ظلت الوحدة اليمنية هاجساً وحلماً يراود كل مواطن يمني عانى طويلاً من ويلات التمزق والشتات لنصفه الآخر ورحمهِ المبتور والمقطع الأوصال بين الشطرين؛فكان لابد من لملمة تلك الأوصال الممزقة وإعادة اللحمة إليها.. بعد قيام الثورة في الشطر الشمالي عام 62م ونيل استقلال الجنوب عام 67م لم تبدأ المباحثات حول الوحدة بصورة جدية.. بل كانت مجرد محاولات على استحياء بدأت في السبعينيات ،ولكنها كانت تنتهي قبل أن تبدأ بسبب اختلاف الفكر والنهج السياسي للمدرستين في كلا الشطرين الشيوعية والرأسمالية بفعل العوامل والمؤثرات السياسية الخارجية للقطبين الأوحدين في ذلك الوقت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي والقائمة على الاستقطابات ومحاولة التأثير على الدول الصغيرة للدخول في فلكهما،وكل قطب كان ينظر لنفسه بأنه هو القادر على تخليص العالم من الظلم والقهر والهيمنة ،بينما الواقع كان يقول بأن الدول الصغيرة تحولت إلى حقل تجارب للدولتين العظميين وساحة خصبة لتصفية حسابات الدول الكبرى ،بل والدخول بالنيابة عنها في حروب مع دول مجاورة لها مقابل وعود بمساعدتها على التخلص من مشاكلها الاقتصادية ،بينما تلك المساعدات كانت مجرد صفقات من الأسلحة تقدم للدول الصغيرة كي تواصل صراعاتها بالنيابة عن الدولتين العظميين..ومع مرور الوقت تتحول المساعدات العسكرية إلى ديون متراكمة على هذه الدول حتى تظل أكثر ولاءً وتبعية ليسهل بعد ذلك التدخل المباشر في شؤونها الداخلية والخضوع للإملاءات التي تأتي من هذا القطب أو ذاك. التشطير..والحروب العبثية كانت اليمن بفعل عوامل التشطير من أكثر دول العالم الثالث تضرراً من سياسة القطبين،نظراً للبون الشاسع والاختلاف الكبير في النهج والتفكير والنظام السياسي المتبع ،حيث قامت ثلاثة حروب بين الشطرين من أجل احتواء أحدهما للآخر وفرض نظامه الذي يعتنقه ويؤمن به..كانت الحروب الثلاث حروباً عبثية بكل معنى الكلمة، تعيد إلى الذاكرة تلك الحروب التي قامت على الثارات القبلية بين الأشقاء في العصرالجاهلي بين قبيلتي الأوس والخزرج ،والتي كانت تغذيها أيادٍ خفية ، حيث كان الكرم وكانت الشهامة العربية تصل إلى حد الإسراف في القتل حتى لو كان القاتل شقيقاً للمقتول، المهم هو نيل شرف الرضا والقبول عند هذا القطب أو ذاك..ظل التناحر والاحتراب بين الشطرين لفترات متقطعة ما يقارب العقدين من الزمن..كان صراعاً على من يستأثر بالدودة والتي لم تكن أصلاً في متناول أحدهما..بل أشبه بصراع رجلين أصلعين على مشط يود كل منهما الاحتفاظ به حتى ينبت له شعر في رأسه،فيطول الانتظار ،فلا استأثر أحدهما بالمشط.ولانبت في رأسهما الشعر ،وعندما أنهكهما التعب بدآ التفكير جدياً في الجلوس على طاولة الحوار من أجل سماع كل منهما لوجهة نظر الآخر بعد غياب طال انتظاره ،وبعد أن اكتشفا بأنهما كانا ضحية لمصالح قطبين يقتسمان العالم بينهما أعداء في الظاهر فقط لم ولن يدخلا أصلاً يوماً في حرب ساخنة ومباشرة فيما بينهما ،لأن كل طرف كان يعلم جيداً قوة خصمه..كانت حرب القطبين والتي أسميت بالحرب الباردة هي أشبه بسباق التزلج على الجليد،فكل منهما كان يحمل في جسده درعاً واقياً من رأسه حتى أخمص قدميه كي لايصاب بنزلة برد،بينما كانت حرب الإخوة الاشقاء ساخنة إلى درجة الغليان والدماء إلى الركب كما يقال ..تحققت الوحدة..نعم تحققت بعد أن كانت حلماً بعيد المنال ،بعد أن قدم الشعب اليمني في سبيلها آلاف الشهداء ،ورفض وبكل شجاعة تلك الحدود المصطنعة وقال لا..لتمزيق أوصال الجسد الواحد...حيث كان تجاوز برميل صدئ أسطواني الشكل في كل من كرش والشريجة أصعب بكثير من تجاوز جدار برلين العتيد الذي كان يفصل بين الألمانيتين ..جاءت الوحدة لتعيد للمواطن اليمني شيئاً من كرامته المهدرة،وللوطن الممزق مكانته ودوره الذي كان ينبغي أن يلعبه منذ زمن على الساحة الاقليمية والدولية بعد أن كانت قد تنازعته أيادٍ وأطراف عدة .. فيا ترى بعد مرور 16عاماً على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ماالذي أضافته للمواطن اليمني وماذا أضاف لها؟ وهل لبت كل طموحاته وآماله،وماالذي مازال عالقاً في ذاكرة الإنسان اليمني عن الوحدة وذكريات التشطير المؤلمة؟!..أسئلة نتركها للمواطن اليمني فهو الكفيل بالإجابة عليها.