أصدر مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصنعاء دراسة اقتصادية بعنوان نحو استغلال امثل للمساعدات الخارجية قال فيها أن معضلة اليمن لا تقتصر على حاجته إلى المساعدات والقروض الخارجية، بل في ضعف او عدم قدرته على استيعاب تلك المساعدات والقروض في تمويل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشير الدراسة أنه في مؤتمر المانحين الذي انعقد في لندن 15-16/11/2006م، لدعم اليمن وتأهيل اقتصادها للاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، وبتحفيز من صندوق النقد الدولي، واستضافة من الحكومة البريطانية، وبمشاركة واسعة (80) جهة مانحة، بمن فيهم وزراء الخارجية والمالية بدول مجلس التعاون الخليجي، ورؤساء الصناديق الخليجية والإقليمية، وممثلي الدول المانحة التقليدية ومؤسسات التمويل الدولية لتبلغ إجمالي تعهدات المانحين بلندن وما بعد مؤتمر لندن حتى نهاية يونيو 2009م حوالي 5714.8 مليون دولار، موزعة على قطاعات الاقتصاد الوطني بنسب مختلفة ليبلغ نصيب قطاع الكهرباء والطاقة نحو 18% من ذلك المبلغ وهي اعلى نسبة، يليه الطرقات 17%، والصندوق الاجتماعي للتنمية 11%، والصحة والسكان 10%، والمياه والبيئة 8%، ثم الحكم الجيد والإصلاحات 7%، والكوارث 6%، والنقل 5%، ثم الزراعة والتعليم العالي 4% لكل منهما، والتربية والتعليم، والتعليم الفني، ومشروع الاشغال العامة 3% لكل منهما، وحصلت الاسماك على ادنى حد بنحو 1% من اجمالي تعهدات المانحين. وأوضحت الدراسة أن هناك خلل واضح في آليات التعامل مع المنح والمساعدات والقروض ويتبين ذلك من خلال الفجوة بين تعهدات وتخصيصات المانحين للقطاعات وبين المسحوبة من تلك المبالغ، فحتى نهاية يونيو 2009م بلغت تعهدات المانحين 5714.8 مليون دولار، بينما بلغت المبالغ المسحوبة حوالي 320.29 مليون دولار، اي ما نسبته 5.6% من تلك التعهدات رغم الحاجة الماسة لها. وتشير الدراسة إلى ان الجهات الرسمية تطلب مزيداً من المساعدات والقروض، ففي اجتماع الرياض فبراير 2010م تظهر الحكومة اليمنية عدم رضائها عن الاجراءات الروتينة المعقدة من قبل المانحين والتباطؤ في تقديم تعهداتهم ويبرر بعض المسؤولين الحكوميين ضعف الاستفادة من القروض والمساعدات الى ذلك، وبالنظر الى اجمالي القروض المتاحة للوزارات والمؤسسات الحكومية حتى 31/3/2010م حوالي 1519 مليون دولار ليبلغ مقدار السحب الفعلي منها- مارس 2010م حوالي 51 مليون دولار، اي ما نسبته 3.4%، وغير المسحوبة حوالي 1468 مليون دولار بنحو 96.6% من اجمالي القروض المتاحة. وفيما يخص القطاعات من القروض بلغ نصيب قطاعي المياه والكهرباء 450 مليون دولار، تم سحب منها 6 مليون دولار فقط، اي ما نسبته 1.3% ولا يخفى على الجميع التدهور والعجز الحاصل في الكهرباء. بينما بلغت قيمة القروض لقطاع التربية والتعليم 110 مليون دولار، سحب منها نحو 3.6%، واستوعب الزراعة والاسماك نحو 4.4%، والاشغال 5.5%، من اجمالي القروض المخصصة لها، في حين لم تستوعب وزارة الاتصالات سوى 0.3% من قروضها، اما وزارة التجارة والصناعة فبلغ قيمة القروض المتاحة لها 21 مليون دولار ولم تستوعب شيئ منه. وتذهب الدراسة إلى تحليل اسباب ضعف او عدم قدرة الحكومة اليمنية على استيعاب المساعدات والقروض الخارجية بالقول "انه في ظل النظام السابق والحكومات المتعاقبة كانت اولويات البرامج والمشروعات التي تتصدر اهتمامات متخذي القرار والمؤسسات التشريعية والحكومية وجهات التمويل المحلية والخارجية هي تلك الاولويات التي تهم المسؤولين الحكوميين والعسكريين ورجال القبائل وكبار المستثمرين ورجال الاعمال ومصالح الطبقات القريبة من مركز القرار السياسي والاقتصادي. بينما اولويات البرامج والمشروعات التي تهم المواطنين وتخدم اهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية الفعلية في البلد تأتي ضمن الاهتمامات الثانوية لمتخذي القرار والمؤسسات التشريعية والحكومية وجهات التمويل المحلية والخارجية، وبالتالي كان اتخاذ القرارات بالاولويات المزعومة للتنمية تتسم بالسلطوية والتعسف خاضعة للمصلحة السياسية على حساب المصلحة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع