أصاب الجهاز المناعي للجامعات فيروس الإيدز الإداري الذي أنهك أجسادها حتى أصبحت سقيمة عاجزة عن أداء الدور المعول عليها، وعدم الإحاطة بالواجبات الكبيرة المتعلقة بها، وأعراض «الإيدز الإداري» استخدام الوظيفة لتحقيق أغراض ومآرب شخصية، ثبوت في قمة الهرم الإداري، عدم محاسبة موظف عام نتج عن تصرفاته ضرر أو ضياع للمال العام، تحكم مندوب وزارة المالية في العملية التعليمية. أما مضاعفات «الإيدز الإداري» فهو نقص المناعة وعدم قدرة الجسم على مقاومة الفساد.. ما السبب في نقص المناعة؟ بالطبع ليس الدم الملوث ولا المعاشرة غير الشرعية مسؤولة عن نقل هذا التلوث إلى الجسد الجامعي. قمنا بالفحص والتحري فوجدنا كل فريق يتهم الآخر، الاساتذة الأكاديميون يحملون القصور قمة الهرم الإداري في الجامعة ويقولون: هم من بأيديهم اتخاذ القرارات لإرساء الثقافة الجامعية السليمة بين أعضاء ،ورؤساء الجامعات ونوابهم يرمون الكرة في سلة المجالس العلمية المعنية باتخاذ القرارات «ويقال إن المجالس ديكور» ويتهمون ممثلي وزارة المالية بإحباط العمل بفرض التعامل بطريقة بيروقراطية مملة نتج عنها صرف الميزانية في مكافآت وتكاليف وأعمال إضافية ومشتريات رديئة وكتب ومواد غير مطلوبة وسفريات متعددة، وفي حالة طلب صرف ماهو ضروري وهام يخدم العملية العلمية والبحث العلمي يقف مندوب المالية حجر عثرة دون صرف المبلغ رغم زهده، والمهم عند ممثلي الوزارة ردهم أكبر مبلغ من الميزانية المعتمدة آخر العام ليحصلوا على نسبة من المال كمكافأة، وبهذه التصرفات وصل الإحباط إلى كل أكاديمي يحترم نفسه ويرغب في تقديم خدمة لوطنه وللجامعة التي يعمل بها، بل وصل تذمر الاساتذة في الجامعات من ممثلي وزارة المالية والمسئولين في أمانات الجامعات إلى أنهم قدموا أبحاثاً علمية تبين المردود من اللامركزية المالية للجامعات وأوصوا أن تكون الرقابة من ممثلي المالية لاحقة حتى لاتتعطل الأعمال. في حين تتهم الهيئة الإدارية في الجامعات الأكاديميين بأنهم السبب في الفشل الحاصل في الجامعات لأنهم أولاً غير ملتزمين بقراراتهم الإدارية والمالية المسئولين عنها،وثانياً لم يقدم الاساتذة تصوراً علمياً لأحداث التغيير المطلوب في العمل الإداري في الجامعات بل ينتقدوا، بينما إداراتهم لكلياتهم وأقسامهم العلمية لازالت تقليدية، أوليس الأكاديمييون هم المعنيين بإحداث التطور واستخدام مفاهيم الجودة الشاملة والإدارة بالأهداف؟ وفي هذا الجو من تبادل الاتهامات بدورنا نسأل: متى نرى الإداريين والأكاديميين وقد تخلوا عن مفاهيم وأساليب اتسمت بالجمود والتعقيد وارتفاع التكلفة وإهدار الموارد ونقص الجودة؟ ونسأل الإدارة الأكاديمية في الجامعات: متى ستكون قراراتكم معتمدة على قرارات المجالس العلمية دون الانتقاء الشخصي؟ فعلى سبيل المثال هذه الطبيبة الهندية تم التعاقد معها دون قرار من المجالس العلمية ولم يكن لها طلب ويصرف لها مرتب أعلى مما تستحق ويقول عنها الطلاب أنها لاتجيد التحدث لا بالعربية ولا بالإنجليزية ولا أحد يفهمها فمن المسؤول عن هذا العبث؟ وهذا أستاذ عراقي يقول عنه طلابه وقسمه ومجلس الكلية التي يدرس فيها بأنه على مستوى عالٍ من العلم ويستفيد طلابه منه فلماذا يبلغ بالاستغناء عنه؟ ألا يعد التصرف بفردية حيال موضوع استقدام أو إنهاء عقود الاساتذة الزائرين والمتعاقد معهم من الأجانب دون قرار من المجالس المعنية أكبر فساد؟ ونسأل الأمناء العموم ومساعديهم في الجامعات :من المسؤول عن شراء أجهزة قديمة وغير صالحة للعمل؟ من المسؤول عن عدم مطابقة كثير من الأجهزة والمعدات للمواصفات؟ من المسؤول عن استلام مبانٍ حديثة،العيوب فيها واضحة للعيان؟ من المسؤول عن شراء برامج حاسوبية فاشلة بمبالغ باهظة؟ لانستطيع أن نحمل رؤساء الجامعات المسئولية عن الاصابة «بالإيدز الإداري» لأنه لو أراد أحد رؤساء الجامعات المشهود عنه بالقدرة والأمانة والكفاءة عزل أحد المصابين بوباء الفساد لتوقفت كل مصالح الجامعة في وزارة المالية وغيرها، لأن المسؤول الذي له صلة بالمال وطال بقاؤه في المنصب الإداري يحصن نفسه ومنصبه من الفحص الدوري بالمجاملة والمداهنة وإقامة العلاقات الواسعة بالهدايا والعزومات وعمل الواجب عند المناسبات والمجاملات على حساب المصلحة العامة ومن المال العام حتى يكون له جيش من المدافعين عنه، والشاعر قال: «أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم».. وعند شعور من بيده المال أنه أصبح في مأمن من المساءلة أو يعتقد ألاَّ أحد يستطيع تغييره يسترخي ويحلو له العبث بالمال العام تصرف المالك الواثق، ولو أنه علم أن فترته محدودة وأنه بعد فترته إما سيترك هذا الموقع لينتقل إلى موقع آخر يجدد نشاطه وإما سيذهب إلى منزله إن كان فاشلاً أو فاسداً حسب تقييم أدائه. لو كان الأمر كذلك لحرص كل مسؤول على سمعته وحقق أهداف الموقع القيادي الذي يشغله وبهذه الخطوة نتوقع نقل العمل الجامعي إلى مرحلة متقدمة من البناء والتنمية والتميز نحو الأفضل. قلت مخاطباً قلمي: هذا كلام نسمعه كثيراً فأين علاج الإيدز الإداري؟ قال قلمي: أعتقد أن وصفة العلاج هي كبسولة اسمها«تدوير الوظيفة الإدارية» تُبتلع كل أربع سنوات، وتشتري من الوصافين للقادة القادرين على التأثير في الوسط العلمي والإداري، وتساءلت عن دليل يثبت نجاح هذه الوصفة؟ فكانت الإجابة أن بسبب مكوث بعض مسئولي الجامعات وأنت واحد منهم في عمله القيادي أكثر من أربع سنوات استعصى عليه معالجة الانحرافات. لذلك نقول لمن طال بقاؤهم في المنصب لقد مللتم العمل وملتكم جامعاتكم وأصبح دعاؤكم غير مستجاب وتأثيركم معدوماً، ويقول القلم الذي علم الله به الإنسان مالم يعلم: إنه بدون تدوير القيادات الأكاديمية والإدارية في الجامعات بين الحين والآخر ستبقى دفة التأهيل وخدمة المجتمع ثابتة إن لم يكن التراجع نحو الانحلال، وستبقى العملية العلمية دون إحداث تغيير جذري إن بقيت الجامعات تحت رحمة ومزاج وزارة المالية ومندوبها، ولمقاومة الإيدز الإداري يكون التحويل من الضعف الإداري إلى التميز في إدارة الجامعات من خلال محاولة الإجابة على التساؤلات التالية:- ماهي الركائز الأساسية للجامعة وماهو الدور الإداري لإحداث التحول؟ وماهي علاقة الإدارة المتعلمة بإدارة المعرفة ومدى توافرها في الجامعات مامدى انطباق مفهوم المنظمة المتعلمة على تنظيم جهازها الإداري؟ ماهي التحديات التي تقابل الجامعات؟ وماهي السمات التي يجب أن تتوافر في القيادة الجامعية للتحول إلى التميز في إداراتها؟ نجيب على هذه التساؤلات في الحلقة القادمة وبشفافية مطلقة ووضوح لتعزيز دور العمل في مكافحة الفساد وسد الثغرات القانونية التي ينطلق منها المدمنون على الفساد من القيادات كما وصفهم فخامة الأخ رئيس الجمهورية حفظه الله في أحد خطاباته في عدن. - عميد كلية الحقوق جامعة /تعز