أول كتاب وقع بين يدي كان لفيلسوف ومفكر شيوعي فرنسي..مات مسلما وأوصى بإحراق جثمانه..! لقد مات روجيه جارودي قبل سنة ونصف من الآن وماتت قبله بسنوات عده تلك الدابة البيضاء التي قرأت الفصل الأول من كتابه على ظهرها وأنا عائد من السوق إلى قريتنا الصغيرة النائيه.. كانت فرحتي بامتلاك أول كتاب لا توصف.. انصرفت لقراءته بنهم، غير مكترث لتأنيب أبي الذي لامني كثيرا لأنني اقتطعت جزأ من نقود خصصت لمستلزمات البيت لأشتري كتابا صغير الحجم طبعت على وجهه صورة مؤلفه الكهل.. إنني لا زلت مدينا بالكثير لذلك الكتاب وفي كل مرة أعود لتفقده ، أنفض الغبار عنه وأقرأ أجزاء منه مستحضرا مقولة شهيرة للروائي التركي الحائز على نوبل أورهان باموق "قرأت يوما كتابا فتغيرت حياتي كلها" ولا أنسى أن أبصق في وجهه حفاروا القبور الذين قال عنهم المؤلف الماركسي سابقا: إن حضارتهم الدموية تلك ما نشأت إلا لتحفر للإنسانية قبرها.. وتنشر دينها الوثني في ربوع الكوكب كله جاعلة من "السوق" إلها يعبد والعولمة شريعة تبشر لها..! ولقد فطنوا لصرخته تلك فحفروا له قبرا من العزلة في آخر حياته.. ولذلك أراد أن يتحداهم بأن لا يتوارى جسده تحت التراب بعد موته ، بل تظل ذرات رماده حرة طليقة تسافر مع الريح.. ها أنا ذا أقرأ الفاتحة على روح العظيم جارودي.. وأهزأ من بائع الكتب..! ذلك العجوز الذي كان يخفى الكتاب تحت كومة مجلات تعرض أجساد شبه عاريه ، جهلا منه بقيمته.!