قطعت اليمن شوطا كبيراً فيما يتعلق بالكثير من الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمرأة، ويمكن القول إن اليمن قد سبقت الكثير من البلدان العربية في مجال الاعتراف والإقرار بحقوق كثيرة ومختلفة للمرأة، مثل المشاركة في الانتخابات العامة سواء كمرشحة أو كناخبة، وشغلت مراكز قيادية رفيعة مختلفة: وزيرة، نائبة وزير، وكيلة وزارة، سفيرة، نائبة في البرلمان، مراكز قيادية في الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الجماهيرية والاتحادات المهنية والإبداعية والنقابات العمالية وخلاف ذلك. وقبل الوحدة اليمنية (مايو 1990) كانت المرأة فيما كان يعرف سابقا بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قد حصلت على حقوق أكثر من هذه بكثير، حيث صدر فى منتصف السبعينيات من القرن الماضي قانون سمي بقانون الأسرة والذي اشتمل على كل ما للمرأة من حقوق وما عليها من واجبات، وخصوصا في ما يتصل بتنظيم العلاقات الأسرية. ومن ضمن ما احتوى عليه هذا القانون: منع تعدد الزوجات، بل حتى منع الزواج بثانية إلا بأسباب، ومنع الطلاق إلا بأسباب أيضاً. كما أعطى هذا القانون للمرأة الحق في طلب الطلاق (مع إبداء الأسباب طبعاً)؛ وهذا الحق لم يسبق لأي دولة عربية أن أعطته للمرأة إلا المملكة المغربية بموجب القانون الذي أصدره الملك محمد السادس مؤخراً. كما أن المرأة في مصر لم تحصل على هذا الحق أو ما يشبهه إلا منذ فترة وجيزة والمتمثل بقانون الخلع، على الرغم من إجحافه الشديد والظالم للمرأة. كما كانت المرأة في جنوباليمن قبل الوحدة تمارس مختلف الوظائف والمهن ومن بينها القضاء والمحاماة، فاشتغلت قاضية ومحامية ووكيلة نيابة ورئيسة محكمة وخلاف ذلك، وما زالت كذلك حتى الآن، لولا أن نشاطاتها وحدود حريتها وحركتها قد تضاءلت إلى حد بعيد في السنوات الأخيرة. مع ذلك, ما تزال المرأة اليمنية تعاني من أمراض التنمية (الجهل والفقر والمرض) مثلها مثل الرجل، وتزيد عليه بأن الثقافة التقليدية التي ما تزال تغذي النظرة الدونية إلى المرأة قد ساهمت في رفع مؤشرات هذه الأمراض لدى المرأة اليمنية أكثر من الرجل؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة السكان الإناث تمثل (%50.8) من إجمالي السكان. والعدالة تقتضي أن تتساوى المرأة مع أخيها الرجل في توفير الخدمات وإتاحة الفرص للمشاركة في التنمية، لكن الواقع في اليمن يعكس أن فجوة النوع ما تزال كبيرة في مؤشرات التنمية ضد المرأة؛ حيث ما تزال نسبة الأمية في صفوف النساء تمثل %69.1 من إجمالي الأميين، في مقابل %27.3 من الذكور، والمشكلة في الريف أكبر إذ أن نسبة الأمية في صفوف نساء الريف تقدر ب%80.56 من مجموع نساء الريف، بينما هي في الحضر %40.25 من إجمالي نساء المدينة. إذ أن مؤشرات التحاق المرأة بالتعليم المدرسي في جميع المراحل منخفضة؛ فالإحصاءات الرسمية تشير إلى أن نسبة التحاق الإناث بالتعليم هي: (%42.5 في التعليم الأساسي، و%35.6 في الثانوي، و%11.5 في التعليم الفني (المهني والتقني)، و%30.8 في التعليم الجامعي من إجمالي الملتحقين بكل مرحلة من هذه المراحل.. كما أن المرأة اليمنية مغيبة عن المشاركة في التنمية الاقتصادية؛ فعلى الرغم من أن نسبة