والشهر الكريم يحث الخطى ليغادرنا قائلاً: نلتقي العام القادم.. فهو الزائر السنوي الذي لا ينقطع عنا أو يتأخر عن موعده كما أراده الله فرضاً سنوياً يقضي فيه المسلمون ركناً من أركان الإسلام .. إنه ركن الصوم.. الركن الرابع من أركان الإسلام. فالصوم عبادة سنوية فرضها الله سبحانه وتعالى لحكمة وغاية ربانية عظيمة.. خصها فالق السماوات والأرض به «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».. وفي ذلك إغراء لعباد الله الملمين على الصوم.. والصوم هو العبادة الخفية التي لا يعلمها الآخرون من العباد.. لأنها بين المسلم وربه، ولا يشهدها إلا الله، وصاحبها وهي علامة لإخلاص المسلم لله سبحانه وتعالى. وقد أراد الله من هذه العبادة «الصوم» تطهير النفس والبدن من الخبائث، وترويضهما على الصبر والطاعة لله وتربيتهما على مقاومة الملذات والشهوات والرغبات.. من مأكل ومشرب ، ونساء وقول السوء والتعاملات المعوجة في قضايا وشئون الحياة. وكما أثبتت كل الدراسات العلمية أن في الصوم صحة للبدن.. اذا ماتم وانقضى على اليسير القليل المحدود في الإفطار والسحور ولم يتخذ له الشره والإسراف والبذخ والاكثار من الأطعمة والأشربة وتعد أنواعها وما بعدها من الحلويات وما شابه ذلك.. لأن الحكمة من عبادة الصوم إراحة البدن وأجهزته المنهكة طول العام من العمل المتواصل، دون أي توقف للراحة.. لذا فقد جعل الله رمضان.. شهراً في السنة لإراحة البدن وأجهزته لاستعادة حيويتها ومقدرتهاونشاطها لتواجه عناء سنة جديدة بعد رمضان.. سيرهقها الانسان بالتعب والشقاء والعمل على مدى 24 ساعة في اليوم دون توقف أو راحة. لذا فإن العادات الرمضانية التي درج عليها المسلمون جانبت الصواب في هذا الشهر، والتي يجب أن تتركز في الشره والنهم للنهل من كتاب الله وسنة رسوله، والإكثار من النوافل والتهجد.. نجد أن الإنسان قد ركز في هذا الشهر الكريم على الاكثار والاسراف والتبذير في المأكولات والمشروبات، والحلويات، وما يتعلق بموائد الإفطار والسحور المبالغ فيها.. إلى حد تصل معه مصاريف رمضان اليومية على المأكل والمشرب أضعاف ماهي في الأيام العادية.. أي أن الناس يتهالكون على المواد الغذائية والمشاريب والحلويات أكثر مما يتهالكون على العبادات الأخرى كتلاوة القرآن والسنة وتدارسهما والاستزادة من النوافل وصلاة التهجد.. وهذا التهالك على المواد الغذائية والمشاريب هو الذي يغري بائعي وتجار وكلاء المواد الغذائية على رفع الأسعار في الشهر الكريم.. بينما المفترض هو العكس أن يكون شهر رمضان شهراً للإكثار من العبادة والإقلال من المأكل والمشرب والحلويات.. ليأتي الصوم فوائده ويحس به الأغنياء فيعطفوا على الفقراء بالصدقات.. لكن الملاحظ أن رمضان تلو رمضان يمضي دون أن يستغله المسلمون فيما فرض له.. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.