8 / 10 / 2006م الواقع أننا كنا - ومازلنا- نتوقع حدوث بعض التغييرات على المستويين المحلي والوزاري، وهو أمر يبدو بديهياً عقب إجراء الانتخابات، وعلى قاعدة مكافأة المحسن ومجازاة غير المحسن أو المتقاعس عن أداء عمله وواجباته الموكلة إليه، وبما يضمن تحسيس الناخبين بجدية القيادة السياسية في الإيفاء بوعودها.. يبدو أن انتهاء الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على لبنان كان المفتاح لبداية حرب لبنانية لبنانية من نوع آخر ليس فيه مواجهات مسلحة بل فيه مواجهات كلامية ساخنة وتصفية حسابات سياسية قديمة تجددت مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.. لكننا لم نتوقع أبداً أن يكون التغيير هذه المرة شعبياً ولو بطريقة غير مباشرة. ذلك هو الجديد الذي حمله خطاب فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية «حفظه الله» في إحدى الليالي الرمضانية المباركة، وأثناء حفل استقبال ضم العديد من كبار الشخصيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اليمنيين. كنت قد وعدت القارئ الكريم بمتابعة البحث والحديث عن جذور الديمقراطية اليمنية من خلال التنقيب في كل التراث الثقافي اليمني الشفوي منه والمكتوب، قصد وضع التجربة السياسية اليمنية في الموضع المناسب بين التجارب الحضارية لباقي شعوب المعمورة في نفس الحقب التاريخية التي عاصرتها..، ولم أكن - كغيري من المتابعين للوضع السياسي اليمني والمهتمين بكل ما يجرى على الساحة السياسية اليمنية - أتوقع مثل تلك المفاجأة التي فجرها فخامة الأخ علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية في خطابه يوم الجمعة الماضي؛ حيث أعلن العزم على الوصول بالتجربة السياسية اليمنية إلى منتهاها، وخاصة على المستوى المحلي وصولاً إلى «انتخاب» المحافظين ومدراء النواحي وأمناء عموم المحافظات من قبل السلطة المحلية نفسها بدلاً عن الأسلوب القديم القائم على «التعيين». وبسبب هذا الحدث المفاجئ الذي يمثل دفعة قوية للتجربة السياسية اليمنية، وتدشيناً لمحطة جديدة من التحول السياسي صوب تعميق النهج الديمقراطي واللامركزية الإدارية، ونظراً لأهميته الاستثنائية، أستميح القارئ الذي وعدته بمتابعة ذلك الجزء من البحث عذراً إن أجلت الحوار مع التجربة الديمقراطية اليمنية والتأصيل لتاريخ هذه الممارسة إلى فرصة أو سانحة قادمة، وأن أخصص تناولة هذا الأسبوع للحديث في تفاعلات الخطاب السياسي لفخامة الأخ الرئيس وقراءة مستقبل التجربة السياسية اليمنية على المستوى المحلي بعد هذا الخطاب، وعلى ضوء النقاط التي جاء بها. في الواقع لقد سبق لي في إحدى التناولات التي صدرت في صحيفة الجمهورية يوم الأحد 18 يونيو الماضي بعنوان«تجربة السلطة المحلية والتعايش السياسي» طرح بعض التساؤلات حول ما كان قد طرحه فخامة الأخ الرئيس / علي عبد الله صالح «حفظه الله»، باني صرح الدولة اليمنية الحديثة والداعم الأكبر لتوسيع نطاق تجربة السلطة المحلية وترسيخ الممارسات الإدارية اللامركزية من مقترحات في إحدى خطاباته بمدينة «تعز»، وكنت أعني المقترح المتعلق بانتخاب المحافظين ومدراء النواحي «من قبل المواطنين» بطريقة مباشرة عوضاً عن طريقة التعيين المعمول بها حالياً، وخاصة في حالة انتخاب مجلس محلي وسلطة محلية متعددة الاتجاهات والتيارات والمشارب السياسية !! حيث أشرت إلى أن ذلك المقترح يطرح العديد من التساؤلات عند مناقشة إمكانية تطبيقه، وأهم التساؤلات ما يلي: هل جميع القوى السياسية المتواجدة على الساحة اليمنية - وفي ضوء الوقائع المشاهدة اليوم، والمتمثلة في غياب القواسم المشتركة بين الأطراف السياسية المختلفة- مستعدة لتطبيق حالة من "التعايش السياسي" بين مختلف ألوان الطيف السياسي داخل السلطة المحلية، بعيداً عن فكرة استباق تحقيق المكاسب السياسية أو الانتخابية الضيقة والآنية؟ أم أنها غير مستعدة لذلك؟ وما النتائج الواقعية التي ستنجم عن التطبيق على مستوى أداء السلطة المحلية في الحالتين؟ وكيف يمكن «قانونياً» الحد من تلك التأثيرات السلبية وتعزيز الجوانب الإيجابية لفكرة «التعايش السياسي» في ظل السلطة المحلية؟ وغيرها من الأسئلة التي كنت أعتقد أنها في حاجة إلى إجاباتٍ واضحة ومحددة حتى تأخذ تلك التجربة مسارها الصحيح، وتصل إلى المدى المحدد لها، والسبب الذي دفعني إلى طرح مثل تلك التساؤلات هو ما لاحظته من ممارسات خاطئة وممارساتٍ لاتمت إلى القانون بصلة ولا إلى الممارسات المؤسسية التي يفترض أن تجربة المحليات تعزز منها. لقد أجاب الخطاب عن العديد من تلك الأسئلة وبحث عن آلية مناسبة تكفل انسجام مختلف مكونات المجالس المحلية وتحد من النتائج غير المرغوبة في حال عدم تجانس مكونات السلطة المحلية، وهو ما من شأنه خلق مناخٍ ملائم للعمل على المستوى المحلي؛ حيث اختار آلية «الانتخاب غير المباشر، أو انتخاب محافظي المحافظات ومدراء النواحي من طرف السلطة المحلية»، عوضاً عن الانتخاب الشعبي المباشر الذي كنا نتوقعه بقراءتنا للخطاب السالف الذكر، ويمكن اعتبار هذه الآلية أنسب لتحقيق ذلك المقترح على الأقل في المرحلة الراهنة وربما تتغير هذه الآلية في المستقبل المنظور ليصبح بإمكان الشعب أن يختار ممثليه على جميع المستويات المحلية والوطنية بعد أن تكون التجربة قد توطدت ورسخت أقدامها وتمكنت من تجاوز الصعوبات التي ترافق التجارب في بداياتها الأولى. وبقدر ما كان الخطاب واضحاً في تحديد العديد من النقاط التي تتعلق بتحديد عمل اللجان المختصة بتنفيذ ذلك الوعد الذي جاء به البرنامج الانتخابي لمرشح الشعب فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح واقتراح التغييرات القانونية والتشريعية الملائمة لتنفيذه، بقدر ما عكس التزام فخامة الأخ الرئيس بوعوده التي أطلقها أثناء الحملة الانتخابية وقبلها، وليثبت للجميع أنه «رجل الأفعال لا الأقوال»؛ حيث لم يمض على إعلان اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء لنتائج الانتخابات سوى أيام قلائل، والوعود الانتخابية مازالت ترن في ذاكرة الشعب اليمني، وقد يقول قائل: وما على الرئيس لو تمهل في إعلان هذه المفاجآت إلى حين تحديد مختلف الجوانب القانونية والفنية المتعلقة بتنفيذ ذلك المقترح، وقبل تفجير تلك المفاجأة التي حبست أنفاس العديد من رجال السلطة المحلية. أعتقد شخصياً أن فخامة الأخ الرئيس - الذي تعودنا منه دوماً إطلاق المبادرة تلو الأخرى، والذي شعر بعظمة الثقة الشعبية التي منحها له شعبنا اليمني العظيم- بدا وكأنه في سباقٍ مع الزمن للوفاء مع شعبه وناخبيه، وأي شيء أكبر من الالتزام بتنفيذ كل ما جاء في ذلك البرنامج من وعود بإصلاحاتٍ سياسية وإدارية وقانونية وكأن لسان حاله يقول: «الوفاء مع أهل الوفاء واجب»، ولذا لم ير موجباً لتأخير الإعلان عن الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور السياسي والديمقراطي، والبدء بتنفيذ ما ورد في البرنامج الانتخابي وأي شيء أكثر أهمية من الإعلان عن انتخاب محافظي المحافظات ومديري المديريات من قبل ممثلي السلطة المحلية المنتخبين. لقد أثار خطاب فخامة الأخ الرئيس العديد من التساؤلات لدى المراقبين والمحللين، كما أثار أسئلة أكثر لدى عامة الشعب اليمني، ومن تلك الأسئلة التي بدأت تتردد في الأوساط الشعبية والسياسية اليمنية هو ما مصير العديد من محافظي المحافظات ومدراء النواحي الذين أدوا الواجب على أكمل وجهٍ ممكن والذين كانت لهم بصماتٍ ملموسة ومشهودة في العديد من محافظات الجمهورية؟ هل سيحق لهم الترشح ضمن المتنافسين على منصب المحافظين شأنهم شأن الفائزين خلال الانتخابات الماضية أم أنهم سيكونون خارج نطاق المنافسة؟ ثم ألم يكن من حقهم أن ينزلوا كمرشحين خلال تلك الانتخابات حتى يكون من حقهم المنافسة على هذه المناصب؟ وكثير من الأسئلة التي لاشك أنها بدأت تطرح نفسها على ضوء قراءة ما جاء في ذلك الخطاب، وفي ظل عدم وضوح الصورة تماماً. ونعتقد أن الأيام القادمة وحدها ستجيب عن الكثير منها، ويبدو أننا سننتظر ومعنا العديد من أبناء الشعب اليمني إلى حين انجلاء الصورة تماماً واتضاح باقي الجوانب المتعلقة بآلية تنفيذ ما ورد في خطاب فخامة الأخ الرئيس..، والمؤكد هذه المرة أن انتظارنا لن يطول - أستاذ العلوم السياسية - جامعة إب