تقف اليمن وجهاً لوجه أمام كارثة مدمرة إن لم تتراجع بعض الأطراف النافذة عن خطط السيطرة على مؤسسات الدولة وأجهزتها، وتسخيرها لتحقيق أهداف ومصالح حزبية وشخصية.. هذه هي الخلاصة التي استنتجها مراقبون دوليون للشأن اليمني، في سياق قراءتهم للتصدع بين حلفاء الحكم الانتقالي، والذي تجلى في أوضح صورة بالحرب الإعلامية الشرسة التي أشعلتها وسائل إعلام محسوبة على قوى تقليدية يتزعمها جنرالات ومشائخ ضد الرئيس هادي، واتهامه بالفشل وتهديده بالانقلاب والنزول إلى الشارع لإسقاطه. سؤال هذا التطور يثير سؤالاً في غاية الأهمية.. ما أسباب هذه الحرب وما هي خلفياتها وأسرارها، وهل انتهى شهر العسل بين هادي والإخوان؟ وهل سيلجأ الاصلاحيون للفوضى وتعطيل الدولة، في حال شعروا أن مصالحهم الحزبية والسياسية أصبحت في خطر؟!.. لا يمكن- طبعاً- الإجابة على هذه التساؤلات ما لم نستعرض ملامح العلاقة التي جمعت الطرفين والمصالح التي تقف خلف هذه العلاقة غير المتكافئة منذ البداية. الخطة في بداية الأمر راهنت القوى المسيطرة على مقاليد الأمور في صنعاء بأن هادي ضعيف الشخصية وهادئ جداً مثلما كان في عهد الرئيس السابق، وبالتالي وضعوا خططهم بأن يجعلوه مجرد “جسر أو سلَّم يصعدون عليه إلى سدة الحكم ثم يتخلصوا من منه بسهولة بعد ذلك.. لكنهم وجدوا بعد انتخابه أنهم بحاجة إليه ليس باعتباره رئيساً منتخباً أو رئيساً توافقياً فرضته المبادرة الخليجية.. وانما للتغلغل عبره الى مراكز أكثر عمقاً في السلطة وازاحة من تبقى من رموز النظام السابق، والتخلص من أقارب علي عبدالله صالح وقياداته العسكرية. إزاحة هادي أما المهمة التالية التي أرادت هذه القوى من هادي القيام بها وبالفعل استطاعت هذه القوى فرض خيار الأقاليم باعتباره حلاً للأولى، وسعوا إلى حل قضية صعدة عبر وسيلة واحدة من وجهة نظرهم تتمثل بنزع سلاح الحوثيين وبسط نفوذ الجيش في صعدة، وإذا ما تحقق ذلك فستكون الطريق أمامهم مهيأة للسيطرة على البلاد والقبض على زمام الحكم بإزاحة هادي من الكرسي بعد أن يكون قد أصبح وحيداً. تراجع إلا أن متغيرات كثيرة- داخلية وخارجية- حدثت جعلتهم يؤجلون فكرة إزاحة هادي، إذ شعروا أنهم ما زالوا بحاجة إليه، وأبرز تلك المتغيرات التي أعاقت مشروعهم، الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، والضغوط القوية من قبل الرياض وأبو ظبي لتحجيم دور الإخوان عربياً ودولياً ، أضف إلى ذلك، التوسع الكاسح للحوثيين، بشكل لم يكن في الخيال، وسيطرتهم على معقل حاشد وإخراج أولاد الأحمر من مناطقهم وبيوتهم واقتضت اللحظة الطارئة للقوى المشيخية والتجارية والسلطات العسكرية وضع الرئيس هادي في الواجهة، وتسخير القوات المسلحة لحماية نفوذهم والزج به في حرب مع جماعة الحوثي. هادي يرفض هذا الرفض أدى إلى إثارة ثائرة أبناء الأحمر، وقوى تابعة لمحسن وأشعلوا حرباً دعائية ساخنة ضد الرئيس، واستخدموا لغة التهديد والوعيد، وذكروه بأنهم هم من أوصلوه إلى السلطة من خلال الثورة،وهم من يحمونه وأنهم قادرون على إسقاطه والإطاحة به متى