في الشتاء الماضي, حاول الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري تحريك المياه السياسية الآسنة على صعيدهما بعد عامين من الركود بفعل الحرب التي أشعلها تحالف يضم الجماعة الحوثية المسلحة والرئيس المعزول علي عبدالله صالح قبل أن تستدعي تدخلاً خليجياً بقيادة العربية السعودية. وكان الاشتراكي والناصري أعلنا من العاصمة المصرية مطلع يناير الماضي, العمل معاً في ضوء 13 نقطة اشتمل عليها بيان مشترك لهما صدر في العاصمة المصرية يوم 4 يناير 2017. تركزت النقاط الثلاث عشرة حول نشدان السلام الكامل الذي يتحقق إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وإعادة الإعمار, وتطبيق العدالة الانتقالية, والتشديد على الشراكة السياسية بعيداً عن إقصاء القوى السياسية وتهميشها, وضرورة تصحيح قرارات الحكومة المنافية للمرجعيات الوطنية ومعايير الكفاءة والنزاهة, إضافة إلى تجفيف منابع الإرهاب والإسراع في رفع معاناة الشعب. يشكل البيان خطوة أولى وينبغي أن يؤول إلى حالة عملية, تقود إلى الغاية النهائية الغاية الشاملة من الائتلاف في أرض الواقع. ولئن مثل هذا العمل النظري المشترك بداية استجابة لضرورة قصوى في الظرف الراهن الذي تسوده الحرب وتتشظى فيه المتحدات السابقة فهو ضرورة ملحة لواقع ما بعد الحرب أيضا. فأي واقع ستسفر عنه الحرب الدائرة هو إما معاد للتوافق السياسي وآليات العمل الديمقراطي وهيمنة المنتصرين الذين لا بد أن النصر سيغريهم بتجاوزات كثيرة أو أنه -على الأقل- واقع غير ودود تجاه الأحزاب التي لم ترق نظرتها إلى المرحلة المحتربة الراهنة لسلطة الرئيس عبدربه منصور هادي ولسلطة صنعاء الانقلابية. كثير من الأحزاب والجماعات المسلحة المشتركة في مقاومة سلطة الحوثيين وصالح الانقلابية الفاشية هي إما دينية تخوض القتال بدوافع طائفية أو توالي مراكز نفوذ, تبغي استرداد مكانتها في الخارطة السياسية والاجتماعية, وكل هذا الخليط لا تشغله قضية تقدم المجتمع ولا تهمه القضية الاجتماعية مطلقاً, لذلك يحصر همه كله في فوهة البندقية طالما ظلت تنفث النار وتجلب المكاسب. أما الغالبية الشعبية التي لها ضرورة ومصلحة ملحتان في هزيمة حلف صالح والحوثي وإرساء دولة مواطنين فهي ترسل أبناءها ليقاتلوا متوزعين بين ذلك المزيج من الجماعات بفعل افتقادهم لتنظيم سياسي شعبي يمثل مصالحهم ويخوض الصراع بمشروع سياسي واجتماعي, يتمثل مصالحهم وحاجاتهم. لذلك سيتعين على الاشتراكي والناصري تحركاً أكثر جدية وأوسع رؤية لمقتضيات التأثير المأمول في ظل همود العمل السياسي وتفوق صوت المدافع على ما سواه من الأصوات. كان عام 2016 قد شهد محاولات من جماعات مسلحة تقاتل في إطار توليفة المقاومة الشعبية لمد علاقات تحالف مع أحزاب سياسية في إطار سعيها لصبغ كيانها وسلاحها بصبغة القبول الداخلي والخارجي. ويسهل تمييز أن تلك المحاولات كانت مؤشراً على التنافس المحموم بين الجماعات المسلحة المنضوية في المقاومة للعثور على واجهات سياسية للتحرك خلفها أكثر مما كانت سعياً لتسييس السلاح ولجم انفلاته أو التشارك في مشروع وطني ينتشل البلاد من قعر الهاوية الذي ارتطمت به. فالجماعات المسلحة قد أدركت