ككل، ودون اي حوار او مشاركة مجتمعية او مشاركة المؤسسات الحكومية او منظمات المجتمع المدني المعنية بتلك القرارات، وتؤكد الدراسة أن النتيجة الحتمية لتلك السياسات والقرارات هي ان الاقتصاد اليمني وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ذهبت بعيدا عن اهتمامات المواطنين وعجزت عن تحقيق الحد الادنى من الاحتياجات المعيشية الاساسية وسبل العيش الكريم بما يلبي طموحات وتطلعات المواطنين، فضلاً عن تحقيق الرفاهية الاقتصادية، ناهيك عن انعكاس تلك الاصلاحات الاقتصادية المتبعة بالاثر السلبي على الحياة المعيشية للناس. مشيرة إلى أن اهتمام الخارج باليمن يغلب عليها الطابع السياسي عن الاقتصادي بالاضافة الى غياب المشروع او الرؤية الاقتصادية لدى متخذ القرار اليمني، واستغلاله الجوانب السياسية في جلب المساعدات الخارجية وتوظيفها في غير تحقيق اهداف التنمية، جعل المانحين يضعون اكثر من علامة استفهام، موضحة أن السياسة الخارجية اليمنية تتصف بالازدواجية في تحديد المواقف الخارجية ومن ثم تقديم مصالح النظام السياسي الحاكم على حساب الاهداف الوطنية، ويسودها طابع المناورات والتكتيكات والتقلبات المستمرة ما ادى الى انعدام الثقة من الأطراف الخارجية بالادارة اليمنية وانعكاس ذلك على وقف تدفق المساعدات والمنح إلى اليمن باستثناء المساعدات والقروض الضرورية واللازمة لتحقيق أهداف تلك الجهات المانحة. وتضيف ان سوء تعيين واختيار قيادات المؤسسات والاجهزة الحكومية يعكس مظاهر القصور والضعف في أداء الاجهزة التنفيذية وتفشي الفساد المالي والإداري، ويظهر عدم قدرة تلك القيادات على اعداد وتخطيط برامج ومشروعات جديدة تستوعب تللك المساعدات، ناهيك عن فشلها في ادارة البرامج والمشروعات القائمة والتدهور المستمر فيها وفشلها في تحقيق اهداف التنمية، وذلك يفسر ضعف قدرة الاقتصاد اليمني في استيعاب المساعدات والمعونات لتمويل خطط التنمية، وبالتالي اتساع رقعة الفقر وانتشار البطالة وانخفاض متوسط دخل الفرد وتدهور كثير من البنى الاساسية وانعكاس ذلك في تدني الحياة المعيشية للمواطن، وهذه العوامل وتلك ادت الى ضعف الحافز لدى المانحين في تقديم المزيد من القروض والمساعدات. وأشارت في نهاية الدراسة إلى ان المركز في صدد تنفيذ دراسة ميدانية بالتعاون مع منظمة فريدريش الالمانية وتهدف الدراسة الى تحديد الاحتياجات وترتيب اولويات التنمية الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط والطويل بما يحقق الاستغلال الامثل للموارد الاقتصادية المتاحة والمساعدات والقروض الخارجية وبما يلي طموحات وتطلعات افراد المجتمع، وكذلك تحديد الخيارات الممكنة والممكنة لاتجاهات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل المتغيرات السياسية الراهنة من خلال تحليل آراء واتجاهات مختلف شرائح وفئات المجتمع للوصول الى الاتفاق والتوافق في تحديد تلك الاولويات التي تحقق اهداف التنمية وتلبي رغبات المواطنين والمجتمع بأكمله، وستشمل عينة الدراسة: صنّاع القرار/ قادة الرأي والفكر- صناع القرار السياسي قيادات الاحزاب السياسية - القيادات المحلية/ التنفيذية- الخبراء الاجتماعيين/ المجتمع المدني- والمتخصصين والخبراء الاقتصاديين- ورجال المال والاعمال- وفئات الشباب- والمواطنين- والمرأة. من الاهمية بمكان ان سؤالاً يطرح نفسه، من المسؤول عن تحديد وترتيب الاولويات الاقتصادية للمجتمع اليمني؟ ومن يضع اجندة القضايا الاقتصادية الاولي بالاهتمام والمناقشة؟ هل المجتمع الدولي؟ هل المواطنين؟ ام الحكومة، ام المجتمع ككل، ام النخب السياسية، ام المتخصصين والمهتمين، ام المرأة، ام الشباب كقوى ضاغطة فرضت نفسها؟ ومن اين يجب ان تنطلق تلك الاولويات؟ وقبل كل شيئ وبعد كل شيئ، كيف يمكن لصانع القرار السياسي الاقتصادي اليمني تحديد وترتيب الاولويات؟ وما هي الآلية والمعايير التي يعتمد عليها في تحديد وترتيب الاولويات؟ وكيف يمكن لليمن ان تستوعب 10 مليار دولار في ظرف سنتين للبرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية 2012-2014م، في حين لم تستطع استيعاب 5.5 مليار دولار خلال 2006-2011م.