطفال في المناطق العسكرية ومعسكرات الإرهاب... وهذا ما يجعل من هكذا حالات مثل غارة البيضاء مأساوية بشكل خاص".
رفض سكان البيضاء مزاعم أن أغلب الذين قُتلوا خلال الاشتباك كانوا عناصر من القاعدة. قالوا إن القرية تتألف من مجموعة منازل بجوار قريتين صغيرتين، ويبلغ عدد المنازل نحو 200 يقطن فيها 1000 شخص.
أغلب الذين قُتلوا كانوا يسكنون بيت الذهب الذي هاجمته القوات الأمريكية في البداية، ومنزلين مجاورين يملكهما عبد الله العامري وابنه محمد.
أدرجت الولايات المتحدة عبد الرؤوف الذهب وأخاه سلطان ضمن عناصر القاعدة الذين قُتلوا خلال الغارة، ولكن السكان أنكروا أن يكون أي من الشقيقين في تنظيم القاعدة.
قال شخصان إن عبد الرؤوف كان يعمل مع الجيش اليمني الذي يقاتل قوات الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح وإنه عاد إلى القرية كي يدفع رواتب مقاتلين يدعمون الرئيس عبدربه منصور هادي ولا ينتمون إلى القاعدة.
حصاد قاني
وجدت "الأسوشييتد برس" التي قابلت زعماء عشائر ومسؤولين عسكريين وأقارب الذهب أن الذهب كان يقود قوة مقاتلة من العشائر، ولكنه على الأرجح لم يكن مع القاعدة.
وقال شهود إن منزل محمد العامري دُمّر بقنبلة ألقيت من الجوّ بُعيد بدء الاشتباك، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص على الأقل، هو و4 نساء و4 أطفال.
جمعت هيومن رايتس ووتش أسماء وأعمار 23 من السكان الذين قُتلوا في الغارة. قال أحد الشهود إن شخصين آخرين قُتلا ولكنه لم يتذكر اسميهما.
أما "مكتب التحقيقات الاستقصائية" الذي عمل مع صحفي يمني زار يكلا بعد أقل من أسبوع من الغارة فجمع أسماء وأعمار 25 شخصا من سكان يكلا قُتلوا خلال الغارة، وتطابقت هذه الأسماء والأسماء التي جمعتها هيومن رايتس ووتش.
بعد الغارة، انتشرت صور الأطفال المقتولين على الانترنت ووسائل الإعلام المحلية. تُظهر إحدى الصور نوار العولقي البالغة 8 أعوام والتي قال أحد أقاربها إنها قُتلت بطلقة في الرقبة.
والدها، الإمام أنور العولقي، قُتل بهجمة طائرة بدون طيار أمريكية عام 2011 بسبب نشاطاته المزعومة مع تنظيم القاعدة.
أخوها عبد الرحمن، 16 عاما، قُتل بعده بأسبوعين في غارة بطائرة من دون طيار قالت الولايات المتحدة إنها استهدفت عميلا كبيرا لتنظيم القاعدة.
دون محاسبة
بعد 3 أيام من الغارة، في 1 فبراير/شباط 2017، أعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي أنها تجري "تقييم مصداقية" بموضوع الضحايا المدنيين. لم تقل إن كانت ستنشر نتائج التحقيقات أو إن كانت ستعوض عائلات الضحايا.
قال الشيخ عبد الإله الذهب الذي خسر شقيقيه سلطان وعبد الرؤوف، وابنه البالغ 12 عاما، وناصر ابن أخيه، 13 عاما، في الغارة: "قُتل مدنيون هنا. المقاتلون... كانوا يدافعون عن منازلهم... 9 أطفال قُتلوا. لا نريد أي تعويض. نريد العدالة ومحاسبة المعتدين. نريد أن نعرف ما موقف حكومتنا مما حصل".
قال عبد الله، والد ناصر، إن ابنه ذهب لزيارة بعض الأقارب في منطقة يكلا خلال العطلة المدرسية.."كان ناصر ذكيا جدا، وكان مميزا بالنسبة لي. كان صديقي بالرغم من صِغر سنّه وكنت أثق بقراراته... الغارة الأمريكية قتلت ابني الطالب في الصف الثامن... يجب محاكمة الذين ارتكبوا هذه الجريمة أمام المحاكم الأمريكية".
