منذ خطاب الرئيس جورج بوش الشهير الذي تناول فيه «محور الشر»، وضمنه كلاً من إيرانوالعراق وكوريا الشمالية، تستعد طهران للمواجهة، وقد عمدت لتأسيس جبهتين عسكريتين، الأولى داخل إيران. والثانية خارجها، وخصوصاً في الدول التي يسهل فيها تأسيس ميليشيات مسلحة، كما هو الحال مع حزب الله الذي استفاد من هذا الدعم الإيراني وبنى قواته الدفاعية، واستطاع طرد إسرائيل من جنوبلبنان عام 2000م، وطور قواته العسكرية، وهذا ما جعله يكبّد الصهاينة في الحرب الدائرة حالياً ضحايا لم يكونوا يتوقعونها. ما تريده أميركا وأتباعها من هذه الحرب الظالمة هو إنهاء خطر قيام المحور الإيراني السوري الذي يمتد إلى بيروتغزة، وعلى رأي غيلرمان مندوب إسرائيل في مجلس الأمن الذي قال إن إيران وسوريا وحزب الله وحماس تمثل رباعي الإرهاب، وعلى كل حال فالجميع يعلم أن هذه الحرب لم تكن من أجل تحرير الجنديين الإسرائيليين، وإنما لها أهداف عدة أهمها رغبة أميركا إعادة ترتيب الوضع في المنطقة بحسب خطط وبرامج معدة مسبقاً، وكانت البداية بحزب الله الذي يشكل تهديداً في وجه تلك المخططات. ولكون أميركا منهكة من وضع العراق وأفغانستان فقد أوكلت هذه المهمة القذرة لإسرائيل المدللة، كون هذه الأخيرة تريد الرد على هزيمتها أمام حزب الله سنة 2000م، وكانت ذريعة الجنديين بداية انطلاق الحرب «المجنونة» التي أطلق عليها بعض الكتاب في إسرائيل اسم «الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأولى»، وما زلنا نذكر الأسبوع الأول من الحرب عندما قصف حزب الله البارجة الإسرائيلية وسارعت إسرائيل بالقول إن 100 جندي إيراني قد ساعدوا الحزب في ذلك. مقاومة حزب الله صنعت النصر للبنان «أو كادت» بسبب تفوق مقاتلي الحزب على ما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي على طول جبهة الحرب، هو الذي جعل قائد هيئة الأركان الإسرائيلي حالوتس يدخل المستشفى أربع مرات، لارتفاع درجة حرارته، ولآلام في معدته بسبب تهيج القولون العصبي، ودخل في حالة اكتئاب سيطرت عليه وهو الذي وعد في بداية حربه بأنه سينهي معاركه في الجنوباللبناني في غضون أيام. كل ذلك حدا بالمفكر والمؤرخ الإسرائيلي زئيف شترنهال إلى القول إن مقاومة حزب الله دفعت حكومة رئيس الوزراء ايهود أولمرت إلى خفض سقف الأهداف التي وضعوها للحرب، فبعد أن أعلنوا عن هدفين أساسيين وهما: استعادة قوة إسرائيل الردعية في مواجهة العرب، وتصفية حزب الله، نجد أن هذين الهدفين تقلصا كثيراً، ليصبح مجرد إبعاد مواقع حزب الله الأمامية عن الحدود الشمالية لإسرائيل، ونشر قوات دولية. إيران المتهم الرئيسي بدعم حزب الله تمضي اليوم ببرنامجها النووي في تحدٍ لمجلس الأمن، وقد أكد كبير مفاوضيها علي لاريجاني تصميم بلاده على مواصلة برنامجها النووي بالرغم من صدور قرار عن مجلس الأمن يطالبها بوقف نشاطات تخصيب اليورانيوم، وشدد لاريجاني على أن بلاده لا توافق على الدول التي صادقت على النص أن تعرف أن مثل هذا القرار لن يؤثر على تصميمنا، فحرب حزب الله إسرائيل أشغل العالم وهيأ لها المضي قدماً في برنامجها النووي. يقول أحد المحللين واصفاً الحرب بأنها ليست مجرد معركة بين مقاومة لبنانية واحتلال إسرائيلي بل بين «أنصار نظرية التحرر العالمي وبين زعماء نظرية الهيمنة الكونية الأمريكية بشرقها الأوسط الجديد»، وهذا يعيدنا إلى ما قاله نصر الله في وقت سابق من هذا العام أنه يؤيد حلف غزةبيروتدمشقطهران، وهذا هو خط التحرر العالمي الذي لم يضع له الأميركيون وأذنابهم في العالم أي حساب. إن دور إيران في المنطقة لا يمكن لأحد تجاهله، فامتلاكهم لترسانة أسلحة قوية وجيش ضخم، وتلاحم داخلي «بين