ما أرادوا.. لكنه تمسك بموقفه الرافض في توريط الجيش في أي صراع من أجل مصالح ضيقة، وبعث لهم رداً إعلامياً بنفس الطريقة أكد لهم فيها: “أن رئيس الجمهورية مسؤول عن جميع اليمنيين بأطيافهم وأحزابهم وتوجهاتهم المختلفة، وأنه مؤتمن على مصلحة شعبٍ بأسره ومستقبل بلدٍ أنهكته الصراعات، وليس رئيس عصابة يمكن استدعاؤه في أي لحظة ليعلن حالة الحرب، ويجيش الجيوش ضد جماعة بعينها. وأضاف مؤكداً أن المؤسسة العسكرية تعرف جيداً مهامها الوطنية وواجباتها في حفظ الأمن والاستقرار بعيداً عن معارك الاستقواء بها لتحقيق مكاسب سلطوية للأطراف أو الأشخاص..” حقيقة الحرب الاعلامية ومن أجل تمرير وجهة نظرهم واقناع الشعب يسعى هؤلاء من خلال الصراعات التي يقومون بافتعالها والحروب الإعلامية التي يشنوها أن يظهروا هادي شخصاً ضعيفاً، ولا يمتلك شخصية قيادية قادرة على اتخاذ القرار، كما يريدون تصويره كشخص فاشل وغير وطني سعياً لحرق شعبيته المحلية والتأييد الخارجي الاقليمي والدولي الكبير له. ولكي تتضح الصورة أكثر ونفهم بشكل أوضح حقيقة الحرب الإعلامية ضد الرئيس هادي لابد من الإشارة إلى الحقائق التالية: الإشارة الأولى: كشفت عنها مصادر استخباراتية أكدت أن التحقيقات حول عدد من الهجمات التي تعرضت لها مؤسسات عسكرية وأمنية ومنها الهجوم على وزارة الدفاع في العرضي والهجوم على السجن المركزي وعدد من المنشآت العسكرية والأمنية كشفت عن تورط قيادات كبيرة في السلطة بشكل كبير والهدف إضعاف هادي وإرباكه كي يبقى تحت السيطرة ولا يفكر بالتمرد على القوى الحاضنة . الإشارة الثانية : تتمثل بالمعلومات المؤكدة التي كشفت عن انحياز غالبية الدول الراعية للمبادرة الخليجية إلى صف الرئيس هادي، وقناعة هذه الأطراف بخطورة المخططات الرامية للسيطرة والاستحواذ على السلطة من قبل قوى أخرى، الأمر الذي أعطى هادي دافعاً قوياً للمضي قدماً في تحقيق شيء من التغيير، مما أغضب المناوئين ودفعهم إلى إعلان الحرب على هادي. الإشارة الثالثة : تتمثل وفقاً لمصادر عسكرية بالقناعة الراسخة لدى الجنرال علي محسن الأحمر من أن هادي بعد تمكنه من إقصاء أقارب الرئيس السابق صالح ورموز نظامه من الجيش فإنه يتجه لتغيير القيادات المحسوبة على الجنرال محسن واحلال قيادات موالية لهادي ومراكز نفوذه الناشئة، الأمر الذي اعتبره الجنرال تقليصاً لنفوذه وتمهيداً لضرب حلفائه. إشارة رابعة لها علاقة بقرار مجلس الأمن حول عرقلة العملية السياسية، حيث قام الرئيس هادي بتجهيز قائمة من القرارات والإجراءات والتعيينات التي سيفصح عنها نهاية الشهر الحالي، والتي سيتم بموجب تعامل الأطراف معها تحديد الطرف المعرقل والذي تنتظره عقوبات دولية. دهاء الجنرال يدرك كثيرون أن الأمر قد خرج إلى درجة كبيرة من تحت أيديهم، لكنهم ما زالوا يراهنون على دهاء علي محسن الأحمر وبراعته في إدارة الأزمات وإرباك العملية السياسية، ليظهر باعتباره المنقذ الوحيد من الكارثة.. كما هو حاله في كل الظروف فحين كا يعمل في منظومة صالح كان يبدو وهو المنقذ لعلي عبد الله صالح