حكاية الكرامة: تجمع الناس يهتفون للوحدة والثورة والتغيير والدولة المدنية، كتبوا في الجدران ارحل وفي الأبواب لا للظلم والفقر والأمية والمرض وطاعون السرقات في وطن الثروة، لملموا ممتلكاتهم البسيطة وافترشوا الأرض والتحفوا السماء، باعوا الراحة وبين يديهم حملوا الأرواح مدموغة بوصايا الأهل علي الصبر وإكمال المشوار، لم يتورع مجرم مختبئ كالثعلب لص كالأفعى مسكين ظن نفسه الأقوى لكن نداء المقتول –شهيداً- يظل يناديه صبح مساء ويلهب ظهره بسوط الجرم حتى تخرج أنفاسه نفساً نفسا، ويبق الحر ينادى بالحرية، ذاك المجرم يسرح يمرح باسم الحصانة ظن فيها المخرج لكن أولياء الدم يمتلكون من فوق سبع سماوات سلطاناً بالمطالبة بقصاص العدل الأمثل وفيهم من أنفاس الصبر ما تمتد بهم لنهاية حلقة من حلقات الدنيا.. يبصم كل ولي للدم: لن نهدأ لن تقر لنا عين لن يبرأ لنا جرح لن نتمكن من العيش حتى يصل القتلة الحقيقيين، من بدأ بالقتل فكرة حتى انتهي به للتنفيذ ليردي شباباً عزل بصدور عارية لفحتها حرارة الشمس وصقيع البرد ليكونوا درعاً لوصول اليمن لمراسئ الحرية، تلك حكاية جمعة الكرامة في 18-3-2011م، استشهد فيها 52 من شباب الثورة المسالمين العزل، وعدد الجرحى يقارب ال300 بعضهم جروح بإعاقة دائمة، منهم الطفل سليم الحرازي الذي فقد عينيه في تلك المجزرة البشعة التي لم يعرف لها التاريخ اليمني حدثاً من قبل. الذكرى الأولى بعد عام من جمعة الكرامة ومستجدات المطالب عند أولياء دم الشهداء الذين أبرم الله لهم حقاً في المطالبة من فوق سبع سموات "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً" تحدثت "الأهالي" لبعض أهالي الشهداء الذي كان تواصلنا معهم أشبه بنبش الأوضاع من جديد كما تقول أم الشهيد محمد العزب كأن ابني استشهد الليلة، وكما يخبر بذلك أبو الشهيد معاذ الجمالي كان العرس حق ابني بيكون في العام الذي مضى". المطالبة بالقصاص يقول عبدالحكيم الحكيمي -عم الشهيد منيب يفوز الحكيمي: بعد عام لا توجد مستجدات وموضوع الحصانة مرفوض فالقضية جنائية والمطلوب القبض على الجناة الحقيقيين المتورطين بالقتل والذين لم يقبض عليهم إلى الآن وما يحدث في المحكمة حالياً عبارة عن مهزلة ولقد تم إشهار مجلس أسر الشهداء للعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة كاملة واستمرار المطالبة بالقتلة والمجرمين وكل من كان له يد. وعن أعظم مستجد خلال عام يقول طلال رزق أخو الشهيد ماهر رزق: يعد إشهار مجلس شهداء الثورة السلمية من أهم المستجدات خلال عام من خلاله سنطالب بكافة قضايانا القانونية والقضائية، والسياسية، والاجتماعية، وفي هذا المجلس الذي يشرف عليه ويديره ويقوم عليه أسر الشهداء فقط نطالب القانونيين الوقوف معنا لإيصال القتلة إلى القضاء والقصاص منهم. استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة التي خرج لأجلها الشهداء، وتخليد ذكرى الشهداء في مناهج التربية والتعليم، وتعليم الأجيال تاريخ من صنعوا اليمن الجديد بدمائهم من شهداء الثورة السلمية هذه من أولويات المطالب التي ترفع بعد المطالبة بالمحاكمة والقصاص من أهالي الشهيد عيسى أحمد الشامي، علي لسان أحمد الشامي أخو الشهيد الذي يكرر بأن المطالب تحقيق العدالة