السلفيون في اليمن.. ثلاثة تيارات والكثير من الخلافات الحركة السلفية في اليمن، والتي تأسست في مطلع ثمانينات القرن الماضي، تسعى اليوم إلى تعزيز حضورها السياسي والثقافي، حيث شهدت انقسامات كثيرة وتباينات في الأطروحات، فمنها من اكتفى بالنشاط الاجتماعي ومنها من اتجه نحو العمل الحزبي ومنها من التحق بالفكر الجهادي المتطرف، وقد أثّرت الأحداث الراهنة، وبخاصة الانقلاب الذي قادته جماعة الحوثي، على واقع التيار السلفي في اليمن من حيث الرؤى والمواقف. شهدت الحركة السلفية في اليمن تحولا كبيرا في مسارها التنظيمي لتتجزأ إلى فرق وجماعات شتى تتباين في ما بينها حول البقاء على الشكل التنظيمي القديم الذي أسسه مقبل بن هادي الوادعي، والذي يعتبر مؤسس أول مركز رسمي لتدريس السلفية في اليمن، في مسقط رأسه بدماج في محافظة صعدة، معقل الفكر الزيدي في اليمن. وخرجت كل الجماعات والتكتلات السلفية في اليمن من تحت عباءة الشيخ مقبل الوادعي الذي توفي في العام 2001 تاركا وراءه الآلاف من الطلاب والأتباع الذين نقلوا فكره إلى كل مكان في اليمن، قبل أن يتفرقوا شيعا إلى جمعيات وأحزاب، فمنهم من فضل البقاء على ذات طريقة الشيخ الوادعي في الاكتفاء بالتدريس، ومنهم من قرر التحول إلى النشاط الثقافي والاجتماعي من خلال الجمعيات كما هو حال جمعية الحكمة اليمانية، في حين اتجه البعض الآخر إلى إنشاء أحزاب وتنظيمات سياسية كما هو الحال مع حزب الرشاد الذي يصنف بأنه الأقرب إلى الإخوان المسلمين في اليمن مع مسحة سلفية، وحزب النهضة الذي يتكون من سلفيين من جنوباليمن. ويقول مراقبون لمسار الحركة السلفية في اليمن، إن معظم طلاب الوادعي أو الذين تخرجوا في معهده ببلدة دماج بمحافظة صعدة شمال اليمن، منخرطون اليوم في قتال الحوثيين، غير أن القليل منهم فضل النأي بنفسه وعقد صفقته الخاصة مع الحوثيين، كما هو الحال مع محمد الإمام صاحب المعهد السلفي الشهير في مدينة معبر بمحافظة ذمار، ومحمد المهدي في محافظة إب، وفي كل الأحوال بات السلفيون في اليمن ينقسمون إلى ثلاثة تيارات رئيسية بحسب الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية أحمد محمد الدغشي، مؤلف كتاب “السلفية في اليمن: مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية”. ويرجع الباحث اليمني أحمد الدغشي بدايات الحراك السلفي في اليمن إلى أوائل ثمانينات القرن الماضي، إثر عودة الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي من المدينةالمنورة، بعد أن أفرج عنه على خلفية اتهامه بالمشاركة في فتنة الحرم المكي المسلحة بقيادة جهيمان العتيبي، وهو ما نفاه عن نفسه مرارا، ويقول ل“العرب” “كل الجماعات السلفية خرجت من تحت عباءة الدعوة السلفية التي أسسها الوادعي، ثم حصل بعد ذلك الاختلاف والتنوع، سواء في شمال البلاد أو في جنوبها، لكنها قبل ذلك مدينة للشيخ المؤسس”. وعن ريادة الوادعي في تأسيس السلفية في اليمن يضيف الدغشي أنه “إثر عودته بدأ في تأسيس مركز لعلوم الحديث في قريته بمحافظة صعدة، ولقي دعما وترحيبا في بداية الأمر من الحركة الإسلامية الأكبر (الإخوان المسلمين)، لكن الخلاف سرعان ما انفجر بين الطرفين، بعد أن رأى الوادعي على الإخوان ملحوظات تتصل بأفكارهم وسلوك البعض من مدرسي المعاهد التابعة لهم، بما فيها معهد دماج الذي وضعه الإخوان على إدارته، وطبيعي أن يذهب ذلك المذهب لمن يدرك طبيعة بيئته التي عاش فيها فترة تحوله، وما أنتجته من فكر مدرسي مختلف عن مدرسة الإخوان وفكرها”.
