على مر الزمان ظلت المنطقة المعروفة اليوم بالشرق الأوسط محوراً مهما في الحياة الإنسانية، وفيها وحولها دارت أهم المتغيرات التاريخية. ونتيجة لاعتناق أغلب سكان العالم للديانتين الإسلامية والمسيحية، ولقوة ونفوذ المنتمين للدين اليهودي، فقد شكلت المنطقة أهمية روحية ومرجعية جغرافية وتاريخية لأهم ديانات العالم، باعتبارها مهبط الديانات الثلاث ومركز أحداثها. وخلال العقود الأولى من القرن الماضي اكتسبت المنطقة المزيد من الأهمية في السياسة الدولية باكتشاف ثروة النفط، العمود الفقري للاقتصاد الحديث. المكانة التاريخية والحضارية للمنطقة، وأهميتها الجغرافية، وثروتها النفطية، جعلتها محل اهتمام وصراع الدول الكبرى، ومحوراً بالغ الأهمية في سياساتها. ومن أهمية المنطقة تأتي خطورتها على مصالح الدول الكبرى، لاسيما وأن المساحة الأكبر منها تقطنها أمة واحدة في لغتها ودينها –على الأغلب- هي الأمة العربية وبالتالي كان إضعاف المنطقة وتشتيت مجتمعها ودولها في سبيل سلب قرارها، ثابتاً لايتزعزع في سياسات الدول الكبرى. بعد استغلال الدول الاستعمارية لخامات دول الجنوب وأسواقها والأيدي العاملة الرخيصة، في بناء ثوراتها الصناعية وامبراطورياتها الاقتصادية، بدأت منذ ثلاثينات القرن الماضي في التحول إلى أنماط استعمارية جديدة تقلل الكلفة عليها وتبقي سيطرتها على قرارات الدول والأمم المستعمَرة، فلجأت إلى زرع عملاء دمُى في المناطق المهمة، ومن بينها المنطقة العربية التي زادتها الدول الكبرى بزرع كيان دخيل في قلبها بمسمى دولة إسرائيل، كعامل قلق يضمن مع الدمى استمرار ضعف المنطقة العربية كأمة وإبقائها مشتتة. ومثّل الكيان الصهيوني شوكة قياس وقرن استشعار لمدى بقاء قوة المنطقة تحت السيطرة، وبالمقابل تسيير أحداثها بما يحفظ للكيان المزروع ميزة التفوق على محيطه العربي من خلال الدُمى الجاهزة دوماً لتنفيذ أجندات الدول الكبرى، التي تخدم استراتيجية إضعاف المنطقة والابقاء على عوامل الفُرقة والصراع. لعل ما سلف يفسر إلى حد ما أحداث المنطقة منذ رحيل الاستعمار المباشر، وبشكل أخص ما حصل في العقد الأخير من ضرب للعراق واحتلاله، وزعزعة للاستقرار في مصر. أما لماذا تحديد هاتين الدولتين فلأسباب عديدة تصب في كونهما جناحي الأمة العربية، وضلعي قوتها وانطلاقها. العراق ومصر تمتلكان عمقاً حضارياً ضارباً في التاريخ، ويجمعان بين الإمكانيات الطبيعية والبشرية، وفيهما كانت تجربتان تجاوزت أهدافهما حدودهما إلى سائر الأمة العربية، وفيهما ظهرت أهم القيادات السياسية العربية المعاصرة التي سعت إلى بناء قوة اقتصادية وعسكرية تمكنهما من استقلالية القرار واستخدامه في مصلحتهما ومصلحة المنطقة العربية ككل، بغض النظر عن مصالح الدول الكبرى، ومنهما تلقى الكيان الصهيوني الدخيل التهديدات الحقيقية، وعليهما دارت مؤامرات العملاء لمصلحة الصهاينة ومن ورائهم الدول الكبرى.