بعد أسبوع من الغارة، قال مسؤول يمني كبير ل "رويترز" إن حكومته أعربت عن قلقها للولايات المتحدة وطلبت "المزيد من التنسيق مع السلطات اليمنية قبل أي عملية، كما يجب احترام سيادتنا".
وجبة عشاء
وكان تحقيق استقصائي لمكتب تحقيقات دولي كشف تفاصيل مخفية، لم تنشر، حول عملية الإنزال الجوي لجنود مارينز أمريكيين في بلدة نائية بمحافظة البيضاء، وسط اليمن، في 29 يناير/كانون الثاني الماضي. بما في ذلك تفاصيل مشاركة ميليشيات الحوثي مع جنود المارينز الأمريكيين بالقصف المدفعي المكثف بصواريخ الكاتيوشا على المسلحين القبليين في القرية.
التحقيق الذي نشره مكتب الصحافة الاستقصائية بلندن، في الثامن من فبراير 2017م على موقعه الإلكتروني باللغة الإنجليزية، كشف أن هذه العملية، التي أثير حولها الكثير من الجدل، كان قد تم التخطيط لها لشهور قبل الحصول على مصادقة نهائية للتنفيذ من الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب في وجبة عشاء بعد خمسة أيام من توليه الرئاسة.
وبحسب التحقيق فإن عدد المدنيين الذين قتلوا في الهجوم وصلوا إلى 25 مدنيا، طبقا لإفادة سكان في المنطقة. ومن بين القتلى المدنيين، تسعة أطفال دون سن ال13، وثمان نساء.
وبحسب القرويون قُتل في الهجوم 25 مدنيا إلى جانب مجموعة من الميليشيات المسلحة، من ضمنهم تسعة أطفال تحت سن ال13عام. وأنكروا أن أي من القرويون القتلى كانوا من أعضاء القاعدة. ومن الأطفال التسعة اليافعين الذين قتلوا كان أصغرهم يبلغ ثلاث أشهر فقط. كما قُتلت ثمانية نساء بينهم امرأة حامل. فيما جرحت سبع نساء أخريات.
"إذا كان صحيحا أنهم يستهدفون القاعدة، فلماذا يقتلون الأطفال والنساء وكبار السن؟"، يتساءل زبن الله سيف العامري، الذي فقد تسعة من أفراد عائلته الكبيرة، خمسة منهم أطفال. وأضاف: "إذا حدثت مثل هذه المذبحة في بلدهم، فسوف يكون هنالك الكثير من الصراخ حول حقوق الإنسان. وعندما يقتل أطفالنا، يلزمون الصمت".
وشرح القرويون تلك الفوضى التي حدثت عند إطلاق الرصاص ومحاولة الناس الهروب من المعركة قبل أن تفتح طائرة الهليكوبتر النيران عليهم.
وقالت محسنة مبخوت العامري، التي فقدت أخاها وابن أخيها وثلاثة من أطفال ابن أخيها: "لقد قتلوا الرجال والأطفال والنساء ودمروا المنازل". وأضافت: "نحن أناس عاديون ولا شيء يربطنا بالقاعدة أو المتمردين الحوثيين أو غيرهم. وهاهم يأتون من أمريكا ونزلوا من الطائرات فيما قامت الطائرات بقصفنا".
كابوس يتوسع
عندما كان عبد الله العامري وجاره الشيخ عبد الله التيسي يستعدان للنوم في 28 يناير/كانون الثاني، فمن الممكن أنهما نسيا التفكير بأنهما قد عانا بما فيه الكفاية من الحظ السيئ في حياتهما. فكلا الرجلين، وهما مزارعين أصبحا الآن كبيرين جدا في السن للعمل في أراضيهم للحصول على قوتهم، كانا نجيا من قصف الدرونز الذي أصاب حفل عرس عبد الله في ديسمبر 2013. وكل منهما فقد نجله الأكبر في الهجوم، الذي أسفر عن مقتل 12 شخصا، ولكن لم تعترف أمريكا رسميا بذلك الهجوم.