الإناث تمثل %49.3 من إجمالي القوة البشرية القادرة على العمل إلا أن نسبة الإناث العاملات إلى إجمالي قوة العمل تمثل (%12.1)، ومعدل مشاركة المرأة اليمنية في النشاطات الاقتصادية ما تزال في أدنى المستويات %9.9 ونسبة العاملات المشتغلات بأجر من إجمالي المشتغلين %8.1، كما أن نسبة البطالة بين الإناث القادرات على العمل تمثل %40.2 في مقابل %11.3 عند الذكور القادرين على العمل. وحتى الوظائف التي تدعو الثقافة التقليدية إلى حصر المرأة فيها ك(الصحة والتعليم) لم تتحقق فيها عدالة النوع الاجتماعي، إذ لأن نسبة تمكين المرأة في هذين المجالين منخفضة جدا مقارنة بالرجل؛ فنسبة الإناث العاملات في المجال الصحي من الإجمالي العام للعاملين في هذا القطاع = %29.51، كما تمثل المرأة في المجال التعليمي ما نسبته: %19.62 من إجمالي العاملين في هذا القطاع. ولأن المرأة اليمنية تدرك أن الثقافة التقليدية هي التي تتحكم في الواقع السياسي اليمني؛ فقد استثمرت ما هو متاح لها للمشاركة في الانتخابات لأنها كانت تدرك تماما أنها بمشاركتها في الاقتراع قادرة على اختيار من سيتولى صناعة القرار لها ولأسرتها وللوطن كاملا على الرغم من أنها ليست راضية عن بقائها بعيدة عن تولي مواقع صناعة القرار السياسي بصورة مباشرة.. وبناء عليه فقد شاركت المرأة اليمنية في الانتخابات النيابية عام 2003، وبنسبة تقدر (%42.18) من مجموع الناخبين، وغامرت بعض النساء الجريئات وقتها لترشيح أنفسهن لكسر نمط الثقافة التقليدية، فترشحت 11 امرأة مقابل 518 رجلا، لكن للأسف لم تصل إلى مجلس النواب سوى امرأة واحدة مقابل 300 رجل.. وتكرر الوضع في انتخابات المجالس المحلية للعام 2006، ومع ذلك لم يصل إلى مجالس المحافظات سوى سبع نساء مقابل (400) رجل، وحتى على مستوى مجالس المديريات لم يصل إليها سوى (29) امرأة مقابل (677) رجلاً. وعلى الرغم من واقع المرأة اليمنية المؤلم في مؤشرات التنمية البشرية، ورغم قتامة الأرقام السابقة في مجال تمكين المرأة اليمنية من مواقع صناعة القرار السياسي، فإن الواقع المعاش –وبخاصة مع ثورات الربيع العربي- قد أرغم المرأة اليمنية على مواجهة التحديات، واستثمار كل الفرص المتاحة لها من أجل تغيير واقع الحياة السياسية في اليمن، فقد دأبت على لعب دور المؤثر على أدوار الرجل السياسية من خلال وقوفها إلى جانبه زوجة وأماً وأختاً في البيت، وكذلك من خلال مشاركتها النضالية من أجل التغيير حيث كانت المرأة اليمنية في مقدمة الصفوف في مواجهة رصاص القناصة المعروفين والمجهولين، واستشهد عدد من النساء في الساحات اليمنية وفي المظاهرات والاعتصامات والفعاليات السياسية بكافة أشكالها... بل ولأول مرة في التأريخ تتصدر المرأة اليمنية المظاهرات قبل الرجال في إقدام منها للتضحية من أجل التغيير أو لإثارة حمية الرجال اليمنيين المسلحين -كيفما كانت هويتهم السياسية– بتواجدهن أمام الشباب لمنع المسلحين من قتلهم وبخاصة أن الرجل اليمني بطبيعته يخاف من عار قتل النساء مهما كانت الظروف.. وما تزال المرأة اليمنية حاضرة في المشهد الثوري إلى اليوم بنقابها وحجابها، تحمل على كاهلها كل تبعات الموروث الثقافي من فقر وجهل وحرمان، لكنها لم تستسلم لأي إعاقة، بل صنعت من