«الصفوية» و«الصفويون» ومنهما يوصف المرء ب«الصفوي» .. مفردات اقتحمت قاموسنا على حين غرة، وتصدرت لغة الخطاب في غضون أقل من عام .. ومع أن الجميع يردد هذه المفردات لكنني أشك أن الكثير منهم يعرف معانيها. أمس فوجئت بدخول مفردة «الصفوية» في قاموس المناكفات الحزبية اليمنية، وقد أوردها قائلها في سياق معنى «الشيعية»، فرأيت قبل أن نتورط جميعاً بنعت بعضنا البعض ب«الصفوية» أن أوضح بعض الحقائق عن خلفيات هذه المفردة. ترتبط مفردة «الصفوية» بعهد «الدولة الصفوية» في إيران وليس في بلاد العرب. وقد حكمت الدولة الصفوية للفترة «1501 1524م» وتنتسب إلى صفي الدين الأردبيلي» الذي كان من مشايخ الصوفية التقليديين، وكان شافعي المذهب. أما مؤسس الدولة الصفوية فهو «إسماعيل ميرزا»، حيث سار إلى «تبريز» وهزم أسرة «أق قويونلو» والقبائل الموجودة فيها وجعلها عاصمته، وأعلن اللغة الفارسية لغة رسمية، والمذهب الشيعي الاثنى عشري مذهباً رسمياً للدولة، واستخدم كل ما أوتي من قوة لفرض مذهبه في جميع أنحاء إيران، ورغم أنه كان صغيراً لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، لكنه كان مهيأ للقيادة والزعامة بفضل الرعاية التي أحاطه بها حاكم «لاهيجان». كانت أجزاء عديدة من إيران سنية المذهب وان كانت العناصر الشيعية متمركزة في بعض المدن مثل : كاشان، وقم، والري لكن عقب تتويج إسماعيل الصفوي ملكاً على إيران أعلن فرض المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة دون مقدمات، وأخذ يلزم الناس باعتناق المذهب الرسمي فتخللت فترة حكمه الكثير من المواجهات المبنية على أساس مذهبي خاصة وأنه بدأ بالعمل على تصدير المذهب إلى كل بقعة يطولها سلطانه. ولكن السؤال هنا: إذا كان الأمر مرتبطاً بتاريخ إيران وبالطريقة التي شاع المذهب الشيعي فيها ، كيف إذن دخلت كلمة «الصفوية» إلى عالمنا العربي !؟ ولماذا طوال أعوام الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن أحد يسمع بهذه الكلمة ولم تظهر إلا في الأشهر القليلة الماضية وبالتحديد في النصف الثاني من العام 2006م؟!. في الحقيقة إن ظهور كلمة «الصفوية» رافقت ظهور الفتنة المذهبية في العراق، وانتشار المفردة على نحو واسع للدرجة التي بات الجميع يوصفون بها كل من يعتنق المذهب الشيعي هو بالأساس صورة من صور احتدام الصراع المذهبي في العراق .. ومع أن الناس في اليمن وغيرها من البلدان العربية والإسلامية ربما أرادوا باستخدام كلمة الصفويين للدلالة على التدخل الإيراني في العراق إلا ان الأصل هو أن من أشاع استخدامها هم الفئات الدينية المتشددة في العراق، لتعني بها ان هناك حرب اجتثاث لأهل السنة مماثلة للحروب التي خاضها السلطان اسماعيل الصفوي في إيران إبان اتخاذه المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة. ومن هنا نرى حجم الخطأ الذي وقع فيه العالم العربي والإسلامي حين بدأ يروج لهذه المصطلحات من غير دراية بأنه يروج لمفردات تعد جزءاً من الحرب المذهبية الدائرة في العراق .. ويروج لاتهامات من شأنها إذكاء الصراع المذهبي كما لو أنه يدخل الحرب بصورة غير مباشرة إلى جانب إحدى الجبهات ضد الأخرى مع ان العراقيين انفسهم لا يؤمنون بهذه التفرقة، ولم يعرفوها من قبل، وقد اعتادوا على التزواج من بعضهم البعض من غير أن يسألوا عن المذهب إلا في نطاق الجماعات المتشددة من كلا المذهبين. الدولة الصفوية في إيران لم يكن هناك ما يعيبها سوى أنها فرضت مذهباً معيناً على شعبها، وقاتلت من خالفه .. إذن فوصف شخص ما بالصفوي، يعني أنه يريد فرض مذهبه بالقوة لأن المفردة ارتبطت تاريخياً بهذا المعنى ! وبالتالي فهي لا تعني حتماً «العمالة لإيران» كما يحاول البعض تسويقها، أو كما يفهمها، لأن المذاهب الدينية لا تنتمي إلى وطن .. فأهل السنة موجودون في كل أرجاء المعمورة وكذلك الشيعة، وكذلك الديانات الأخرى التي يعتنقها بقية سكان العالم. للأسف أن الكثير من الناس لا يفرق بين الديانة والقومية .. فإذا أردنا ان ننسب ولاء شخص ما لإيران مثلاً يمكن ان ننعته ب«فارسي» وإلى إحدى الدول العربية نقول «عربي».. وعليه أوضح للبعض خطأهم في تداول المفردة لأن فيها إساءة لأشقائهم العراقيين وتلغي قيمهم الأخلاقية وتؤجج الفتنة بينهم في وقت نحن جميعاً نتطلع إلى سلام العراق وشعب العراق واخماد نيران الفتن .. وأؤكد ليس في العراق فتنة مذهبية وإنما احتراب بين جماعات دينية متطرفة كلٍ منها يكفر الآخر ويهدر دمه !