كشفت مصادر ل»لأهالي نت» زيارة قام بها عمار محمد عبدالله صالح إلى المملكة العربية السعودية بعد تولي عبدربه منصور هادي رئاسة الجمهورية، وعلى أن تلك الزيارة كانت سرية من غير علم الرئيس هادي إلا أن المسؤولين في المملكة استقبلوه في ذلك الحين، وبدا استقبالهم له أكثر غرابة من زيارته هو، إلا أن السعودية قد تكون أرادت من ذلك إيصال رسالة ما إلى الرئيس هادي الذي لم تفتأ تصرح بأنها تدعمه. لم يخ�'فَ الأمر طويلاً حتى ظهرت تقارير إخبارية على بعض الصحف تتحدث عن فتور مبكر في العلاقة بين الرئيس هادي والرياض، وكان من أسباب هذا الفتور -بحسب متابعين- تعامله المباشر مع واشنطن متجاوزا المملكة العربية السعودية. ومنذ ذلك الحين والصحف الموالية لصالح تكثف من المواد الصحفية التي تتحدث عن لقاءات بين الرئيس هادي والمسؤولين الأمريكان، وتحاول أن توحي أنها بصدد تقديم الرئيس هادي بمظهر جيد أمام الرأي العام حين كانت تؤكد أنه رفض طلبات من الأمريكان للسماح لهم بتنفيذ ضربات بطائرة بدون طيار في الأراضي اليمنية، متظاهرة -في كل ذلك- بأن ذلك جزء من اهتمامها بهادي في حين كان الهدف الحقيقي -فيما يبدو- تدعيم المعلومات التي تتوالى إلى الرياض من مكتب عمار صالح متضمنة تأكيد تعامل الرئيس هادي المباشر مع الأمريكان على حساب المملكة العربية السعودية، خاصة في الملف الأمني وفي المقدمة ما يتعلق بموضوع «القاعدة» الحساس للطرفين الأمريكي والسعودي. هذه لعبة صالح التي يعرف أصولها جيدا، ويمكن التأكيد على ذلك باكتشاف المملكة العربية السعودية للمواد المتفجرة التي زرعتها القاعدة في طرد جرى شحنه على طائرة متوجهة من اليمن إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل نحو ثلاث سنين. ثم اتضح أن الاكتشاف في الأصل كان لنظام علي صالح الذي فضل إخبار المملكة العربية السعودية على إخبار الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا على الرغم من أن المنطق الطبيعي -في ظاهر الأمر- يقول إن مصلحة علي صالح كانت تكمن في أن يخبر الأمريكان ويكسب ودهم لا أن يخبر المملكة. ولو كان فعل ذلك لما وجدت المملكة مبررا لتلقي عليه اللوم لأن الطائرة متجهة من اليمن إلى الولاياتالمتحدة مباشرة. ولهذا بادر الرئيس هادي إلى إقالة عمار محمد عبدالله صالح من موقعه وكيلا للأمن القومي، ولم يكتف -بذلك- بل أتبع هذا قرارا بإقالة علي الآنسي من موقعه كرئيس للجهاز. ما يعني أن ثمة ما استدعى منه القرارين الصادرين بتتابع غير معهود من الرئيس بحسب استقراء القرارات المتخذة منذ توليه الرئاسة. وبمتابعة صور الرئيس هادي التلفزيونية وشيء من الصور الفوتوغرافية يمكن ملاحظة إكثار الرئيس هادي من النظر إلى الأرض بخلاف ما جرت عليه عادة الرؤساء وكبار المسؤولين والدبوماسيين الذين يتلقون باستمرار نصائح من مكاتبهم الإعلامية بتحاشي النظر إلى الأرض أمام الكاميرات. ويبدو أن تلك النظرة إلى الأرض قد غدت سجية في الرئيس هادي، فقد اعتاد خلال عقود من العمل مع صالح على أن ينظر إلى موضع قدميه حتى يضمن عدم الزلل، وتلك النظرة نحو الأرض لا تحجب عنه رؤية المستويات الأعلى -كما