«أيام معدودات « هو شهر رمضان كما وصفه الذكر الحكيم، يمضي مسرعا و مغلفا بأسئلة عديدة لإدراك المعنى الحقيقي من الصوم والشعور مع الفقراء والمحتاجين والمعوزين والاقتصاد في المأكل والمشرب والتحكم بالشهوات والزهد وإتباع نظام متوازن والمحافظة على الطاعة وإتمام الواجبات بحرص واعتدال . نتعب من الصوم لأننا لا نصوم إلا في شهر رمضان ولا نتبعه بصوم النوافل وممارسة رياضة الصوم من فترة لأخرى ، وينقلب ليلنا إلى نهار ونهارنا إلى ليل لأننا نسهر طويلا وحتى السحور ثم ننام طيلة النهار فنضيع السعي لتلمس جوانب المتعة الروحية لإحياء شهر رمضان بحيوية العبادة والتقرب إلى الله وأداء دون كسل أو ملل . نعود أيضا بعد رمضان الروتين نفسه والى سابق العهد بالدورات مع وضد عقارب الساعة للبحث عن المشاغل ومطاردة المواعيد والأزمات وخصوصا مع الأحداث الأخيرة في مصر والتي شغلت مساحة من تفكيرنا جميعا وقلقنا وخوفنا على أمة وحضارة يهددها خطر الحرب والانقسام . رمضان يمضي مسرعا ويعيدنا من جديد إلى محطات من الانتظار الحقيقي لفضيلة الصوم والانتصار على الشهوة تلك التي تطيح بالنفس والأفراد والشعوب وتلغي منطق العقل والحكمة والرشد والاعتدال ويعيدنا أيضا إلى المربع الأول والى ذات السؤال : هل اغتنمنا رمضان كما ينبغي وصومنا كما أمرنا الله وكسبنا العتق من النار ؟ ممارسات عديدة تضع السلبية إمامنا قبل الايجابية حتى نحكم على أنفسنا عقب الصوم والكثافة في أداء الصلاة والنوافل والدهشة من تواضع العبادة بعد الشهر الفضيل والعودة إلى النمط السائد والى العادات السيئة ومنها التدخين على سبيل المثال والذي كنا نرتاح خلالها من سمومه طوال فترة الامساك ولساعات نقية سرعان ما تنتهي لمجرد سماع آذان المغرب . يُطل رمضان كل عام بظروف خاصة وكم نرجو ونبتهل إلى المولى جلت قدرته أن يعيد علينا رمضان القادم وقد تحسنت الأحوال والنفوس وزاد الخير وعمت البركة في الوقت والمال والأجيال وحقنت الدماء وعتقت الرقاب وتيسرت الصعاب وتحررت النفوس وتلاشت الأحقاد وما ذلك على الله بعزيز . هل صمنا « صح « ؟ ليس فقط من خلال تحري الهلال ولكن مع مضمون ما قمنا بعمله خلال رمضان والسعي لمرضات الله باجتهاد وبذل وإيثار وصلة رحم والشعور مع الاخرين والتعاطف مع المحتاجين وتلبية نداء الحق في دفع الظلم عن المظلومين ؟ رمضان يمضي وقد رحل معه أعزاء وأحبة فارقونا هذا الشهر، نترحم عليهم ونحتسبهم عن الصمد وننظر إلى مصيبة الموت في كل الأنحاء بعظة فكلنا ضيوف على الدنيا نستقبل ونودع بعض تماما مثلما نستقبل رمضان ونودعه على أمل العودة بحلة الخير والاطمئنان والتوفيق . «لا أوحش الله منك يا رمضان “، كم نتوق إلى رمضان يجمعنا كلنا موحدين متوحدين ننتظر رمضان القادم بفارغ الصبر وتمام العزم على أن يكون شهرا للرحمة والمغفرة والعتق من النيران وذلك الفضل كل الفضل..... فلا أوحش الله منك يا رمضان .