إذا ما دققنا في أسباب التشويش الإعلامي الذي نتعرض له اليوم في اليمن من قبل بعض وسائل الإعلام الخارجية وتحديداً بعض القنوات، والتي تعتمد الكثير منها على التسريبات التي تتداولها عدد من المواقع الالكترونية ذات الصفة الحزبية، سنجد بالفعل أن هناك من يتعمد هذا التشويش بهدف خلق نوع من البلبلة لدى الرأي العام المحلي، بالتزامن مع تضليل المتابعين للشأن اليمني في الخارج. وأهم ما يكشف عنه هذا التشويش الإعلامي هو أن هناك من القوى والتيارات السياسية والحزبية، ومن لف لفها، من باتت تمارس هذه اللعبة بشكل احترافي ماكر ومخادع في معركتها ضد الشرعية الدستورية، إلى درجة بدا فيها الأمر وكأن هذه القوى قد عقدت صفقة مع عدد من وسائل الإعلام المعروفة بمواقفها العدائية لليمن ووحدته ونهجه الديمقراطي، للقيام بمثل تلك المهمة التي ترمي توجهاتها إلى الترويج للإشاعات والأكاذيب والافتراءات، التي من شأنها إثارة المخاوف لدى المواطنين واللغط في صفوفهم والتشويش على مواقفهم، وزرع القلق في نفوسهم على حاضر ومستقبل وطنهم، وآخر شواهد هذا السيناريو الممنهج والمخطط له سلفاً من قبل تلك التيارات والقوى، هو ماروجت له بعض القنوات الإعلامية يوم أمس من الأراجيف والمزاعم الكاذبة، حول تنحي وتخلي رئيس الجمهورية عن صلاحياته خلال ستين يوماً. والمؤسف حقاً أن تنجر وسيلة إعلامية كقناة "الجزيرة" إلى هذه الزوبعة، بعيداً عن المهنية وأمانة وأخلاقيات الرسالة الإعلامية، بنسبها تلك الأكذوبة إلى مصادر موثوقة زاعمة أن المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك قد توصلا إلى آلية لانتقال السلطة من أربع نقاط من بينها تخلي رئيس الجمهورية عن صلاحياته خلال ستين يوماً ونقل السلطة إلى نائبه وتشكيل هيئة وطنية للإشراف على انتقال السلطة. والمريب في أمر "الجزيرة" أن تقع في هذا الخطأ المهني الجسيم بعد فضيحتها المدوية، التي لم يمر عليها سوى عدة أيام، عندما بثت شريطاً يظهر جنوداً يعذبون بوحشية بعض السجناء على أساس أن ذلك المشهد في السجن المركزي بصنعاء بينما كان ذلك المشهد في سجن في العراق سبق أن بثته قناة "العربية" قبل عدة سنوات كما تم تداوله عبر الشبكة العنكبوتية منذ يناير عام 2010م ولا يزال حتى اللحظة موضع تداول في الشبكة إياها. لقد كان من المؤمل ألا تكتفي هذه القناة بالاعتذار الهامشي عن تلك الفضيحة، التي تضع مسؤوليها موضع المساءلة القانونية، بل تعمل على التدقيق في ما تبثه من أخبار حتى لا تفقد مصداقيتها لدى المشاهدين، خصوصاً بعد أن اهتزت الثقة فيها من قبل الكثير من المشاهدين اليمنيين، الذين صاروا كل يوم يتندرون على السقطات التي ما برحت تقع فيها هذه القناة، التي يحترم أبناء الشعب اليمني البلد الذي تبث منه، وسيظل هذا الاحترام قائماً، مهما بلغت درجة الزيف والتضليل الذي تمارسه قناة الجزيرة. ولا نبالغ إذا ما قلنا أن مشاعر الأسى والألم قد انتابت الكثير جراء دخول بعض وسائل الإعلام والقنوات الفضائية على خط الأزمة السياسية في اليمن وانحيازها لطرف ضد طرف، بل ودخولها كشريك فاعل في التوجه الهادف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن وإذكاء الفتنة بين أبنائه حتى باتت تظهر وكأنها غرفة عمليات لإدارة الأزمة وتداعياتها. ولا نجافي الحقيقة حين نشير إلى أن الفرقعات والأراجيف والأكاذيب التي سعت العديد من وسائل الإعلام إلى الترويج لها يوم أمس بشأن تخلي رئيس الجمهورية عن صلاحياته خلال ستين يوماً، قد أريد بها طمس البريق الذي اكتسبته الاحتشادات الجماهيرية الضخمة والعملاقة التي شارك فيها أكثر من عشرة ملايين مواطن يمني في العاصمة والمحافظات، في استفتاء جديد على الشرعية الدستورية ومكانة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في قلوب اليمنيين، وهي المشاهد التي اهتز لها ضمير كل من شاهدها على مستوى المنطقة والعالم باستثناء قناة الجزيرة، التي قدرت تلك الأمواج الهادرة من البشر، وعلى استحياء بعشرات الآلاف. ولنا أن نتخيل الفارق العددي بين عشرة ملايين الواقع وعشرات آلالاف حسب الجزيرة، وكذا بين ما قاله فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في خطابه أمام الحشد الجماهيري في ميدان السبعين وهو يتحدث عن الانتقال إلى النظام البرلماني، وبين تقولات الجزيرة التي نسبت إلى فخامته أنه دعا إلى الانتقال من النظام الجمهوري إلى نظام آخر. وفي ذلك دليل كاف على أن ما تقوم به الجزيرة أمر يندرج في إطار مخطط الاستهداف لليمن، وذلك ما ينبغي أن يتنبه له كل اليمنيين بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية والثقافية حتى يفوتوا الفرصة على من يقفون وراء هذا المخطط في الداخل والخارج لكونه يستهدف بشكل مباشر أمنهم واستقرارهم وتماسك جبهتهم الداخلية وسلمهم الاجتماعي، بل وتوافقهم السياسي، لأن الهدف ليس فقط إسقاط النظام وإنما إسقاط اليمن في بؤرة الفوضى والتشرذم والتمزق والتشظي.