في كل الأزمات والاوقات الصعبة التي كان يمر بها الأخير .. وفي كل مرة كان يتعرض لانقلاب كان محسن يتصدر مشهد المدافع والمنقذ وفي حرب 1994م ظهر محسن كجبهة قوية حسم المعركة في مواقع كثيرة ومنها معركة العند التي تم اقتحامها بمن كانوا يسمون بالعائدين الافغان وفي حرب صعدة كان الجنرال في الجبهة الامامية وفي ثورة 11 فبراير برز محسن أيضاً كمدافع وحامي للثورة بعد أن تيقن من انتهاء صلاحية صالح.. محسن وانيابه وأظافره ليست منشبة في الجسد العام بل هي موجودة وفي كل المجالات فهو موجود في مشاكل الآراضي وقضايا القتل وأوامره لا تصد ولا ترد وأقوى من القانون والدستور، يوظف يصرف يوجه يأمر ومعظم جنرالات جيش سنحان وحاشد وغيرهم من الضباط الكبار الملقطين من المناطق الأخرى كان يتم تعيينهم بتوجيهات من محسن ومثلهم أيضاً أصحاب رؤوس الأموال الذين ارتفعت مؤشرات تجارتهم وأموالهم بلمح البصر كانوا أيضاً بفعل شخطة قلم من العجوز المنقذ وللتأكيد على ذلك فإن الموالين لمحسن من منطقة سنحان أكثر من المواليين لصالح. مصالحة وطمأنة وبحسب مصادر مطلعة فإن جنرالات ومشائخ سنحان التقوا بعلي محسن مؤخراً في اطار عملية المصالحة بين محسن وصالح التي قيل إن هناك اجتماعات سرية قادها يحيى الراعي للوصول الى الاعلان جهراً على عودة الوئام بين الخصمين الحميمين، وفي أحد اللقاءات طمن محسن جنرالات سنحان ومشائخها مما تنشره وسائل الاعلام عن توجه هادي لتقليص نفوذهم ووفق اعتماداتهم ونفى محسن وجود أي خلاف مع هادي، وقال لهم أن علاقته به قوية وأنها أفضل مما كانت عليه علاقته بعلي صالح وأكد لهم أن أوضاعهم ستكون في عهد هادي أفضل من السابق وخاطبهم بأن من لديه أي مشكلة فإنه سوف يحلها ولا خوف من هادي. هادي في يد الجنرال وبحسب هذا المصدر فإن محسن أشار للحاضرين ضمنا بأن هادي في يده وينفذ له كل طلباته وأكثر من تلك التي كان ينفذها صالح وقال هذا المصدر أن أي متضرر من هؤلاء الجنرالات والمشائخ بأي شكل سواء أوقفوا اعتماد أحدهم أو أقالوه فإنه مستعد لتسوية وضعه واعادة الامتيازات المادية التي كان يحظى بها سابقاً. أما عن المصالحة السنحانية فقال نحن لم نختلف حتى نتصالح لكننا إخوة وخلافنا كان مع علي عبد الله صالح وليس لدي أي خلاف مع أي سنحاني آخر وأما المصالحة مع صالح في الوقت الراهن ليس من صالحي ولا في صالحكم وترجى منهم وقف الجهود في هذا الجانب وتأجيلها الى حين تكون الظروف مناسبة. سقوط الأقنعة الأيام وربما الأسابيع القادمة كفيلة بإسقاط الأقنعة، وإفراز تطورات جديدة تحدد مستقبل العمل السياسي في البلاد ومصير الفترة الانتقالية ومعها مخرجات مؤتمر الحوار، وتضع عملية بناء الدولة الحديثة على محك تداعيات مواقف كل الأطراف على حدٍ سواء.. الشيء الوحيد الذي يمكن مراقبته عن كثب وقراءة متغيراته، هو المستوى الذي يمكن أن يصل إليه الرئيس هادي في التحرر من هيمة الحزب والشيخ والجنرال والتفرغ لإدارة دولة بأدوات حديثة وعقلية لا تؤمن بالمحاصصة والفيد وتصفية الحسابات القديمة.. وغداً لناظره قريب. متابعات