لن يكون العشرون من سبتمبر يوماً عادياً ، ولن يمر التاريخ بغير توقف طويل ، فاليوم يختبر الله الأمانة، ويقسم الناس بين فسطاطين : شاهد حق ، وشاهد زور .. وبين صادق وكاذب ، وبين كلمة لها فضل بناء اليمن ورفاه شعبها ، وأخرى تجر الويل والثبور على أجيال يمنية قادمة. اليوم سيقف اليمنيون أمام صناديق الاقتراع ليس ليسقطوا ورقة فيها ويعودوا أدراجهم ، بل ليختاروا رئيساً لليمن من بين بضع خيارات قليلة فيها الرجل الصالح الذي ما فتئت يده تبذل العطاء، وتصنع السلام ، وتؤمّن الخائف ، وتبني بغير توقف ، وفيها الرجل الطالح الذي ساءت سيرته ، والتأمت حوله الشبهات ، وشاعت الشكوك، ولا يُعرف له أصل وفصل غير ما قاله عنه بعض مروجي حملته الدعائية .. وفيها الرجل الغريب عن أوجاع اليمنيين وآلامهم ، ومعاناتهم وقد حضر العرس الديمقراطي لمجرد أن يأكل ويقتسم الغنيمة ، ويذهب إلى حال سبيله من غير اكتراث لما قد يحدث .. وفيهم .. وفيهم وليس على المرء سوى أن يتأمل ، ويسأل ، وسيعلم كل شيء. إنه عرس الديمقراطية اليمنية الذي يجب أن يكتب فيه اليمنيون تاريخ أجيال قادمة بأمانة وبشرف وبمسؤولية ، ويدركون فيه بشهادتهم أمام الله لتزكية كل مرشح ، وليس بعد الشهادة من مسؤولية أثقل وأمانة أعظم إما أن يكون للمرء فيها فضل اختيار الرئيس الصالح الذي يبني بلده باخلاص ، ولايزج شعبه بحروب وفتن، ولا يبيح دم هذا ، ويسفك دم ذاك ، ويكفر هذا ، ويدخل ثالثاً الجنة ، ويزج برابع إلى النار كما لو كان وصي الله على الأرض بلا حدود، يهب لنفسه حق الظلم والاستبداد. وأما أن يكون للمرء فيها إثم اختيار الرئيس الطالح الذي كل همه الاستعلاء ، والاستبداد ، وخوض المغامرات.. ومن هنا يتوجب على الناخب السؤال ألف مرة: أين يكمن الخير وأين يكمن الشر ؟؟ أين يكمن العدل وأين تكمن مغامرة الظلم !؟ وأيهم البشير ، وأيهم النذير بالسوء!؟. قد يقول البعض إنه سيدلي بصوته وحسب ، من غير حساب لحق أو باطل فالله وحده العالم بالقلوب .. وهذا هو عين الخطأ .. فليس للمرء أن يشهد أمام الله بما لايعلم ، وليس للمرء أن يزكّي شخصاً لا يعرفه ، ولم يسمع عنه من شخص موثوق ما يؤكد صلاحه .. وبالتأكيد لن تنفع الدعايات بشيء مادام الكل يدّعي بنفسه الصلاح، وما دام حتى المجنون يخيّل لنفسه أنه العاقل في الكون وما سواه مجنون .. فالناخب معني ليس فقط بالاستماع لمن يقصدونه لتلميع صورة هذا أو ذاك المرشح وإنما بالسؤال ممن يثق ، وتحكيم العقل والمنطق في كل ما يسمع قبل الإدلاء بصوته. وفي كل الظروف على الناخب أن يتذكر أنه يصنع القرار اليمني ، وأنه يرسم مستقبل الأجيال ، وأنه يكتب التاريخ ، وأن هناك من كان لهم الفضل في ممارسة كل هذه الحقوق والحريات .. وكان لهم الفضل في تهيئة هذا المناخ الآمن الذي لولا ما يسوده من سلام لما كانت هناك ديمقراطية ، ولما كانت هناك انتخابات .. ولا شك أن هؤلاء الذين ضحّوا ، وشاركوا بمسيرة النضال الثوري، وخدموا شعوبهم بصدق ووفاء لهم الأفضلية وأولوية الاختيار .. هؤلاء الناس الذين تقاسموا مع أبناء شعبهم الظروف الحلوة والمريرة ، وصبروا ، وكافحوا يستحقون فعلاً أن يمتن لهم الناخب .. وهؤلاء الذين لهم من رصيد العمل الوطني ما يصعب إحصاؤه أو تجاهله لابد أن يكونوا هم الخيار الأصوب .. أما الذين كانوا يغامرون في فنادق أوروبا وأمريكا بعيداً عن معاناة شعبهم فهم لا يستحقون ثقة أحد لأنهم أدمنوا المغامرة ، وأدمنوا انتهاز الفرص ، ونهب الحقوق من على أكتاف البسطاء والفقراء والجاهلين ممن يخدعهم اللفظ ، ودغدغة العواطف بألسن ماكرة تجيد فن الخديعة والكذب. يوم العشرين من سبتمبر لابد أن يتحول إلى يوم استثنائي في حياة اليمنيين ، لأنه في كل الأحوال سيمثل منعطفاً تاريخياً في مستقبل الأجيال اليمنية .. فاليمن اليوم تقف على مفترق عدة طرق ، بعضها فيه النجاة والأمن والاستقرار ، وبعضها الآخر فيه الهلاك والويل والثبور.. واليمنيون وحدهم المعنيون بالتصويت لحياتهم الآمنة أو لا سمح الله لحياة الذل والخوف على الطريقة العراقية التي ألقت الكرة في ملعب الإرهاب والتطرف الديني.