وفي اليوم الذي حدثت فيه تلك الغارة الجوية الأمريكية، تمركزت قوات المتمردين الحوثين في جبال قيفة القريبة وأطلقت صواريخ الكاتيوشا على الميليشيات القبلية في يكلا. ويتحالف رجال المليشيا القبلية مع الحكومة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. ويعد هذا أمر مألوفا في المعركة الدائرة للسيطرة على المنطقة منذ بداية التمرد.
ولكن علامات الشؤم لما ستؤول إليه الأحداث كانت واضحة. صادق الجوفي وهو عضو لجنة وقف إطلاق النار المتعددة الأطراف التي تراقب الخروقات بطلب من مبعوث مجلس الأمن الى اليمن، أخبر المكتب بأن تغطية الهاتف النقال التي تتيح لقرية يكلا الخط الوحيد إلى العالم الخارجي، كانت قد قطعت.
ومن المعروف أن الجهة التي لديها سجلا في حظر التغطية الهاتفية قبل العمليات العسكرية هي مكتب الأمن القومي المرتبط تاريخيا مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وحاليا مع حلفاءه الحوثيين.
أزيز الدرونز
كانت ليلة بلا قمر، والهدوء في يكلا لم يكن يقضه سوى أزيز طائرات الدرونز المألوف الذي كان يزن في سماء المنطقة. في منتصف هذه الليلة انطلقت قوات أمريكية خاصة على متن طائرات اوسبري أقلعت من على حاملة الطائرات يو اس إس ماكين ايسلاند وهبطت على بعد كيلومترات قليلة من القرية.
وكانت الأمور قد بدأت تمضي نحو الفشل منذ البداية. وتحطمت إحدى طائرات الاوسبري عند الهبوط، مما أدى إلى جرح ثلاث من الجنود. وقال الشيخ عبد الإله احمد الذهب "بدأت العملية عندما هبط الجنود جوار المقبرة التي تقع على بعد كيلومترين من مدينتنا، شمال يكلا".
وواصل الجنود السير على الأقدام باتجاه القرية، محاطين بالكلاب العسكرية. ويقول القرويون أنهم شاهدوا قرابة 50 جنديا هناك.
طبقا للشيخ الذهب، فإن ولده أحمد كان هو الضحية الأولى التي سقطت في الهجوم. ويضيف: استيقظ الولد، البالغ من العمر 11 عاما، بسبب الضجة في الخارج وذهب ليرى ماذا يحدث. ويواصل: "وعندما رآهم ولدي احمد لم يستطع أن يكتشف بأنهم جنود، بسبب الظلام. وسألهم 'من أنتم'، لكن الرجال أطلقوا عليه النار، وكان أول القتلى. لم يتبادر إلى ذهن أحد أن جنود مارينز سيهبطون على منازلنا لقتلنا، وقتل أطفالنا ونسائنا".
وقال عضو اللجنة صادق الجوفي "خرج القائد القبلي عبد الرؤوف الذهب وأخيه لمواجهة الجنود ولكن أردوهم قتلى". وتقول مصادر قبلية أنهم ليسوا أعضاء في القاعدة، بينما رجحت تقارير صحفية نشرت بعد الغارة أن عبد الرؤوف وسلطان (الذهب) كانا هما الهدف الرئيسي من العملية. وخرج سيف الجوفي، يبلغ من العمر ثمانون عاما، ليرى سبب الضجة وقد قتل هو الأخر.
وهاجم فريق المارينز منزل عبد الله مبخوت العمري، 65 عاما، وحاصروه وأطلقوا النار بصورة عشوائية، حسب ادعاء عبد الله الذهب وشهود آخرين. ويضيف الذهب "عندما سمع الناس إطلاق الرصاص والصواريخ، هرع السكان المحليون الى خارج منازلهم ليروا ما يحدث". عبد الله مبخوت العامري أحد الذين قتلوا في الهجوم، وكان قد نجا من ضربة جوية سابقة أثناء حفلة زواجه
وقال ثلاث شهود أن الكوماندوز أطلقوا النار على كل شخص غادر منزله. وفي هذا الجزء من اليمن حيث يغيب القانون يوجد في كل منزل كلاشينكوف وسارع السكان الى بنادقهم "للدفاع عن منازلهم وشرفهم" كما يقول عبد الإله الذهب.
