خصص الرئيس هادي في خطاباته الأخيرة فقرات عريضة للحديث عن الإعلام وكيف يمكنه أن يلعب دورا سلبيا في عرقلة العملية الانتقالية وتأزيم الخلافات غير الخفية، ويعطي هادي الإعلام مساحات بارزة في أخباره إلا أنه يتحدث عن الإعلام بصورة جمعية ولم يسم طرفا بعينه مركزا على حث جميع الأطراف على «التهدئة الإعلامية» وتبني خطاب إعلامي ينطلق من عملية التوافق ويساعد على إنجاح العملية الانتقالية. وفي أول خطاب رسمي له وجه هادي في كلمة ألقاها (السبت 5 مايو 2012) في الأكاديمية العسكرية العليا أثناء حضوره حفل تخرج عدد من الدفاعات العسكرية وجه اللوم لقادة الإعلام الرسمي وقال إنه (الإعلام) «بدا منفلت وغاب عن ادراك وظيفته الاساسية». ويحاول هادي من خلال خطاباته تعويض ثغرات إعلامه الذي أظهر إخفاقا جليا في مجابهة دعاية وتسريبات إعلام «خصوم التسوية» ما يعني أن الفجوة يمكن أن تتسع بمرور الوقت. مع ذلك فإن الرئاسة هي الأخرى تفتقد إلى أداة إعلامية تتناسب ومنصب رئيس الجمهورية، تكاد تصريحات وتسريبات مصادر بمكتب هادي -تختار لتمريرها وسائل غير رسمية- تغلب على الأخبار الرسمية الخاصة بالرئيس، ومنذ توليه منصبه في فبراير الماضي لم يصدر عن مكتب إعلام الرئيس أو رئاسة الجمهورية بيان رسمي أو بلاغ صحفي حول قضية ما. ولأكثر من مرة تحول إعلام الرئاسة إلى عبء على الرئيس وعلى الحكومة أيضا، وفي وقت مبكر من رئاسة هادي كادت تسريبات مكتبه الإعلامي -المتناقضة أحيانا- أن تصنع صراعات بين الرئاسة والحكومة وبين الرئيس ووزراء في الحكومة.. إذ كان مصدر (مجهول) بمكتب هادي وصف وزيرين في الحكومة بالمتمردين ليعود عبر إحدى الصحف المحلية محاولا تلطيف الوضع متعذرا بأن تصريحه أخذ في غير منحاه الطبيعي. فيما سبق وأفضى هذا الواقع إلى تناقض بين وسائل الإعلام الرسمية وبين إعلام الرئاسة، حدث ذلك مثلا مع ما نشرته صحيفة «26 سبتمبر» الناطقة باسم وزارة الدفاع (الخميس 20سبتمبر2012) عن صدور قرارات رئاسية مرتقبة تشمل قادة عسكريين وأمنيين وسفراء ومحافظين؛ إذ نفى «مصدر إعلامي في مكتب الرئيس» ذلك الخبر وحذر من ما وصفه «اختلاق مثل هذه الأخبار والفبركات الكاذبة التي تهدف إلى الإثارة وربما لتحقيق أغراض ذات مرامي تخدم أهداف معينة» وقال إن تلك الأخبار «محاولة خلق الإثارة والافتراءات الكاذبة». الأخبار الوصفية ومشكلة أخرى؛ أن إعلام الرئاسة يعتمد على الأسلوب الوصفي في تغطية الأخبار الخاصة بالرئيس ووصف ما يدور في لقاءات ونقاشات واجتماعات الرئيس وليس نقل حقائق ما يدور فيها. ولعل المتابع لأخبار الرئيس يدرك تلك العبارات الوصفية المتكررة التي صار مأولوفا مطالعتها في كثير من الأخبار. وأعرب دبلوماسي غربي –في حديث غير رسمي مع كاتب السطور- عن إمتعاضه من القصور الذي قال إنه يعتري الإعلام الرئاسي الذي لا ينقل معلومات وحقيقية ودقيقة عن كثير من القضايا التي تطرح للنقاش بين الرئيس وأطرافا أخرى. الدبلوماسي ذاته قال إن كثير من المواقف والآراء يتم تجاهلها في تغطية أخبار الرئيس على أهميتها وكونها تعبر عن مواقف طرف معين من قضية ما. هذا السلوك وفوق كونه يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والأخلاق الصحفية فإنه يسهم في منع المعلومة الوافية والدقيقة عن الرأي العام والتضليل على الشعب في كثير من الحقائق التي من حقه معرفتها. بالمقابل؛ تصدر تسريبات من مصادر "مجهولة" في مكتب هادي مغلوطة في بعضها يتم تمريرها عبر بعض الصحف أو المواقع لتتحول تلك التسريبات إلى قضية رأي عام نتيجة استقاء وسائل الإعلام منها. إعادة تجربة إعلام صالح في غير مرة يعيد إعلام الرئاسة تجربة إعلام الرئيس السابق صالح في "قصقصة" وحذف وإضافة وتعديل خطابات هادي وإخضاعها لإجتهادات شخصية وتوجيه الأخبار والخطابات إلى مسارات مختلفة على غير ما أراده الرئيس. حدث ذلك مثلا في نشر وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" خبر "ناقصا" محاضرة الرئيس هادي ألقاها في الكلية الحربية (الأربعاء 18 يوليو 2012م)، خضع الخبر لإجتهادات الحذف والإضافة أدت إلى حذف مقاطع كبيرة وفي غاية الأهمية من المحاضرة وخصوصا ما يتعلق بقضية التدخل الإيراني في شئون اليمن.. يومئذ بثت الفضائية اليمنية المحاضرة بصورة كاملة ظهرت مختلفة كثيرا عن الخبر المنشور في وسائل الإعلام الرسمية. وحين نشر موقع "الأهالي نت" خبر قيام الوكالة بحذف تلك المقاطع نفت الوكالة علاقتها بالأمر، وأكدت أنه لا يحق لها تعديل أو إضافة أو حذف الأخبار الخاصة برئيس الجمهورية، مؤكدا أن الأخبار الخاصة بالرئيس تأتي للوكالة من المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية ولا يحق للوكالة التعديل فيها أو الإضافة أو الحذف- بحسب ما قاله مصدر في الوكالة للموقع. يزيد الأمر تعقيدا في أن إعلام الرئاسة هو المزود الوحيد لمختلف وسائل الإعلام الرسمية وغير الحكومية لأخبار الرئيس في ظل عدم السماح لوسائل الإعلام بتغطية كثير من خطابات الرئيس وحضور فعالياته وأنشطته. وفوق أن هذا السلوك قد يسيئ إلى الرئيس بحذف رسائل معينة أراد توصيلها فأن ذلك يعد انتقاصا من "قدسية" خطابات الرئيس باعتباره رئيسا يجب أن تكون خطاباته مدروسة ودقيقة وواضحة باعتباره يمثل شعبا كاملا ويتحدث باسمه ولسانه. [email protected]