لا يبدو على الحكومة مظهر الحياء في المسألة المتعلقة بجرحى ثورة فبراير الشبابية؛ فالحكومة التي تولدت عن قانون حصانة ظالم تعتقد أنه لا يتعين عليها التدثر بالحياء، وسيكون من الأجدر بها التواري عن الأنظار قدر الممكن ريثما تنتهي فترتها ويأتي البديل الذي يمكن التعويل عليه فيما يخص قضايا الثورة العالقة والتي منها: جرحى قرروا الإقلاع عن مطالبة الحكومة بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية ناحيتهم لذات المبرر المذكور سالفاً!. لا إشكالية تنغص الضمير وتنغص الخاطر أكثر من إشكالية جرحانا الكبار المهملين, ذلك أن الجرح يتسع أكثر باتساع جرح الغبن والإحباط النفسي للجرحى من جراء الإهمال الفاضح لقضيتهم في زحمة الحديث عن حكومة ونظام جديد!. في 30 نوفمبر من العام الماضي وضعت رصاصة غادرة حداً لمسيرة كفاح الشاب الثائر عمر السامعي.. ولم يمت عمر يومها ولا بعد ذلك اليوم، لكنه يتمنى الآن لو أن “عزرائيل فعلها” وأراحه من كل هذه المعاناة والغصة التي تطارد يومياته حتى المنام. لا يستحي عمر في أن يصارحك بالغصة التي تنبش ما تبقى من روحه النقية؛ إذ يفاجئك عمروس بقوله: هذه حكومة فاسدة، وإلا كيف يمكن تفسير تصرف رئيسها الأسبوع الماضي بالتوصية بعلاج مجموعة من الجرحى في مستشفيات أوروبية راقية، بينما المئات دونهم يرزحون في منازلهم تحت وطأة الألم والغصة، لا لشيء إلا لأنهم صمتوا ولم يشهروا بالحكومة في منابر الإعلام, ولا امتهنوا كبرياءها وعرّوا حياءها بالاعتصام أمام مقرها والدخول في ملاسنات مع الداخل والخارج هناك؟! وعلى كوني أحترم حكومة باسندوة فلم يكن بمقدوري الدفاع عنها أمام عمروس؛ فثمة قناعة لدي بأن عمروس كان صادقاً، وأن الحكومة لم تقدم شيئاً يذكر لمناضلي الثورة ومن ضحوا بأرواحهم وأجزاء من أجسادهم فداء لها ووقوداً لنيرانها المقدسة. قبل عام كامل أصيب صديقي عمر برصاصة “عوبلية” في عموده الفقري وهو يخوض إلى جانب رفاقه في “حماة الثورة” إحدى ملاحم الدفاع عن تعز الأرض والعرض, واليوم يطعن بخنجر الإهمال الرسمي في ذات المكان التي استقرت فيه الرصاصة لتتضاعف أوجاعه أكثر فأكثر!! تحت ضغط صرخات الأطفال وعويل النساء الواقعين تحت رحمة المدفعية الثقيلة حمل عمر بندقيته والتحق بصفوف المقاتلين, كانت تعز غالية على عمر بما يكفي لتحفيزه لنجدتها ورمي ملازمه الجامعية في بطون الأدراج، فقد كانت تعز كلها جامعة للأشراف والغيورين, وشوارع الستين والحصب والتربية والروضة والمسبح, وسنترال الموشكي كليات خاصة لتخريج أبطال حقيقيين قرروا في لحظة غيرة محمومة، ألا يتخلوا عن تعز أو يتركونها مسرحاً للذئاب البشرية التابعة لنظام صالح؟! لست هنا في وارد سرد نضالات عمر ورفاقه في حماية الثورة؛ فثمة تاريخ صادق سيروي للأجيال القادمة كل شيء على أنني أقاتل الآن في محاولة لإيقاف شهادة التاريخ عند تضحياتهم وبطولاتهم دون تجاوز ذلك إلى سرد الانتكاسات المتلاحقة التي تعرضوا لها خصوصاً الجرحى والمصابين منهم. يعيش عمر السامعي ورفاقه من جرحى حماة الثورة أوضاعاً بالغة التردي في ظل إهمال رسمي قاتل وجالب للإحباط دفع كثيراً منهم لاستجداء المنظمات والجمعيات الخيرية طمعاً في كفالتهم بعدما يئسوا من جدوى الانتظار.. انتظار ماذا؟! لاشيء! فليس ثمة سلطة تعي مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية إزاءهم.. وهذا ما تردده الأيام؛ إذ تستمر في لملمة نهاراتها البائسة لإفساح المجال للنهارات القادمة؛ علها تأتي بما لم تستطعه الأوائل.