وقال القرويون إن فاطمة صالح العامري، 38 عاما، وأم لسبعة، تعرضت لجروح خطيرة جراء إطلاق الرصاص عليها من أفراد القوات الخاصة عندما كانت تحاول الفرار مع ابنها محمد ذو السنتين. وقال باسل عباد أحمد الزوبة، 11 سنة، الذي قتل أخاه ذو السبعة عشر عاما، "جذبنا الطفل من حضن أمه وكان مغطى بدمائها".
تضررت عائلة العامري بشكل كبير. حيث قتل عبد الله، 65 عاما، الذي نجا من هجوم على عرسه قبل ثلاث سنوات، بجانب ابنته فاطمة، 25 عاما، وابنه محمد، 38 عاما. كما قتل ثلاثة من أبناء محمد الأربعة– عائشة 4 سنوات، وخديجة 7، وحسين 5. كما قتل تسعه آخرون من أفراد عائلته الكبيرة.
ومع تواصل القتال بالأسلحة النارية، ظهرت طائرة هليكوبتر و"فتحت النار على كل شيء" بما في ذلك المنازل والهاربين، حسب إفادة صادق الجوفي وشهود آخرين.
استيقظ فهد علي العامري على صوت الرصاص. يقول: "استيقظت بعد منتصف الليل على صوت قصف الهليكوبتر. وكان هنالك جنود على الأرض يطلقون علينا الرصاص. بدأوا بإطلاق الرصاص من مدفع رشاش.". ويقول إن صاروخا أطلق على منزله، وقتل ابنته ذات الثلاث أشهر التي كانت نائمة في فراشها.
وفي مرحلة ما، نزل مقاتلو القاعدة الذين كانوا في جبال مشارف وشارية للاشتباك في قتال مع الكوماندوز الأمريكي، استمر لساعتين. وقالت القاعدة أن 14 من مقاتليها قتلوا، ستة من القرويين وثمانية آخرين.
وكانت نوار ذات السنوات الثمان، ابنة الداعية الأمريكي المتطرف أنور العولقي، والتي كانت في زيارة عمها عبد الإله الذهب، مختبئة في غرفة عندما قصفتها الطائرة، وقال عمها "اخترق بعض الرصاص النافذة وجرحت نوار في عنقها."
الطفلة نوار أنور العولقي- 8 أعوام- ماتت بعد ساعتين من إصابتها بعد أن ظلت تنزف نتيجة إصابتها بالهجوم وما كان للفتاة أن تنجو يقول عبد الإله الذهب. مضيفا: "حاولنا إنقاذها ولكن لم نتمكن من عمل أي شيء لها"، "لقد جرحت حوالي الساعة 2:30 ونزفت إلى أن ماتت حوالي وقت صلاة الفجر."
وبحسب سكان قرويون، فقد انسحبت القوات الخاصة من القرية، لكن مع استمرار بعض القصف الجوي، في الوقت نفسه تقريبا.
روايات متناقضة
وفي الأيام التالية للعملية، ظهرت روايات متناقضة. في البداية كانت القيادة المركزية لوزارة الدفاع متفائلة ووصفت الغارة بأنها "واحدة ضمن سلسلة من الخطوات المتقدمة ضد مخططي الإرهاب في اليمن." وأطلق وزير الدفاع جيمس ماتيس بيانا يكرم فيه الجندي الذي قتل. وقال إن الضابط أوينس، 36 عاما، "قدم كل ما بوسعه لأمتنا، وأثناء قيامه بواجبه، التزم أنبل معايير الخدمة العسكرية."
ومع ظهور التفاصيل اللاحقة بشأن الضحايا المدنيين- أهمها تلك التي تخص نوار العولقي ذات الثمان سنوات، والتي تم تداول صورتها- كانت تلك النغمة قد خفتت. وقال بيان صدر في 1 فبراير "توصلنا بكل أسف إلى أن هنالك مدنيين غير محاربين من المحتمل أنهم قتلوا وسط إطلاق النار أثناء الغارة في اليمن في 29 يناير". وأضاف: "وقد يتضمن الضحايا أطفال".
وبعد يومين أصدر البنتاغون فيديو يظهر شخصا يصنع قنابل، والذي قيل أنه تم الحصول عليه من الغارة. وخلال ساعات كان الفيديو قد أزيل من موقع البنتاغون بعد أن نوه أشخاص إلى أن الفيديو نفسه كان قد سبق نشره في 2007.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.