آلامها آمالاً، وانطلقت لصناعة مستقبل مشرق لها ولأسرتها ولليمن بكل فئاته، وأثبتت قدرتها على مواجهة التحديات والمشاركة في التغيير ميدانياً وفكرياً. ولم يقتصر ظهور المرأة اليمنية إلى جانب ثورة التغيير فحسب؛ حيث خرجت للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المبكرة يوم 21 فبراير 2012، وقد كان لمشاركتها في هذه الانتخابات طعم مختلف عن كل المشاركات السياسية السابقة؛ حيث خرجت المرأة للمشاركة بزخم فاق زخم الرجال رغم الأخطار الأمنية التي تحيط بها في كل مناطق اليمن، وفاجأت الجميع باندفاعها إلى لجان الاقتراع بكل جسارة، دهشت من الإقبال الكبير للنساء من مختلف الأعمار وبخاصة المسنات اللائي لم يشاركن في الانتخابات السابقة، مما دفعني إلى زيارة عدد من اللجان الانتخابية وسؤال عدد من النساء عن السبب الذي جعلهن يتجشمن عناء الخروج من منازلهن والصبر على متاعب الوصول إلى صندوق الاقتراع في هذا الوضع، وبناء على تحليل إجاباتهن يمكن الجزم بأن (%55) من النساء اليمنيات حضرن إلى اللجان الانتخابية من أجل المشاركة في إعادة الأمن والاستقرار للبلد، و(%35) منهن من أجل تهيئة الأجواء لتحسين الوضع المعيشي للأسر اليمنية، و%10 شاركن من أجل التمهيد لتغيير النظام بطريقة دستورية والتهيئة لبناء الدولة المدنية الحديثة».. (د. سعاد السبع) في المجال الصحي تُعاني المرأةُ اليَّمنيَّةُ -أُسوةً بمثيلاتِها في جميعِ الدُّولِ النَّاميةِ، وخاصَّةً في أفريقيا وآسيا- منْ مصاعبَ كثيرةٍ أثناءَ الحَمْلِ والولادةِ تُعرِّضُ حياتَها للخطرِ المُحدِّقِ بإنجابِ مَوْلُودٍ جديدٍ إلى الحياةِ، وهوَ الخطرَ الذي قدْ يتداعى إلى المَوْتِ المُحقَّقِ لَها ولولِيدِها أثناءَ الحَمْلِ أوِ الولادةِ أوْ فترةِ النَّفاس. في المجال السياسي والتشريعي ترتبطُ مشاركةُ المرأةِ السِّياسيَّةِ مُباشرةً بوضعِها في المجتمعِ ودرجةِ تطوُّرِه، وتعدُّ مُؤشِّراً هامَّاً منْ مؤشِّراتِ النُّمو الاجتماعي والوضعِ الدِّيمقراطي ومدى تطوُّر الوعي السِّياسي للنِّظام. وتعاني المرأةُ اليمنيَّةُ منَ التَّمييزِ في شتَّى النَّواحي الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ والإداريَّةِ والسِّياسيَّةِ، كما أنَّ واقعَها لا يعبِّرُ تعبيراً حقيقيَّاً عنْ حجمِها وإمكانياتها في المجتمع، وهو الأمرُ الذي يتطلَّبُ تطويرَ أوضاعِها عُموماً وتعزيزَ مُشاركتِها السِّياسيَّةِ وإزالةَ أسبابِ الضَّعفِ العام لمشاركتِها الفاعلةِ وتحقيقِ مصالحِها وإزالةِ كافَّةِ الاتِّجاهاتِ والسُّلوكيَّاتِ النَّمطيَّةِ في المجتمعِ وفي المؤسَّساتِ وفي الأحزاب. النساء فرص ومعوقات المرحلة الانتقالية من منظور النوع الاجتماعي لقد وجدتِ المرأةُ اليمنيةُ نفسَها في معركةِ نضالٍ من أجلِ الوطنِ للحصُولِ على الدِّيمقراطيَّة والحُريَّةِ والمساواةِ وحُقوقِ الإنسان التي تحوَّلتْ إلى شعاراتٍ -في ظلِّ الاستبدادِ والفسادِ وإقصاءِ الآخَر، وتخلي الدَّولةِ عنْ مسؤوليتِها الاجتماعيَّةِ في دعمِ الفُقراء- ونضالٍ من أجلِ حُقوقِها الاقتصاديَّةِ والثَّقافيَّةِ وحقِّها في المشاركةِ بالحياةِ العامَّةِ والمشاركةِ في الحياةِ السِّياسيَّة ووجودِها في مواقعِ صُنعِ القرار، في وقتٍ قد ضعُفتْ فيها مُؤسَّسةُ الدَّولةِ وقويتِ القُوى القبليَّةُ، ومع ضعفِ دُولةِ القانُونِ قدْ زادَ ضعفُ الدَّولةِ من خلالِ إضعافِ مُؤسسةِ الجيشِ وعدمِ استقلالِ الجهازِ القضائي وظهورِ النَّزعةِ القبليَّةِ لتغلُّبِ النَّزعةِ الوطنيَّة, وتغذيةِ الخلافاتِ المذهبيَّة والطائفيَّةِ وتقويةِ التيَّاراتِ المتطرِّفةِ. وقد كانتِ المرأةُ هي الأكثرَ تأثُّراً بهذه الظُّروفِ. أولويات النساء في الفترة الانتقالية في مجال التمكين الاقتصادي يشيرُ تقريرُ التنميَّةِ البشريةِ العلمي -الصَّادرِ عامَ 2011 عنِ البرنامجِ الإنمائي للأُممِ المتَّحدةِ- إلى أنَّ الأداءَ الاقتصاديَّ للمرأةِ في اليمنِ هوَ الأضعفُ على صعيدِ العالم، وربَّما يكونُ ذلكَ من أهمِّ أسبابِ تردِّي أوضاعِ المرأةِ في مُختلفِ المجالاتِ الأُخرى، الأمرُ الذي أسهمَ في تعثُّرِ خُططِ ومشاريعِ التَّنميَّةِ في اليمن، وهذا يؤكِّدُ بأنَّ المدخلَ الأمثلَ لتحسينِ أوضاعِ المرأةِ وتمكينِها في مُختلفِ المجالاتِ يبدأُ بتحسينِ مُساهمتِها في النَّشاطِ الاقتصادي. أرقام: بينت نتائج الاستبيانات الخاصة بمشروع وضع المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأن نصف النساء في المغرب واليمن لم يتلقين تعليماً نظامياً. 56% اليمن 48% المغرب 3% لبنان عمل المرأة من أجل الدخل مشاركة النساء في سوق العمل في الدول الثلاث منخفضة للغاية. فقد بينت نتائج الاستبيان الخاصة بمشروع وضع المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأن نسبة لا تزيد عن %40 من النساء المبحوثات أجبن بأنهن يتلقين مقابلاً إزاء عملهن. %40 لبنان %10 المغرب %7 اليمن حقوق المرأة في الدساتير والتشريعات اليمنية إن نظرة المجتمع إلى المرأة تعكسه التشريعات بما تتضمنه من حقوق للمرأة وما تحدده من دور لها داخل الأسرة والمجتمع وكذا مستوى ودرجة تمكينه من أداء دورها وتمتعها بالحقوق الدستورية والقانونية يؤشر سلباً أو إيجابياً على مستوى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فإنه ومن أجل التعرف على واقع نظرة المجتمع والمشرع اليمني وعلى حقيقة الدور والمكانة التي تحتلها المرأة اليمنية في الدستور والتشريعات لا بد لنا من استعراض تاريخي للدساتير المتتالية التي صدرت في اليمن وما تضمنته من حقوق للمرأة ومدى انعكاسها في التشريعات النافذة. إن عملية التطور الحقوقي للمرأة يمكن تتبعها خلال أربعة عقود أي منذ قيام الثورة عام 1962م مروراً ببناء الدولة الوطنية التي اتحدت في عام 1990 وفي ذلك اتجاهان مختلفان، وتنوع نظام الحكم وفلسفته السياسية في كلا الشطرين «الشمالي والجنوبي» اللذين عرفا في السياق الدولي والعربي كدولتين لكل منها شخصيتها القانونية المعترف بها، وفي إطار كل دولة أخذت حقوق المرأة مسلكاً ارتبط بطبيعة النظام السياسي ومحدداته الإيديولوجية والسياسية، الأمر الذي عكس نفسه في تعامله مع المرأة وعلى الرغم من أن كلا النظامين قد شكل اهتمامهما بالمرأة وضعاً متقدماً إلا أن ذلك لم يكن يسير بوتيرة واحدة إذ اختلفت مداه ودلالته في كلا الشطرين، حيث حظيت المرأة في الجنوب بكثير من القوانين المساندة لتحررها ونشاطها في المجال العام أكثر مما حظيت به المرأة في الشمال.