قبل فترة ليست طويلة كتبت تحت العنوان أعلاه مقالاً لأسبوعية "العاصمة" الإصلاحية، عندما كان الزميل عبدالله مصلح رئيس تحريرها، و اليوم أجدني - على وقع الكلمات الحكيمة للدكتور ياسين سعيد نعمان و المنشورة بالنص على عدد "الأولى" يوم أمس- متحمساً لإعادة نشر المقال إياه و بدون رتوش، لا لشيء إنما ليعلم الأخوان في الإصلاح أن النقد الموجه إلي حزبهم ليس نتاج الأداء المرتبك للتجمع في ظل الثورة و الفترة الانتقالية فحسب، و إنما لأن إزدواجية خطاب الإصلاح كانت ماثلة على الدوام نظراً للتركيبة المدنية/ القبلية للحزب، وبروز تيارين رئيسين أحدهما محافظ متشدد، و الآخر عقلاني منفتح. بالأمس قال أستاذنا الدكتور ياسين : يتحمل " تجمع الإصلاح " مسئولية كبيرة في المساهمة في إنتاج حياة سياسية متوازنة تستعيد فيها الأحزاب التي جرى تهميشها وضربها في مرحلة معينة عافيتها ومكانتها في الحياة السياسية وتقع عليه مسئولية كبيرة في إصلاح هذا الوضع إذا أراد للحياة السياسية أن تستقيم على قواعد قوية تسمح بمواصلة المشوار على طريق الديمقراطية ، أما إذا أهمل مهمته في المساهمة في إصلاح الحياة السياسية واستطاعت القوى الأخرى أن تجره إلى مشروعها المتصادم مع العملية السياسية فإن ذلك سيشكل نكسة كبيرة للثورة ولعملية التغيير برمتها ، وبدون إصلاح الحياة السياسية فإن "الإصلاح" سيجد نفسه يخوض معاركه القادمة على قاعدة مختلفة تماماً عما بشر به مع شركائه وبأدوات مختلفة ولن يكون ذلك لصالح المشروع السياسي الديمقراطي . واليوم أستعيد نص المقال، فأقول مجدداً: " عن أي إصلاح يمكن أن يتحدث المرء.. الإصلاح التنظيم والمؤسسة، أم الإصلاح الفكر والأيديولوجيا.. الإصلاح كحركة سياسية، أم الإصلاح كجماعة دعوية.. الإصلاح الحليف الاستراتيجي للسلطة سابقاً أم الإصلاح كرأس للمعارضة حالياً.. الإصلاح برموزه المشائخية المتشددة، أم الإصلاح بشبابه الأكثر انفتاحاً وتسامحاً؟! لكن قبل الحديث عن هذه الصورة أو تلك، يتعين في البدء توجيه التحية لهذا الحزب العريق في مؤتمره العام الرابع الذي ينعقد في ظروف دقيقة وحساسة، لا يمكن تصور الخروج من المأزق التي تكتنفها دونما دور أو أدوار يجب على التجمع اليمني للإصلاح، أن يلعبها ويحسم موقفه بشأنها. لنبدأ بالقضية الجنوبية كملف شائك تبلورت مفرداته على وقع النتائج الكارثية لحرب صيف 94م وهي الحرب التي كان الإصلاح شريكاً فيها.. فقبل أسبوع فقط طالب بعض ناشطي الحراك الجنوبي وبشكل صريح من التجمع اليمني للإصلاح الاعتذار عن المشاركة في تلك الحرب، وهو مطلب ليس من الحكمة أن يتجاهله مؤتمر الإصلاح وسيناريوهات القضية الجنوبية مفتوحة على كل الاحتمالات. وإذ لا يستطيع الإصلاح اليوم التنكر لتاريخ مؤطر بتحالف استرايتجي مع الرئيس علي عبدالله صالح والحزب الحاكم، فإن تصدره للقاء المشترك المعارض، يفرض عليه مسؤولية كبيرة تجاه أعضائه أولاً، الذين انخرطوا في أجهزة الدولة، قبل أن يكتشفوا أن استمراريتهم في وظائفهم ومناصبهم رهن لمواقف حزبهم السياسية. وثانياً على الإصلاح أن يكون دوماً إلى جانب قضايا الناس وحقوقهم، وتبني مطالبهم بوسائل سلمية قد لا تجدي نفعاً مع نظام اعتاد على الرضوخ لمن ينتزعون حقوقهم بالقوة.. إنما بالنسبة للإصلاح، فغاية ما يتمناه النظام الحاكم، أن ينزلق الإصلاحيون إلى فخ العنف، ليسهل على الخصوم تصفيتهم ومحاصرة امتدادهم التنظيمي والفكري على الساحة اليمنية. نعم يوجد بالإصلاح أصوات متشددة تغلب نهج الدعوة على واقعية الحركة، وتميل إلى مجافاة تطورات العصر، ومحاربة طواحين الهواء، لكن الانضباط التنظيمي ناجح جداً إلى درجة أن أعمال العنف والتخريب المتوالية لم يتمخص عنها أية أدلة على تورط عناصر إصلاحية فيها، مع الإدراك أن السلطة تجتهد كثيراً في محاولات دؤوبة لإلصاق تهمتي التطرف