يبدو المشهد الإعلامي في اليمن معقدا للغاية بصورة تسهم في تعقيد العملية الانتقالية؛ ومقابل تأرجح إعلام رئاسة الجمهورية واعتماده على التسريبات وتصريحات المصادر المجهولة وتغييب الناطق الرسمي بإسم الحكومة بناء على اتفاق طرفي الوفاق عجز الإعلام الرسمي وتحوله إلى أعباء إضافية واقتراب بعض مؤسساته من الإنهيار؛ يلاحظ أن إعلام «خصوم التسوية» يحقق تقدما متصاعدا بما يمتلكه من أدوات وإمكانيات كبيرة في التحكم ببوصلة الخطاب الإعلام وتقييد وإرباك الإعلام الرسمي والإعلام التابع لأطراف التسوية. وتفتقر حكومة الوفاق الوطني إلى بوصلة إعلامية ناجحة تساعد في تقدمها وتغلبها على التحديات الجمة التي أنتجها المنعطف الملتوي الذي تمر به البلاد. هذا الخلل الجلي خلف انعكاسات سلبية كبيرة على الحكومة وأثر في عرقلة أو تأخير قيامها بالحمل الثقيل الذي أنيط بها. تخلت الحكومة عن سلاح الإعلام في وقت أحوج ما تكون فيه إلى تبني سياسة إعلامية مدروسة.. يمكن لخطاب إعلامي نوعي اختصار مسافات كبيرة من شأنها الدفع بالعملية الانتقالية وبناء جسر من الثقة لدى المواطن الذي يحقق إعلام «خصوم التسوية» تقدما في إبقائه في دائرة الشك. ونتاجا لذلك الخطأ العميق الذي ارتكبته لا تزال الحكومة هدفا طيعا للآلة الإعلامية التابعة لخصوم العملية الانتقالية والناقمين من نظام ما بعد المبادرة الخليجية، ووجدت الحكومة نفسها مضطرة للجوء إلى «الإعلام الدفاعي» محاولة صد بعض الدعاية في الوقت الضائع. أعباء الإعلام الرسمي تنفق الحكومة مليارات الريالات من أموال الشعب على وسائل الإعلام الرسمية -وما أكثرها- والمؤسف أن بعض المؤسسات الحكومية تعيش حالاً من التدهور المتسارع وباتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، الأمر الذي يضيف أعباء زائدة على الحكومة وعلى الخزينة العامة، وبعض الوسائل الرسمية لا تزال حتى اليوم خارج سيطرة الحكومة ووزارة الإعلام. تكمن المشكلة في وسائل الإعلام الرسمية أنها تنتج على كثرتها نفس الصنعة وتقدم ذات المعلومة بصورة مكررة ومملة.. فضلا عن أن عملية التغيير التي وصلت بعض المؤسسات اقتصرت على القيادات ولم تحدث أي تغييرات في المستويات المختلفة التي تتحكم في سياسة وأداء تلك المؤسسات. وسبق مثلا وطالبت نقابة الصحفيين اليمنيين وزارة الإعلام بإنقاذ صحيفة «الثورة» وهي كبرى الصحف المحلية من الانهيار المحتوم. حكومة تلعب دور المعارضة تحتاج الحكومة إلى إظهار مواقفها حول كثير من القضايا بل إن ذلك على رأس واجباتها ومن حق المواطن عليها توفير معرفة شاملة وشفافة عن سياسات وخطط وبرامج وإنجازات حكومته المطالبة بإخراج تلك المعلومات له بصورة دائمة. كم هي الحوادث والقضايا التي انتظر المواطن من الحكومة الخروج له بحقائق رسمية؟! هل كان على المواطن والإعلام غير الرسمي استقاء المعلومات من التسريبات في قضايا متعلقة بالأمن القومي للبلاد وعلاقاتها الخارجية من مصادر غير رسمية؟!.. إنها حكومة تسهم بصورة غير مباشرة في تضليل الرأي العام!. وصل الحد لدرجة أن تتعامل مؤسسات رسمية مع تسريبات زائفة وتحمل تبعاتها.. نتذكر مثلا إعلان وزارة الداخلية عن هوية متهم بتفجير ميدان السبعين ليتبين بعد ذلك أن المتهم بتفجير نفسه لا يزال حيا ووصل إلى الوزارة على قدميه يطالبها بتبرئته والكشف عن الفاعل الحقيقي! كم هي المرات مثلا التي تعلن فيها وزارة الدفاع عن مقتل قيادات في تنظيم القاعدة ويظهرون بعدها أحياء يرزقون في تسجيلات بالصوت والصورة.. وفي حالات كثيرة تتناقض المعلومات الرسمية من وزارة لأخرى. نتذكر هنا وعوداً أطلقها وزير الدفاع في سبتمبر الماضي عن إعلان نتائج التحقيقات في حادثتي اقتحام وزارتي الدفاع والداخلية في مؤتمر صحفي مشترك بين الوزيرين إلا أن ذلك لم يحدث حتى اليوم. ومنذ إعلان تشكيلها دأبت الحكومة الانتقالية ومصادر «مجهولة» فيها على الرد المتأخر عن بعض الأخبار والتسريبات حول كثير قضايا جوهرية. وهذا يعيد إلى أذهاننا إصدار الحكومة بيانات إدانة واستنكار لحوادث تدخل ضمن مسئولياتها ممارسة بذلك عمل منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المعارضة. نتذكر هنا توجيه الحكومة (الثلاثاء 29 مايو 2012) بإعداد برنامج إعلامي لجميع الوزراء للرد على ما وصفته بالاساءات الموجهة لرئيس وأعضاء الحكومة وإيضاح الجهود المختلفة التي تبذلها الحكومة خلال المرحلة الانتقالية.. الأمر الذي اعتبر مراقبون أنه يحول الاعلام إلى دعائي شخصي للوزراء وأن تلك التوجيهات تفتح الباب أمام «التلميع» على حساب الخزينة العامة للدولة. أين الناطق الرسمي للحكومة!؟ سرت العادة في حكومات سابقة أن يعقد وزير الإعلام وهو الناطق الرسمي مؤتمرا صحفيا أسبوعيا يتناول فيه القضايا والمستجدات كالذي كان يفعله الوزير السابق حسن اللوزي آخر أيام حكم صالح. كانت حقيبة وزارة الإعلام من نصيب المشترك، ومنذ تولي وزير الاعلام علي العمراني في تنظيم مؤتمرات صحفية أسبوعية بصفته الناطق الرسمي باسم الحكومة إلا أن طرفا مشاركا في الحكومة عمل على وقف ومنع تلك المؤتمرات.. وتقول المعلومات إن خلافات في الحكومة انتهت باتفاق طرفي الوفاق على منع المؤتمرات الصحفية وبالتالي تغييب المتحدث الرسمي باسم الحكومة. رفض ذلك الطرف لاستمرار الناطق الرسمي كان بمبرر أن وزير الإعلام محسوبا على قوى الثورة؛ وبالتالي لا يمكنه أن يكون متحدثا باسم حكومة تحوي تشكيلتها أطرافا مختلفة. وفيما لم يصدر أي تفسير رسمي حول تعطيل عمل الناطق الرسمي، أوضحت مصادر حكومية متعددة للأهالي نت أن الخلاف حول الناطق الرسمي أفضى إلى اتفاق طرفي حكومة الوفاق على تشكيل لجنة وزارية لتقديم مقترحات لبدائل أخرى إلا أنه تم تعطيل عمل اللجنة -وفقا للمصادر. وفي ظل الحاجة الماسة لوجود ناطق رسمي للحكومة كان يمكن لطرفي الوفاق الاتفاق على تعيين ناطق من خارج الحكومة وتحديدا شخصية سياسية أو إعلامية تكون محل إجماع الطرفين. يبدو أن هناك أطرافا مستفيدة من تغييب الناطق وتعطيل مهمة اللجنة. إعلام خصوم التسوية وإعلام الحكومة يحقق إعلام «خصوم التسوية» تقدما ملحوظا في نشر الدعاية التي تقصد عواطف وقلوب البسطاء ويمكنها أن تتحول بمرور الوقت إلى قناعات سيكون لها انعكاسات سلبية في المستقبل القريب قبل البعيد. هذا التقدم الملحوظ نجح -إلى حد كبير- في تقييد وإرباك الإعلام الحكومي وإعلام الرئاسة وإعلام أطراف في التسوية.. يمتلك خصوم التسوية آلة إعلامية فتاكة في العدد والعدة تشمل الصحف والقنوات وإذاعات ومواقع إلكترونية تضمن تسيير دفة الخطاب الإعلامي وخلق معارك إعلامية هامشية والاحتماء وراء الدعاية الشرسة الهادفة للتشويش على سير العملية الانتقالية ومحاولة خلق صراع بين أطرافها وإعادة الوضع إلى بؤر التوتر والانفلات. وبمقارنة بسيطة بين إعلام خصوم التسوية وإعلام الحكومة يمكن إدراك مدى التقدم الذي أحرزه الأول.. يمكن استخلاص ذلك من الدور الذي تلعبه قناة «اليمن اليوم» ومعها أكثر من 5 قنوات فضائية مقابل الفضائية اليمنية وقناة سبأ، وكذلك مدى التأثير الذي يمكن أن تحققه 3 صحف يومية تعمل تحت عباءة «المعارضة الوطنية» مقابل 3 صحف رسمية رابعتها تخدم خصوم التسوية.. الأمر ذاته ينطبق على عدد من الصحف الأسبوعية مقابل صحيفتين حكومية وما يمكن أن يلعبه الكم الهائل من المواقع الإلكترونية مقابل «سبأ نت، سبتمبر نت».. ومن المفارقة أن الإعلام التابع لحزب المؤتمر -شريك بنصف الحكومة- يعمل في غير صالح الحكومة وعملية الوفاق. عدا ذلك تبقى وسائل الإعلام المستقلة والأهلية والخارجية رهينة تسريبات ومعلومات مغلوطة معتمدة على مصادر غير رسمية وغير مؤكدة كثيرا ما تسهم في تضليل الرأي العام، هذا الواقع يصب بمجمله في غير مصلحة العملية الانتقالية. وبغياب المصادر الرسمية يبقى الإعلام المستقل حائرا بين كم هائل من التسريبات الصادرة عن: «مصدر بمكتب الرئيس، مصدر بمكتب رئيس الحكومة، مصدر بمكتب الزعيم، مصدر حكومي غير رسمي».. لدرجة اضطر معها الإعلام المستقل والخارجي والرأي العام إلى استقاء معلومات تطبخ في غرف دبلوماسية وتصريحات سفراء تخدم أجندات مختلفة، وكاد السفير الأمريكي بصنعاء بكثرة وتنوع تصريحاته مثلا أن يكون متحدثا باسم أحد أطراف التسوية. [email protected]