إن المتمعن في الأحداث يخرج بقناعة مفادها أن العدوان الاسرائىلي على لبنان وقبله على غزة قد شكّل ملامح وألوان وزوايا الصورة الحقيقية للضمير العربي والإسلامي، وأعطى تشخيصاً فاضحاً عن حالته وصلاحية دوره، وأرست تلك الأحداث اعتقاداً عن كون الضمير العربي الإسلامي ما عاد يحسُّ ولا يتأثر ولا يتألم أو يحاول ولو التعبير عن سخطه ونقمته على نفسه. ثمة أمة كانت تغضب على نفسها وعلى الإنسانية إن تعرضت لأذى، لكنها تخدرت مع مرور الأيام، وما بقي فيها موضع يحس أو يتأثر. إسلام مزّقته الأهواء، وتجاذبته المصالح، وتآمرت عليه المذاهب هنا وهناك، شعوب مسلوبة الإرادة، ممزقة العقل والتفكير، لم تعد قادرة على تحريك اصبع من أصابعها لتقول لمن يعبث قسراً وقهراً بكرامتها وحقوقها ومصيرها «لا» قيم عظيمة تبخرت من حياتها وأخلاقها، كانت العزة والكرامة أناشيدها الدائمة وأحاديث شبابها لا تتنازل عنها مهما بلغت الظروف والمصائب أوجّها، وبمرور الزمن صارت تفكر بالسلامة وما عادت تثور إن أهين شرفها وعرضها. علّمنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أن «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» لكنّا معشر المسلمين تخاذلنا وظلمنا وساعدنا العدو على إخواننا المسلمين، تجاهلنا أمر رسول الله، وادعينا كذباً وزوراً أننا أتباعه ومن يذود عن كرامة أمته، في الوقت الذي يخذل بعضنا بعضاً، ويبيع بعضنا رقاب البعض الآخر، وما عدنا قادرين على تحمل تبعات العزة والكرامة والشرف والأخوّة الإسلامية. تتساقط رؤوس اخواننا في لبنان وفلسطين ونحن نتساءل جهلاً ونزقاً فيما بيننا: ترى هل المتساقطون تحت جحيم الظلم والاستهتار هم من السُنّة أم من الشيعة؟!. سؤال حفره في عقولنا جهلنا بالإسلام وسيرنا الخطأ خلف أنصاف العلماء وبائعي الدين في دهاليز السلاطين والملوك، سؤال وخزه التخلف المزمن في ضمائرنا، وأعقبته على مر السنين تراكمات وأحقاد وضغائن كقطع الليل المظلم، أقعدت عقولنا حتى عن الحركة والتضجر كغيرنا من الأمم الحيّة، واستمر معنا يلازمنا في كل نكسة وهزيمة وانبطاح. السؤال البشع: ترى هل المسحوقون أولئك سُنّة سلفيو العقيدة أم شيعة؟!. صرنا أمة الانبطاح بالتقادم، وانتهج كل منا في الإسلام طريقاً وفرقة ومذهباً، اتخذنا من الإسلام ستراً وحجاباً لمخازينا ومهازلنا في كل مكان. وللأسف مازال السؤال البشع يطاردنا: أسُنّي هذا المصلى أم شيعي؟!. مما لا شك فيه أن الإيمان والحقد لا يلتقيان، ولا يلتقي الإيمان بأي حال من الأحوال مع الخسة وموت الضمير، لأن الإيمان حياة الضمير وقوته ووقوده ودليله إلى العزة والكرامة والشرف، ومهما تغيرت الأحوال وتبدلت المواقع والظروف يظل الإيمان وقوداً للضمير المسلم وجذوته المشتعلة، لكن الآية المباركة صريحة واضحة حين قال اللّه تعالى: «قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا» صدق الله العظيم. - جامعة عدن