من خلال محاكمة القتلة. الشهيد معاذ عبدالرحمن عبدالرقيب الجمالي: طلع صنعاء لإكمال دراسته الجامعية، التحق من الأيام الأولى بساحة التغيير بصنعاء، يقول والده: لقد خطبت له ودفعت في تربيته الغالي والنفيس، وعندما حان وقت الزفاف كانت الشهادة أقرب فاختاره الله، يوجه أبو معاذ رسالة مشبوبة بالألم يقتات فيها كل لحظة من مشهد الاستشهاد الذي حرمه ولده في زهرة الشباب ليقول: رسالتي إلى حكومة الوفاق وإلى الرئيس بن هادي بالمحاكمة العادلة لمن تسبب في قتل أبنائنا وإيصالهم إلى القصاص فالقانون الإلهي لا يسمح بحق الإنسان. محمد علي ناصر الوصابي: أبو الشهيد محمد الوصابي بعد عام لا زالت مطالبنا في القصاص من القتلة ومحاكمة الرئيس المخلوع وبلاطجته من الوزير إلى الجندي ولا نريد شيء، يقتطع كلماته بالدعاء فيقول الله يقتله بكل قتله مائة قتله– خرج أبناؤنا للمطالبة بإسقاط النظام بأفواههم وصدورهم العارية وقوبلوا بالرصاص والجزر والقتل. أخو الشهيد ربيش صالح أحسن الحاكم: بعد عام من جمعة الكرامة لا زلنا نطالب بمحاكمة القتلة –علي عبدالله صالح. هل تسرب اليأس؟ مضى عام بكل حوادثه ومنعطفاته ترى ما الذي تغير في نفس الصمود والاستمرار في المطالبة عند أولياء دم الشهداء: عم الشهيد أسامة علي يحيى الأشول يقول وأنفاسه منهكة: لا زالت مطالبنا مستمرة بالقصاص من القتلة ورسالتنا من خلال دم أبناءنا لا نريد دمهم يذهب هدراً. أم الشهيد محمد العزب: بصوت مبحوح بالحزن مقطوع بنشيج البكاء تقول: مستمرون في المطالبة ولن نتنازل ليأخذ القانون مجراه وهذه الحصانة ليس لنا بها علاقة ولا تهمنا بشيء يبلوها ويشربوا ماءها ولن يهدأ لنا بال ولن يستقر لنا حال ولن تقر أعيننا حتى نرى الجناة في قفص الاتهام يأخذون القصاص العادل. يرافقها في الحديث أبو الشهيد قائلاً: صامدون بالمطالبة حتى يأذن الله من عنده. عم الشهيد منيب يفوز:نفس المطالبة طويل جداً وإذا لم تتحقق العدالة المحلية سنطالب بتحقيق العدالة دولياً وعالمياً ولن نكل حتى يلاقي القتلة مصيرهم العادل. من شهداء الفاجعة: ليست جمعة الكرامة شهداء الكرامة الذين بدأ الإصطفاء لهم من لحظة تسمية الجمعة ثم عنونت أسماءهم في سجل الشهداء في غيب لا يعلم به إلا الله، بل كان لجوار ذلك شهداء مرافقون من أهالهم المشهد فجعتهم البشاعة وتسربت عبر عروقهم النهاية لمشهد القتل المريع، نذكر هنا أحد الشهيدات من نساء الخير ومنعطف العطاء في العمل الخيري –صفية قحطان– التي خفت فيها النفس مذ رأت المذبحة وهي أمام التلفاز تتابع وكانت يداها لا زالت تغوص بين العجين وهي تعد طعام الغداء لشباب الساحة يقول أبناؤها: وجدناها بعد يوم حافل بالمشاهدة لمجزرة الكرامة وقد كنا تابعنا الأحداث حتى ساعة متأخرة من الليل قد أغشي عليها وعند إسعافها للمستشفى كانت قد فقدت الوعي تماماً وبعد أسبوعين فارقت الحياة. تلك الآثار النفسية ومشهد الخوف والبعد الاجتماعي الذي خلفته جمعة الكرامة في نفوس من يقطن الأحياء القريبة والمجاورة لمسرح الكرامة، أهالي وأسر شهداء الكرامة الذين لازالت صور أبنائهم وآبائهم ممثلة بالرصاص لا تخرج عن إطار مخيلتهم باستمرار كل هؤلاء بالمعنى العام يمكن اعتبارهم شهداء ولو بالألم المتراكم في ذواتهم.