مدى أهمية أن تقدم نفسها إلى الداخل والخارج بصورة محسنة, وهي تعمل على تحقيق هذا الهدف بوسائل مختلفة. من الضروري أن يستند السلاح إلى عقل سياسي يوجهه، وتبحث السياسة عن قوة تدافع بها عن مشروعها في مرحلة لم تتح خيارات أخرى سوى القوة, وفي الوقت نفسه ترسم لها مساراً سليماً وعقلانيا. وتشير وقائع مترابطة منذ عامين إلى أن القوى الإقليمية والدولية التي تحارب بأدوات وأساليب مختلفة في الشأن اليمني من أجل إبقاء اليمن ساحة مسالمة لأمنها ومصالحها تتلفت منذ مدة طويلة لعلها تجد البديل الملائم لتأمين ذلك غير أنها تعيد بصرها في كل مرة لتتعامل مكرهة مع خليط من القوى ذات الصبغة الدينية الطائفية أو القوى السياسية التي تتعامل معها بحذر وريبة. ذلك أن القوى السياسية المقبولة عجزت عن تقديم نفسها في صورة بديل يملك رؤية نظرية وقدرة عملية, وحتى إن أفلحت في صياغة رؤية نظرية –وهو ما لم تفعله إلى الآن- فينقصها عدم الجاهزية عند أول خطوة عملية. والحرب في إحدى سماتها الجوهرية عملية سياسية دامية واضطرارية, تلجأ الأحلاف العالمية والدول والحركات السياسية إلى خوضها للدفاع عن مشاريعها ومصالحها مثلما تفعل ذلك بواسطة السياسة العادية في أوقات السلم. ولذا فالحرب التي لا تدافع عن مصالح الغالبية الشعبية أو تنتصر لمشروع سياسي اجتماعي, يجد فيه الناس ذواتهم وأصواتهم لا تزيد عن أنها غلبة عسكرية مجردة لتمكين رغبات سلطوية معزولة عن المحيط العام. لذا, ليس كافياً لهذا الإطار الذي يضم الاشتراكي والناصري تقديم نفسه, سواء إلى الداخل أو الإقليم والقوى الدولية, على أنه قوة سياسية مدنية تبغض الإرهاب والطائفية وتتطلع إلى دولة مدنية ديمقراطية فحسب, بل عليه أن يثبت عملياً كيف يمكن البدء بتحقيقها ويضع خطوة أولى في الطريق الطويل نحو هذا الهدف. ولكي يتحول البيان الذي صدر في القاهرة إلى برنامج عملي داخل الساحة الوطنية المستهدفة, ينبغي لهذا الإطار السياسي أن يُنضج علاقاته أولاً حتى يغدو حلفاً سياسياً حقيقياً وأن يعمل على اجتذاب مزيد من الأحزاب والقوى الشعبية لتشكيل قوة سياسية واجتماعية كبيرة من شأنها إحداث تأثير في المشهد الوطني الذي غطته الحرب بقوى دينية ومراكز نفوذ تتطلع لاسترداد ثقلها وسلطات تقاتل خلف مكاسب سلطوية وتبدي عجزاً ولامبالاة سافرين حيال الهم العام. كذلك, يتعين على الاشتراكي والناصري إثبات أنهما يشكلان مجتمعين ثقلاً سياسياً وشعبياً, ولن يتحقق هذا إلا بالاستجابة العالية لمتطلبات العمل السياسي والتنظيمي وفق الشروط التي فرضتها المرحلة, وهي شروط تختلف عن أنماط العمل التقليدية القديمة. وسيصير هذا الإطار ذا معنى في حال نجح في تقديم نفسه للداخل والخارج على أنه بديل سياسي أفضل وممكن بين قوى سياسية فاسدة لم تستطع القطيعة مع السياسات القديمة واستغلال السلطة وروحية الاستفراد والإقصاء وقوى طائفية متطرفة ألجأها الخطر فقط لتقاتل في موقع, يضم إلى جانبها قوى سياسية أخرى بجملة أكثر دقة, ينبغي للاشتراكي والناصري البحث عن أفضل وصفة عملية للتأثير في هذا المشهد, لا التعليق عليه بصيغة المراسلة من بعد. قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet