ظل اليمنيون ينتظرون الحوار الوطني المتكافئ بفارغ الصبر، وجاءت اللحظة التاريخية المناسبة، ورضي المختلفون أن يجلسوا معاً، وقبلت الأحزاب بنسب تمثيل لا يتناسب مع حجم وجودها في الواقع، واستسلم الجميع للشروط والمعايير التي وضعتها اللجنة الفنية؛ رغم أنها لم تكن موفقة في بعضها، ومضت مسيرة الحوار الذي استلهم أهداف التغيير في كثير من مخرجاته، وحقق نتائج معقولة كثيرة، ووضع شروطاً وضوابط وأسساً تمنع الاستبداد والفساد والظلم، وتعالج مشكلات الماضي وتمنع تكرارها في المستقبل.. الهدف الرئيس للحوار أن يخرج اليمنيون برؤية يتفقون عليها تبني دولة المؤسسات التي تحافظ على الحريات والحقوق، وتضمن العدالة والمساواة، وتحقق التنمية الشاملة، وتسمح لكل أبناء الشعب الشراكة في الثروة والسلطة دون تمييز ولا إقصاء ولا محاباة. اليمنيون يتوقعون أن تتم الرؤى والمعالجات تحت سقف الوحدة، وبنظام إداري لامركزي يتم الاتفاق عليه، ينهي كل سلبيات الماضي القريب والبعيد، ويستلهم التجارب الناجحة هنا وهناك، فالبقاء على ما كان عليه الوضع سابقاً تكرار للفشل، والتنكر للوحدة والروابط المشتركة تجربة لم يجن منها اليمنيون إلا العذاب والضعف والتخلف وضياع الإمكانات والجهود واستمرار الفتن والحروب، ( ومن جرّب المجرّب فعقْلُه مُخَرّب !!) الثقة التي أعطيت لأعضاء الحوار ليست توقيعاً على بياض، ولا تفويضاً لنسف الخير والشر معاً، وإلغاء الصالح والطالح على السواء، وإنما كانت الثقة بغرض مراعاة الجمع بين المصالح العامة والخاصة، والنظر للمتغيرات مع المحافظة على الثوابت، ورد المظالم من دون أن تسبب في مظالم أخرى، وأن يرفع عن كاهل المشاركين الخوف من قول ما يعتقدون، كل ذلك لتكون المخرجات على بصيرة واستيعاب، وأن تحقق النتائج تطلعات أبناء الشعب اليمني في يمن موحد آمن ومستقر... الذين تعاطف الشعب مع مظلوميتهم عليهم أن يستمعوا لغيرهم، وأن لا يفرضوا رأياً واحداً وفكراً أحادياً؛ وإلا هددوا بالويل والثبور وعواقب الأمور، ولو ذهب كل فريق هذا المذهب، ونَبَشَ الماضي - وما أكثر مآسيه - فستنتهي أعمار جيلنا قبل أن نشبع حزناً وبكاءً! وسنتفرق أيدي سبأ، ولن تقوم لطرف منا قائمة، والعالم اليوم يتقارب ويتجمّع، يتعاون ويتوحّد، يحافظ على الخصوصية ويراعي المصالح المشتركة، وعلينا أن لا نشذّ عن منطق العقل وسنن الله في الحياة، ومعيبٌ أن يتعالى بعضنا على إخوانه، أوتدفعه الأحقاد إلى تدمير مستقبله ومستقبل غيره!! ما يشاع بأن بعض أعضاء الحوار يريدون أن يكونوا بديلاً عن مجلسي النواب والشورى، وأن يعهد إليهم صياغة الدستور والقوانين، وأن يصبحوا كل شيء في المستقبل، كل ذلك يخالف المهمة التي جيء بهم من أجلها، وإن ورد ذلك على ألسنة بعضهم، فلا يعدو أن يكون رأياً خاصاً يريد تكريس حالة الاستثناء التي نريد أن نغادرها إلى وضع الاستقرار والانتخابات التنافسية في كل المستويات، والانطلاق لبناء الدولة القوية الفتية الحازمة العادلة التي نشكو جميعاً من عدم وجودها. نأمل أن نسمع في الأيام القادمة من مؤتمر الحوار ما يبعث الأمل والأمان، وما يحقق الرضا والاستقرار، نريد رسائل تطمئن الداخل والخارج، تؤكد أننا مازلنا أصحاب الإيمان والفقه والحكمة، وأي قفز فوق الواقع فلن يكون سوى ترحيل للمشكلات وإعادة لدوامة الصراع وبحث عن أسباب جديدة للفُرقة والعداوات!!