عند الوقوف على التاريخ الحديث ليمننا الحبيب نجد انه وعبر أكثر من خمسة عقود وهو يعاني من أزمة خانقة في القادة والشخصيات التي يمكن إن تشعرنا كيمنيين بان هناك أمل في التغيير ولو بالإيحاء فقط، حيث مرت اليمن الاتحادية – صوريا- اليوم بالعديد من المراحل، التي ظهرت خلالها الكثير من الشخصيات والهامات الوطنية – المتحولة والمتقلبة- التي كان دورها يقتصر على التنظير أو كيل التهم أو النقد فقط دون تقديم أي حلول عملية وعلمية للخروج باليمن مما هي فيه أو تحمل المسئولية الوطنية والسعي لتوعية الشعب ولو من باب – مكره أخاك لا بطل. بالرغم من موجة التغيير التي اجتاحت عددا من الدول العربية أو بما يسمى الربيع العربي واليمن واحدة من هذه الدول، إلا إن اليمن اليوم مازال يعاني من حكم العسكر والقبائل المتطفلة وما زال الفساد بكل أشكاله يضرب بأسواطه دون رحمة، وبأسلوب وحشي وممنهج، فقد بقي الفساد والفسدة يمتصون دماء الشعب وبحاضرٍ مزري ويعبثون بخيرات الأجيال القادمة ليرسمون لها بذلك مستقبل مجهول، ذلك هو شبح الفساد المستشري في مفاصل الدولة في ضل غياب واضح وصريح للرقابة والمحاسبة على كل المتنفذين الذين يمسكون بزمام الوطن من أقصاه إلى أقصاه. لا ننكر أن الشارع اليمني مسلوب الإرادة والتفكير في اختيار قائده ليس لعدم وجود شخصية فذة نستطيع أن نعول عليها، ولكن لغياب الحس الوطني واستشعار المسئولية العظيمة في الاختيار وأثناء الاختيار، إضافة إلى أن الشخصيات التي ظهرت في الساحة على استحياء، لم تكن قادرة على قول (نحن قادرون) وان توحي للشارع بأنها ستعمل بكل جهد ودون كلل أو ملل على الخروج باليمن من نفق الظلام الدامس وإيصاله إلى وهج الضوء، بل استمروا في ركودهم وانطوائهم داخل جلابيب الارتزاق والتعيش وتحقيق مصالحهم الشخصية، لهذا فان الشعب لم يتجرأ أن يرمي بحجر المسئولية في مياههم الآسنة – أي الشخصيات – ليخرجها من عزلتها ويحرك مياه الغيرة على الوطن ويفجر ينابيع الأمل بالغد الآتي بل ويجعل من هذه الشخصيات طوفانا يجتاح به كل أشكال الفساد ويغرق أوكار الظلم والاستبداد، وبقيت أزمة الثقة مستمرة من الشعب وما يتوفر لديه من شخصيات وقيادات ورموز التي لا تلبث أن تؤول إلى الأفول عند نهاية موسم الحصاد. لا شك بان الأزمة مشتركة فالشعوب هي من جعلت الحكام يصنعون أنظمة دكتاتورية واستمروا يسيرون خلفهم إلى الهاوية دون أدنى سؤال - إلى أين؟ وهذه الأنظمة بدورها لم تتح للكفاءات بالتميز والظهور, بل مارست عليها أشكال القمع وحجبتها عن النور وجعلت الشعب ينظر لها بعين العداوة، ليستمر الشعب في جهله وتخلفه سياسياً مما خلق مشاكل عديدة مستعصية في أوساطه ولعل أبرزها في هذا الجانب غياب التنسيق السياسي بين التنظيمات الموجودة على الساحة والتكتلات التي بقت تستجر ما يأكله النظام الفاسد، فالقائد لا يملك أي إحساس باحتياجات الشعب المتنوعة، والتنظيمات السياسية لم تدرك ماهية المعارضة الحقة، التي يجب أن تتبناها لكي تلملم شتات الشارع وتجعله يدرك حقوقه ومطالبه، وتشكل به أيضا ورقة ضغط لتحقيق الإصلاحات المأمولة. إن النظم الدكتاتورية القمعية التي عاش اليمن في ظلها منذ قيام الثورتين – سبتمبر و أكتوبر- قامت بالعديد من الممارسات التي ترسخ حكمها الدكتاتوري، في ظل قناعة وتصفيق وتهليل الشعب، فبدأت بمصادرة الحريات، وسلب المناخات السياسية المناسبة لتكوين مجتمع يملك المعرفة السياسية، تلاشت في ضلها البيئة الفكرية و ضاعت مساحة الحرية التي كان من الممكن إن تتيح حوارات شجاعة، حرة ،شاملة، وشفافة، حيث أدى غياب حرية التعبير وممارسة الإقصاء الجذري إلى بروز الكثير من العوائق التي أسهمت في إبقاء اليمن على ما هو عليه، وكانت أهم هذه المعوقات وأبرزها ما نعيشه اليوم من غياب المواطنة، وعدم الاعتراف بالآخر، وظهور المناطقية، والطائفية النتنة، واستشراء الفساد المذهبي والفئوي، حيث ألقيت كل موارد الدولة في أيدي حفنة من الرعاع والمتهبشين بعملية الإصلاح من الأحزاب والتيارات التي لا يهمها مصلحة الوطن، في مستنقع فساد لم يشهد له التاريخ مثيل غاب في ضله التكامل الاقتصادي وأصبح التحدث عن الإصلاح دون مضمون حقيقي واقتناع كامل, مما جعل إمكانية إحداثه ضرب من الخيال أو الضحك على الشوارب.