ويقسم الدكتور الدغشي الحركة السلفية في اليمن بصورة عامة إلى ثلاثة أقسام رئيسة، على رأسها تلك التي تعد امتدادا لفكر المؤسس نفسه، وهي الحركة السلفية التقليدية التي توصف بالعلمية أحيانا، وبالماضوية أحيانا أخرى، وتتمثل في مدرسة الشيخ الوادعي وما تفرع عنها مثل مركز معبر بمحافظة ذمار التابع للشيخ محمد الإمام، ومركز الشيخ أبي الحسن السليماني المصري في مأرب، ومراكز مماثلة في محافظات أخرى. أما التيار الثاني فيتمثل في السلفية الجديدة، كجمعيتي الحكمة اليمانية والإحسان الخيرية، وما تفرع عنهما على نحو مباشر أو غير مباشر من أطر سياسية، فالحكمة خرج من عباءتها حزب “السلم والتنمية” الذي أعلن عن الاعتراف به رسميا في 2014، والإحسان خرج من عباءتها كذلك حزب “اتحاد الرشاد اليمني” الذي أعلن عن نفسه في 2012. هذا بمعزل عن التطورات التي حدثت بعد خروج الحزبين إلى العلن من حيث الانسجام بين مسار كل منهما وجمعيته، لا سيما في ضوء المتغير الأكبر، وهو سيطرة الحوثيين على مقاليد الحكم في صنعاء وغيرها. أما القسم الثالث بحسب الدغشي، فتعبّر عنه السلفية المقاتلة أو الجهادية، وتمثلها “القاعدة”، وهي التي تبلورت في ما بعد وأعلنت عن نفسها مع نظيرتها في السعودية مطلع شهر يناير 2008 باسم “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”. وهي سلفية المعتقد والمصدر ومنهج الاستدلال، وإن نزعت نحو التأويل الجامح والمتعسف للنصوص لتنسجم مع عقيدتها القتالية. وتفرقت السلفية في اليمن بعد رحيل مؤسسها، وعن ذلك يتحدث الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية في اليمن أحمد محمد الدغشي قائلا “حصل الافتراق بين السلفية التي تقبل الحزبية وبين تلك التي ترفضها بعد عقد من التأسيس، أي في 1991، حيث لاحظ بعض طلبة الشيخ الوادعي وأنصاره الذين أضحوا يعيشون في المدن، الحركة الاجتماعية وأوضاع الناس الصعبة، وأهمية الإدارة والسياسة، ومدى تأثير العمل الخيري، مما يساعد في جذبهم إلى السلفية، فبدأوا في ذلك التاريخ بإنشاء جمعية الحكمة اليمانية الخيرية، تلتها بعد عامين جمعية الإحسان الخيرية، ليعدّ ذلك دعوة للتحزب وخروجا من دعوة السلف وأهل السنة التي لا تبيح ذلك في نظره، ومن ثمة شن عليهم حملة اتهمهم فيها بكل نقيصة، مما قاد إلى افتراق تام بين أصحاب الجمعيتين والمؤسس الوادعي ومن ظل معه. ثم حصل انشقاق كبير بين أتباعه بعد وفاته، وقد أسهم في ذلك وإلى حد كبير تدخل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي من السعودية”. خلف الشيخ مقبل الوادعي تلميذه يحيى الحجوري، والذي لحقته آثار الصراع السياسي والعقائدي إلى معتزله في قرية دماج، حيث قام الحوثيون في العام 2011 بحصار القرية تحت ذريعة أنها تضم مقاتلين أجانب تارة، وعدم حصولها على تصريح رسمي من الجهات الرسمية تارة أخرى، ولم يمض الكثير من الوقت حتى أخذ صراع دماج منحى طائفيا، حال في المرة الأولى دون استمرار الحوثيين في حصار دماج، غير أنهم عاودوا حصار القرية وقصفها حتى انتهى الأمر بخروج الشيخ الحجوري وطلابه منها، وهو ما عده البعض أول حادثة تهجير في تاريخ اليمن الحديث.