كنت أعتقد، أن «حصلت» في العنوان، تحتاج إلى توضيح، فأكثر ما يقلقني أن القراء من غير المصريين، لا يفهمون بعض المفردات، التي جبلنا على استخدامها في مصر، لولا أنني عثرت على أغنية لمطرب مغمور، اسمه «عادل الخضري»، عنوانها: «هي حصّلت» يقول فيها: تعدي عليَ، وعينيك في عنيا، وتعمل مش شايفني، وما تسلمش عليَ… هي حصلت؟! المطرب المذكور، غنى أغنيته مع عزف موسيقي حزين، ونحن شعب له مع الحزن صداقة وثيقة وعميقة، ويمكن أن تُغنى مثل هذه الأغنية في الأفراح، ويتفاعل معها جمهور نكدي بالفطرة! لا بأس، فمن الواضح أن الحوثيين عندما علموا أن مذيع قناة «الجزيرة» عثمان آي فرح، قد وصل إلى عدن هتفوا: «هي حصلت»؟!… وعثمان قدم عدداً من النوافذ في نشرات الأخبار لم أشاهدها، ومن الواضح أن الحوثيين، لم يشاهدوها أيضاً، لكنهم شاهدوا «عثمان» في الحلقة اليتيمة من «ما وراء الخبر» التي قدمها من هناك، وعليه فقد حشدوا قواتهم، فلا يصلين العصر إلا في مكتب «الجزيرة» في عدن، وعندها غادر «عثمان آي فرح»، من عدن إلى جدة، ومن هناك إلى الدوحة! كان «عثمان» قد نشر صورة له في مطار جدة، ويحيط به عدد من ضباط الأمن، وبدا لي أنه رئيس أفريقي، يستعرض حرس الشرف، لولا أنه راعني أنه يحمل حقائبه بنفسه، ولا يوجد رئيس دولة يحمل حقائبه، لكن صاحبنا كان قد فر من القوات الحوثية، التي هتفت بمجرد أن شاهدته على الشاشة بالقول: «هي حصلت»؟!، وتلقى على إثر هذا التهاني على صفحته على «فيسبوك»، لنجاته من يد الحوثي الكبير، والذين يناصبون «الجزيرة» العداء على نحو كاشف بأنهم يمثلون الثورة المضادة، فكل الثورات المضادة، تتخذ من «الجزيرة» عدواً! في صنعاء، اقتحم الحوثيون مكتب «الجزيرة»، وعبثوا في محتوياته، وربما ظنوا ما اعتقدته القوة المداهمة لمكتب القناة في القاهرة، عشية الانقلاب العسكري، أنه بمجرد إغلاق المكتب، وقطع الأسلاك، سيتم تسويد الشاشة، وقد فعل الضابط الكبير ذلك في مصر، ثم صرخ متسائلاً: ما هذا؟… لأنه بعد أن فعل فعلته وجد «الجزيرة» لا تزال تعمل، وعبثاً حاولوا إفهامه أن هناك أستوديو آخر في الدوحة، وعندها شعر الضابط المخضرم أنهم يتلاعبون به، فهو داخل المكتب الذي يقع في بناية تحمل اسم «دوحة ماسبيرو»، إذن نحن في «الدوحة» وقد أوقفنا العمل في الأستوديو فكيف تعملون! براءة مقتدى الصدر من الواضح أن قائد القوات المداهمة لمكتب القاهرة، لم ينقل خبرته للحوثيين في اليمن، لأنه عندما فعل ما فعل، قطع فقط البث الذي كانت تنقله «الجزيرة» من ميدان التحرير حيث الاحتفال بقرار الانقلاب، وأوقف حديث اثنين في استوديو القاهرة، كانا يدافعان عن الانقلاب وصاحبه، ويقدّمونه للناس على أنه ثورة شعب، وهما حسن نافعة، وعبد الخالق فاروق، ولم يكن هناك وجود للرأي الآخر، الذي يقول أن السيسي ليس أكثر من قائد جيش متمرد، ينبغي أن يقدم للمحاكمة العسكرية، على جريمته، وأن ما جرى ليس ثورة وإنما ثورة مضادة تصدرت أحزاب الأقلية المشهد فيها، وهي التي هزمت جماهيرياً في خمس استحقاقات انتخابية. «الجزيرة» كانت حريصة على أن تقدم رأي الحوثيين في كل برامجها التي تناقش الشأن اليمني، بل أنها كانت تقطع إرسالها وتنقل خطاب الزعيم الحوثي المفتقد للكاريزما والهيبة، فليس له حضور حسن نصر الله، أو هيبته، فهو فيه من طفولة وبراءة «مقتدى الصدر»! ومن الواضح أن الضابط المصري لم يهتم بنقل خبرته، للوفد الحوثي الذي زار القاهرة على الرحب والسعة، فكان التقليد الحوثي هو فقط فيما هو معلن من مداهمات لمكتب الجزيرة عشية الانقلاب، وكدلالة رمزية لوقوعه. وفي اليمن بعد اقتحام مكتب صنعاء، شد الحوثيون الرحال إلى عدن، للقبض على الرئيس « عبد ربه منصور… هادي»، الأخ غير الشقيق للمؤقت المصري «عدلي منصور»… «هادي أيضاً»، ولا أعرف المعنى الفني من أن المذيعين في سائر القنوات ينطقون اسمه على فقرتين. يقول المذيع: «عبد ربه منصور»، ثم يصمت برهة ويبلع ريقه، قبل أن يقول «هادي»، فلا تعرف ما إذا كنت أمام اسم، أم أمام جملة فعلية وفعل مؤخر هو… «هادي»! وهو أمر من وجهة نظري لا يستحق كل هذه المعاناة في نطقه، أو في فهمه، فأنا أيضاً لا أعرف مدلول كلمة «آي» التي تفصل «عثمان» عن «فرح»، وقد حاولت كثيراً فهم لماذا في تونس مثلاً يوجد من يحملون «بن» في أسمائهم، ومن لا يحملونها، فتجد «كمال بن يونس»، وآخر يحمل اسم «كمال يونس» بدون فواصل. سألت زميل تونسي عن سبب ذلك؟ فلف ودار ولم يقل شيئاً، وسألت آخر لا يحمل «بن»، فتحدث داخل فمه بهمهمات، مثل «منى الشاذلي». وذلك قبل أن أقف على فاصل آخر هو «الحاج» في اسم المذيعة التونسية «صابرين الحاج فرج»، صاحبة الصوت المتفرد، الذي تكمن قوته في ضعفه، وتميزه في لحنه، قليلات هن مذيعات الجيل الجديد اللاتي تستطيع أن تتعرف عليهن بالصوت فقط. المدفعية الثقيلة ما علينا، فبظهور «عثمان آي فرح»، كان واضحاً أن «الجزيرة» قد دخلت مجال التغطية الموسعة بإرسال أحد الذين يمثلون مدفعيتها الثقيلة إلى اليمن، ومعلوم أن «جمال ريان» هو صاروخ «أرض جو… اف 16»، ومؤكد أن هذا الصاروخ قد جرت عليه تحسينات، فمعلوماتي العسكرية في هذا الصدد قديمة، قدم الحرب العراقية – الإيرانية، وكانت نشرات الأخبار تذيع يومياً عدد الصواريخ التي أطلقتها بغداد من هذا النوع، ربما وصل الآن إلى «اف» متقدمة. رحم الله صدام حسين «حامي البوابة الشرقية»، الذي مات وترك لنا في مصر أيتامه، فهرولوا لسفارة أعدائه، على قاعدة: «من يتزوج أمك قل له يا عمي»! كان طبيعياً، و»عثمان» قد وصل للأراضي اليمنية، أن يهتف الحوثيون: «هي حصلت»؟! وللمعلومات العامة، فقد كان الذين من قبلكم لا يتعاملون مع «الكوكاكولا» عند ظهورها إلا من هو على سرير المرض، وعندما توشك أن تبلغ التراقي، وقد ورد في الأثر أن مسافراً أرسلوا له أن والده مريض، فعاد إلى بلدته سريعاً وفي طريقه لمنزله وجد شقيقه يحملها… «إنها الكوكاكولا»، فهتف: «هي حصلت»؟، إذ اعتقد أن أبيه في لحظة الغرغرة. لقد غادر «عثمان آي فرح»، و»عبد ربه منصور….. هادي» عدن، مع الزحف الحوثي إليها، الذي كان سبباً في عملية «عاصفة الحزم»، التي لم يستشر فيها السيسي وعومل معاملة أحد القادة العرب عندما ضلل بموعد غير صحيح عن حرب أكتوبر سنة 1973، لأنه على علاقة بإسرائيل وخافوا خيانته، وهذه المباغتة كانت سبباً في تضارب الموقف الرسمي لقادة الانقلاب، مما دفع بعض مقدمي برامج «التوك شو» ممن يمثلون أذرعاً إعلامية للسيسي للهجوم على السعودية، التي كانت قبل ذلك لوقوفها مع الثورة المضادة ضد إرادة الشعب المصري هي الشقيقة الكبرى! وبدا واضحاً أنها محاولات ابتزاز، إذ تظن سلطة الانقلاب أنها يمكن أن تخضع المملكة بالقول، فيعود تصدير «الرز» من جديد، لكن لأن العين لا تعلو على الحاجب، وأن المال الذي ينفق منه أيضاً على هذه الفضائيات هو «رز» خليجي أيضاً وليس «كبسة»، فبمجرد العلم أن السعودية غاضبة، تم تقديم الاعتذار السريع، دعك مما تردد عن أنه تم إيقاف هذا المذيع أو ذاك، فمالك لترسانة إعلامية في مصر، عندما يجد أزمة في الأفق ينهار من أول لحظة ويعلن الاستغناء عن خدمات الفاعل، مع أنه ليس أكثر من أداة، والاستغناء عن خدماته ليس دقيقاً. وفي حكم الإخوان أذاع أنه باع قناته التلفزيونية، وتبين أن هذا ليس صحيحاً. لقد أفلت «عثمان آي فرح» في هذه المرة من الأخ «الحوثي» بأعجوبة، وليس في كل مرة تسلم الجرة، فاذا لم يأخذ حذره فقد يقع في المرة القادمة في قبضة أبو بكر البغدادي. بالمناسبة، ما هو اسم «الأخ الحوثي»، الذي رغم ظهور المتكرر تلفزيونياً «بالشال الكشمير»، إلا أنني نسيت اسمه… في الحقيقة أنا لم أتذكره لكي أنساه. ومعلوم أن أمران عرفا منه بالضرورة، الأولى «الشال»، والثانية لافتة خلفه تحمل عبارة «الثورة مستمرة». مع أنه ليس من الثورية أن يطارد الصحافيين ويعتقلهم، تماماً كما ليس من الرجولة أن يعتقل النساء، وقواته تفعل! لكن لا بأس، إنها الثورة المضادة ولا يوجد ما يمنع أن تكون مستمرة القدس العربي