والإرهاب بحزب الإصلاح! وحتى حادثة اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني الشهيد جار الله عمر أثناء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الثالث للإصلاح، فقد تم تجاوزها بفضل التسييس السريع من قبل السلطة للحادثة، في محاولة فاشلة لفض اللقاء المشترك وشق العلاقات الجيدة التي باتت تجمع الحزب الاشتراكي اليمني بحزب الإصلاح. هذه العلاقة التي تحتاج في حد ذاتها إلى قراءة فاحصة وموضوعية في ظل علامات الاستفهام التهكمية التي يطلقها إعلام الحاكم بشأن مسار هذه العلاقة. وليس جديداً القول إن الحشد الجماهيري للإصلاح ولتكويناته القديمة قبل الوحدة، قد استندت في كثير من الأحيان إلى الاصطفاف الأيديولوجي والعقائدي ضد الحزب الاشتراكي اليمني، وضد الشيوعية والماركسية والعلمانية. ولعل الإصلاحيين الغارقين في الشأن الدعوي يقفون في بعض الحالات كحجر عثرة أمام تنامي علاقات الإصلاح بأحزاب المشترك، وبالتيار الثقافي اليساري خارج المشترك، بل وينعكس هذا التوتر على الصف الإصلاحي ذاته.. والجدل الذي أثير حول ملتقى الفضيلة أواخر العام الماضي دليل ساطع على تداخل النشاط الدعوي بالحراك السياسي الإصلاحي. بيد أن هذا الاختلال لا يخلو من محاسن قلما توجد في حزب آخر، حيث تمكن الإصلاح من إدارة التنوع والتباين والانفتاح والتشدد، من خلال الاحتكام إلى القرارات المؤسسية الأمر الذي فوت على السلطة شق الإصلاح وتفريخه، كما فعلت بأحزاب أخرى، رغم أن قيادات بارزة في الإصلاح ترعرعت في أحضان السلطة وطالما تباهت بولائها للرئيس علي عبدالله صالح.. هنا يثبت الإصلاح أن الولاء للأفكار والمبادئ مقدم على بقية الولاءات رغم المغريات التي تكتنفها! وبالطبع، فثمة تجاوزات، سجلها رئيس الهيئة العليا للإصلاح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، فقد وقف مراراً إلى جانب الرئيس صالح، مخالفاً لقرارات الإصلاح ذاته، مع ذلك فتبريرات الإصلاح تبدو وجيهة، فالمرحوم، كان قامة وطنية يصعب اختزالها في حزب أو مؤسسة معينة. هذه المكانة وذلك الدور الذي لعبه الشيخ الأحمر، يثير تساؤلات عن التحالف القبلي- الإسلامي في إطار التجمع اليمني للإصلاح، ومن الذي استفاد من هذه العلاقة؟ ببساطة فقد كانت الاستفادة متبادلة، ولا يوجد في الإصلاح اليوم خطاً فاصلاً يمكن من خلاله التمييز بين تيار منحاز للقبيلة وآخر للحزب، فقد استطاع الشيخ الأحمر، رحمه الله، أن يوازن بين الانتماءين دونما ضرر أو ضرار.. بل لعل الإصلاحيين اليوم أقل تخففاً من غيرهم فيما يتعلق بالتعصبات القبلية والمناطقية والعنصرية. وفي إطار اللقاء المشترك، لعب الإصلاح دوراً مهماً في إعادة تصويب مسار الديمقراطية اليمنية، وإذ لم يستطع المشترك إيقاف العبث السلطوي بالهامش الديمقراطي، فإن التوافق على تأجيل الانتخابات، يمنح الإصلاح والمشترك فرصة مضافة لإصلاح ما أمكن إصلاحه على طريق التغيير السلمي عبر صندوق الاقتراع.. وسيكون مطلوباً من الإصلاح قبل غيره، اتخاذ القرار الأهم في تاريخ المعارضة اليمنية.. المشاركة في الانتخابات بشروط المؤتمر، أو مقاطعتها على افتراض أن الحزب الحاكم وافق على تأجيل الانتخابات من بوابة ترحيل الأزمة السياسية لا حلّها.. ومعروف حجم المخاطر والتضحيات التي يتعين دفعها حال قررت المعارضة مقاطعة انتخابات 2011م. بقي القول إن السيناريو الأكثر أماناً يفترض إقرار النظام النسبي الذي يطالب به المشترك في إطار الإصلاحات الانتخابية، وفي ظل القائمة النسبية يصبح بالإمكان الدفع بنسبة كبيرة من النساء إلى البرلمان.. وعلى مؤتمر الإصلاح الرابع أن يحسم الموقف بشأن ترشيح المرأة إلى مجلس النواب، قبل أن يكتشف أنه تأخر كثيراً وخسر أكثر في ظل التعامل بازدواجية مع المرأة (الجيش الأسود) في سلوك غير لائق بحزب إسلامي."