سأبدأ ببديهية لأن نسيان "البديهيات" في اللحظات التاريخية والثورية الحرجة لا يمكن بدونها فهم الواقع من البديهات إن الإنسان الثوري الذي يريد تغييراً لواقع الناس بما يجعله أكثر توافقاً مع المصالح الحقيقية والواقعية للشعب يحتاج إلى أن يحسن فهم وتفسير وتعليل هذا الواقع فإذا أخفق في هذا الفهم لا يمكن أبداً أن يصنع التغيير الذي يريده ويعتزم تحقيقه. أقول هذا وأنا أعلم أن للتاريخ منطقه وأن كثيراً من الأشياء التي تظهر إلى الوجود التاريخي لم يكن لها وجود من قبل في وعي الناس وخططهم. من هذه البديهية يمكن الدخول في صلب الصراع المحتدم في مصر والذي أسوأ ما في هذا الصراع هو أن كثيراً من المهتمين به أو نستطيع القول المتورطين فيه لا يحسنون فهمه وتفسيره أو على الأقل تعليله.. وأقحموا أشياء اعتبروها من صراع "الفوضى الفكرية" كجزء من فوضاه العامة. شخصياً لأرى كثيراً من "الفوضى الفكرية" في رؤى ومواقف المثقفين من أهل اليسار والعلمانية فهؤلاء يفهمون الأمور الآن بما يوافق اللامنطقي وظهرت حقيقة بمقدور المواطن البسيط أن يدركها وهي إن اليساري والعلماني لا يمكنه إلا أن يكون في عداء فكري عميق لكل جماعة تُكون لها أو تشتق هوية سياسية من الاسلام وإن كل من يعادي الإسلام السياسي واحزابه لابد له أن يكون من أهل اليسار والعلمانية أو من أقربائه. هذا هو منطقهم اللامنطقي من وجهة نظر الواقع الموضوعي للصراع الذي يُزين لهم التحالف مع قوى وجماعات معادية للثورات الربيع العربي كما حدث في مصر من عداء لثورة الخامس عشر من يناير والتي تتسربل بالعداء للرئيس المعزول مرسي ولجماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها السياسي وحلفائها من السياسي. ليس في هذه الطريقة يمكن فهم الصراع الجديد الذي يتبلور في المنطقة كصراع بين الاسلام السياسي والعلمانية واليسار وهذا لا يعني ويجب ألا يعني أن التصدي لجماعات "الإسلام السياسي" واشعال بوجهها العداء حتى وأن حكمت تلك الجماعات مادامت وصلت الي السلطة عبر السيادة الشعبية التي مارسها في الانتخابات. أنا أخاصم سياسة جماعة الاخوان المسلمين وأؤكد اخفاق نرسي في إدارة شؤون مصر لكن هذا لا يعني يجب أن أكون والمحامي توفيق الشعبي في خندق المعادين لهم او في الضفة التي ضدهم، فالواقع يقول إذا أردت أن تكون خصماً محترماً وجيِداً لنهج الإسلام السياسي الذي يمثله جماعات الإخوان عليك أن تأتي بالدليل العملي والقوي على ذلك من طريق وقوفك، ضد مرسي وجماعته وجمهوره في ميادين مصر، والاستدلال بالواقعيات الصدفية التي تؤكد أنها تدفع بمصر أن تواكب العصر. بالمقابل تحتاج الي دليل عقلي ومنطقي أخر وموازياً لوقوفك وأنت تنادي بمدنية الدولة مع حكم العسكر الذي هو الآن شرع ويبحث عن مخارج شعبي يسانده لانتهاج الفاشية في الصراع والحكم لأن موقف الاحداثين ودليلهم مبرره فقط هو الاعداء لجماعة الإخوان المسلمين وهذا مل ما في الأمر. لكنه دليل أخرق. نعلم أن هذه الجماعة تتعصب لما يسمى بالأمة الإسلامية لا للوطن والقومية هنا فلا بأس من أن نُذكر اليسارين الغيورين على الوطن بأن مؤسس الفكر اليساري في العالم (كارل ماركس) هو القائل "يا عمال العالم اتحدوا"وليس للعمال وطن واحد فقط ولا يمكن من ثم، أن تسلبوهم ما لا يملكون. ولذلك هم يفهمون بان القضاء على الإخوان ولو من طريق حربٍ يشنها العسكر عليهم على أنه نعمة ديمقراطية لأن هذه الجماعة مجبولة على العداء للقيم والمبادئ الديمقراطية وتفهم الانتخابات الحُرة والنزيه على أنها مجرد عربة للوصول إلى السلطة فإذا وصلت إليها وأحكمت قبضتها عليها دمرت هذه العربة حتى لا يركبها غيرها. لكن الحقيقة الغائبة أن الثوريين لا يقفون أبداً مع العسكر في سعيهم إلى القضاء على جماعة الإخوان المسلمين بعد تصوير الآلة الإعلامية للعسكر لهذه الجماعة على أنها جماعة من الإرهابيين من اجل اجاد مبرر للقتل وممارسة الفاشية. إذاً هل نفهم الآن أن الحداثة والمعاصرة هي البديلة للديمقراطية والانتخابات على أن يصبح مفهوم الدولة المدنية الحديثة في فهمهم هي كل ما يبقى الدولة والمجتمع بعيدة عن الأسلمة وأن الديمقراطية وصندوق الاقتراع الشفاف لا يمكن الاعتراف به إذا ما جاء بالإسلاميين الي السلطة باعتبارهم اعداء الحداثة سخيفة هذه الحداثة إذا ما اتخذت العسكر طريقاً لها لخلق أتاتوركاً جديد مصر يحكمها بالعداء للإسلاميين، ويحمي صندوق اقتراع يضمن بقاء الحكم الفعلي في البلاد في أيدي العسكر ويضمن بقاء الإسلاميين خارج الحكم بل وخارج المعارضة الشرعية الدستورية. المسرحة الهزيلة هي أن غالبية هؤلاء الأعداء لجماعة الإخوان المسلمين بعيدين عن الحداثة في نفس المسافة التي تبعدهم عن قيم ومبادئ الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة فهم أبناء العهد القديم وقد لبسوا الحداثة لخوض الصراع ضد الإسلام السياسي. دون أن ينتبهوا أنهم يسلموا مصر إلى هاوية الدكتاتورية العسكرية. مع ذلك أنا ليست إخواني أو علماني أو حداثي أو ليبرالي بل أنا واقعي وهذا مصطلح جديد أوجدته الأحداث الحالية في مصر.