الشعب والقيادة» إلى جانب وجود أنصار أوفياء لها في دول عربية عدة، وكذلك استقطابها لقوى معارضة للهيمنة الأميركية في المنطقة، كل ذلك جعل منها اللاعب الرئيس في المنطقة، واستعراضها قبل أشهر لقوتها الصاروخية، وامتلاكها لمنظومة صواريخ بحرية فاعلة يجعل الأساطيل الأميركية في الخليج تحت مرماها. وكذلك توجيه حزب الله الحليف القوى لإيران ضربات أفقدت الصهاينة صوابهم، يدعونا للقول إن إيران قد ضربت الوطاف الإسرائيلي حتى يفهم الحمار الأميركي، ولكن هذا الأخير يبدو أن حسه قد تبلد تماماً، بمضيه قدماً في مخططات غير مدروسة ومتهورة في الحرب الدائرة في لبنان، ولم يستمع الأميركان لأية نصائح بهذا الخصوص من أصدقائهم الأوروبيين، الذين يعتبرون أن محور الرهان الرئيس في الدوائر الغربية المعنية بالأزمة اللبنانية، يدور حول كيفية العمل لإغراء إيران وسوريا وحصر دورهما، خصوصاً الدور الإيراني، في المساعدة لمعالجة ملف حزب الله. وفي إطار المساعي الدبلوماسية بهذا الشأن، يعاود المسئولون في الترويكا الأوروبية بالتعاون مع الروس والصينيين، الحوار مع إيران استناداً إلى المفهوم الذي اقترحه الرئيس الفرنسي جاك شيراك للفصل بين موضوع الملف النووي الإيراني، والإقرار لطهران بمكانتها ودورها الإقليمي ويبدو أن طمأنة الإيرانيين الذين يعتبرون أنفسهم حالياً في حرب دفاعية أمام هجوم يستهدف «علاقتهم» بالصراع العربي الإسرائيلي، تصبح هي «اللغة المتداولة» انطلاقاً من وجهة نظر شيراك الذي قال: «نحن نعترف بما هو واقع ونعمل لإيجاد حل لمشكلة البرنامج النووي، لكن لن نربط دور إيران الإقليمي بمشكلة الحرب اللبنانية الإسرائيلية. وقد سجّل المسعى الفرنسي مع طهران الذي شهدت بيروت فصلاً بارزاً منه عبر التقاطع بين زيارتي وزير الخارجية الإيراني منوشهر متّقي ووزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي، لفتة مهمة إزاء طهران تمثلت في الحديث الفرنسي الرسمي عن دور إيجابي لطهران، ما يعني أن التزام الفصل بين مكانة إيران ودورها وأزمة الملف النووي، يقود إلى خيار واحد هو احترام مكانة إيران ودورها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط. إسرائيل بعد مضي شهر تقريباً من الحرب وجدت نفسها في مأزق حقيقي وضعها فيه الأميركيون، ولذلك يضغط الإسرائيليين على أميركا لأن تعمل ما بوسعها لإخراجهم من الحرب بماء الوجه! تداعت كل المساعي الدولية صوب مسودة القرار الفرنسي الأميركي لإنهاء هذه الحرب، ولم يكن اللقاء الذي عقده وزراء الخارجية العرب إلا للمساعدة في وقف الحرب أيضاً، وقبول كل الأطراف اللبنانية بنشر قوات الجيش اللبناني على الحدود سيعمل أيضاً على تهدئة الأوضاع المشتعلة، وسيعطي إسرائيل فرصة للهرب من المحرقة التي أعدها حزب الله لجنودها المذعورين. إن النصر العسكري الذي حققه حزب الله لم يحققه العرب بأنظمتهم المتهالكة على السلطة منذ عام 1948م، ولكن هذا النصر اليوم لا يكفي فالمطلوب هو نصر سياسي بموجبه تستعيد لبنان سيادتها على أراضيها، وتلتزم فيه إسرائيل وأميركا بدفع تعويضات تدمير أجزاء كبيرة من بنية لبنان التحتية، ولكن النصر السياسي يحتاج لمفاوضين أقوياء والعرب مجتمعون لا يمتلكون هؤلاء المفاوضين، ولذلك لا ضير أن تدخل إيران على خط مفاوضات تمكن اللبنانيين من استرداد حقوقهم المنتهكة طيلة السنوات الماضية، واسترداد مزارع شبعا وعدم انتهاك الطيران الإسرائيلي لأجوائها، وبعد ذلك لا يهم أن ينخرط مقاتلو حزب الله في قوات الجيش اللبناني، وهذه هي الخطوة الهامة في تعزيز قدرات الجيش في التصدي لأي هجوم تنوي إسرائيل القيام به مستقبلاً. - وكيل الاوقاف لقطاع التوجيه والارشاد.