قد يتبادر إلى ذهن الناظر- بقدر ما تفعل العكس تماما، إضافة إلى أنها انعكاس لحالة الحذر التي اعتاد الرجل على توخيها. وتلك هي النظرة التي لا يكاد يظهر بها زعيم أو شخص من كبار المسؤولين، تبعا للتعليمات والنصائح التي يتلقونها من مكاتبهم الإعلامية فيما يتعلق بلغة الجسد الدبلوماسية، ووحده الرئيس عبدربه منصور هادي يخرق هذه القاعدة وكثيرا ما يظهر بهذه النظرة في الصور. وقطعا لم يكن عمار صالح ولا رؤساء التحرير في تلك الصحف يفهمون تلك النظرة كما يجب. وفي حين كانت الهتافات الثورية والكتابات والأحاديث مركزة حول أحمد علي ويحيى، فوجئ الجميع بالرئيس هادي يصدر قرارا بإقالة عمار صالح. ورغم إقالة عمار إلا أن تلك الصحف ظلت تقدم الخدمات لعائلة صالح من خلال تكريس تجاهل الرئيس للسعودية، وكأنها كانت مستمرة في استراتيجية تدعيم التقارير الأمنية التي ظلت تتوالى إلى المملكة، ولكن من مكتب رئيس الأمن القومي هذه المرة لا من مكتب عمار. وكأن الرئيس هادي قد تمكن -أثناء مشاركته في قمة مكةالمكرمة- أن يردم جزءا من الهوة بين صنعاءوالرياض. ولهذا لجأ صالح قبل تلك الزيارة إلى الاستماتة من أجل منعها والحيلولة دونها، مثل القيام باقتحام وزارة الداخلية والتلويح باقتحام مؤسسات أخرى. ثم استمر -بعد سفر الرئيس- في ممارسة الصلف بصنعاء ليجبره على قطع زيارته والعودة إلى صنعاء قبل أن يتمكن من ردم تلك الهوة، وقام -لتحقيق هذا الهدف- بتنفيذ أشكال من الصلف منها اقتحام وزارة الدفاع. ومجددا، فيما الأنظار متجهة صوب قائد الحرس الجمهوري ورئيس أركان حرب الأمن المركزي، والهتافات الثورية والشعبية لا تتوقف عن المطالبة بإقالتهما، إذا بالرئيس يصدر قرارا بإقالة علي الآنسي من موقعه كمدير لمكتب رئيس الجمهورية، ومن موقعه كرئيس لجهاز الأمن القومي. وهنا، أسقط في يد تلك الصحف التي ظلت تنافق رئيس الجمهورية وتتظاهر له بالقرب منه والميل إليه، فيما كانت -في الحقيقة- تنفذ أجندة صالح. كما لم تعد هناك تقارير أمنية تتطلب مساعدتها لإيغار صدر الرياض على الرئيس هادي وبتلك الطريقة الملتوية، فإذا هي تكشف عن قناعها وتتحول بشكل تام إلى تحميل الرئيس هادي مسؤولية «الغزو الأمريكي لليمن»، وتفرد مساحات واسعة للحديث عن خطر المارينز والتواجد الأمريكي في البلاد بغية تأليب الرأي العام على الرئيس هادي وإحراقه شعبيا، خاصة وأن أكثر هذه الضربات تستهدف مناطق في المحافظات الجنوبية، وتستفز مشاعر اليمنيين بلا استثناء، وإلى درجة أن هذه الضربات جمعت بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي وهما نقيضان لا يلتقيان. وإذا كانت هذه هي استراتيجية بعض الصحف الموالية لصالح والتابعة له بشكل غير رسمي، فإن الصحف التابعة لصالح رسميا والتي لا تحتاج أن تراوغ الرئيس هادي -بذات القدر- قد حددت استراتيجيتها من البداية في تأليب الرأي العام اليمني على الرئيس هادي في النقطة المتعلقة بالولاياتالمتحدةالأمريكية وحربها على الإرهاب وعملياتها التي تنفذها في اليمن. ومستوى التغير في موقف صالح من هذه القضية يبدو مهولا بالقياس إلى المدة الفاصلة بين مذهبه القديم ومذهبه الجديد.