بدعوة كريمة من رئاسة الجامعة نزلت ضيفاً على جامعة ذمار يوم الأربعاء الماضي ، وذلك لحضور مهرجان «الوحدة اليمنية في القصيدة العربية» وقد اعتقدت أنني سأسمع شعراء عرباً يتغنون بالوحدة اليمنية وسرعان من ماكتشفت مثلما اكتشف غيري أن العنوان كان فخاً من قبل بعض الأساتذة العرب العاملين في الجامعة لكي يتمكنوا من دعوة أصدقائهم العرب ليقوموا بفسحة إلى اليمن. لقد كان الشعر حاضراً ، ولكن حضوره كان من خلال قلب اليمن الوديع الشاعر/ عبدالعزيز المقالح وشاعر الفرح والبهجة إبراهيم الحضراني والشاعر/الغنائي عباس الديلمي والشاعر الذي خدش زمن السكوت محمد عبدالسلام منصور وشاعرة الدهشة هدى أبلان والشاعر المثقف حسن اللوزي .. إذن كان مهرجان «الوحدة اليمنية في القصيدة اليمنية». أما الحضور العربي فلم يكن في القصيدة ، بل كان في المنصة ، فقد ظهر في الجلسة الثانية تسعة أشخاص ثمانية منهم من بلد واحد ، كان أغلبهم صادقاً مع نفسه حينما قال: أنا لست ناقداً ولكنني مؤرخ ، وآخر قال: جغرافي وغير ذلك. وكان واضحاً أن أغلبهم كان محشوراً بشكل اعتباطي من أجل الفلوس فقط وخاصة مقرر الصباحية الشعرية ، فلم أسمع بحياتي أن هناك مقرراً لجلسة شعرية إلا في ذمار. أما مقرر الجلسة الثانية فلم يكتب حرفاً واحداً غير أنه قدم رسالة شكر للواقفين على الحدود وخلف الكواليس وشكر نفسه. وظهر واضحاً من التسمية (مهرجان) أن المنظمين من أصحاب الشعارات الرنانة أصحاب شعار «أمة واحدة ذات رسالة خالدة» بدليل أنهم لا يعلمون شيئاً عن الوحدة اليمنية ولا عن اتحاد الأدباء والكتاب ودوره النضالي في مسيرة الوحدة. في هذا المهرجان الوحدوي الذي وحّد بين الأصدقاء العرب وجمع شملهم في جامعة ذمار سمعت كلمات الغضب من كثير من أبناء ذمار وخاصة طلاب الدراسات العليا الذين حرموا من المشاركة في هذه المناسبة العزيزة عليهم خاصة أنهم يمتلكون دراسات قيمة عن الوحدة في الشعر اليمني ، لقد اشتكى إليّ هؤلاء الطلاب من حملة الماجستير بأن الجامعة تعاني من هيمنة الأجانب فهم رؤساء الأقسام ، وهم الذين يسيرون شئون الجامعة ، والأدهى والأمر ما جرى في قسم التربية الفنية الذي يتبع كلية التربية ، فهذا القسم يديره أستاذ عربي مع زوجته وأخوها وقد حرمت الأستاذة اليمنية الوحيدة من المشاركة ، بل يمارس هؤلاء ضدها سياسة التطفيش وكأنها في جامعة بغداد وليست في جامعة ذمار ، وقد قال لي أحد الدارسين: لست أدري كيف سيعمل هؤلاء على تكوين وعي فني وثقافي لدى أبناء المنطقة وهم يسرقون منهم لقمة العيش ، وقد شعرت بالكره يظهر من خلال كلام الدارسين ومن تعبيراتهم تجاه هؤلاء ، بل إن أحدهم قال لي: أصبحت أكره الفكر القومي ، فنحن البلد الوحيد الذي يقدم فيه الأجنبي على حساب ابن البلد!. وأضاف: لقد ضاعت حقوقنا الدستورية وضاع قرار رئاسة الوزراء الذي ينص على إعطاء الأولوية لليمنيين مثلما هو حاصل في كل دول العالم ، ولم يكتف بذلك وإنما قال: إنني أفكر في الوقت الراهن أن أحصل على الجنسية العراقية حتى أتمكن من الحصول على حقوقي ، وهي كما تعلم سهلة الحصول عليها!!. وقد شعرت بخطورة هذا الكلام ، فإذا وصل الوضع إلى هذا الحد من التفكير فإن الأمر جد خطير ، فنحن ننطلق من عقدة النقص ، ولابد من إعادة النظر فيما يجري ، لأن ذلك سيخلق مسخاً ثقافياً ، يكون في نهاية المطاف على حساب المبادئ الوطنية. ومكمن الخطر أن نوصل الناس إلى مرحلة كره الهوية، خاصة عندما تكون هذه الهوية على حساب لقمة العيش .. إن ما شاهدته وسمعته في جامعة ذمار يوحي أن الجامعة بالرغم من حداثتها ، فهي تعيش حالة احتضار. ولعل التنكر للأستاذ اليمني إلى هذه الدرجة يعد عقوقاً وطنياً يدخلنا إلى منطقة النقص تجاه الآخر ويجعلنا نرى الآخر أسمى من المواطن اليمني ، غير عابئين بخطورة ما نفعله على كيان الوحدة الوطنية التي هي بحاجة إلى وقفة الجميع معها ، من خلال احتفاظ الجميع بأسسها التي هي في الواقع أهم ما نملكه. نحن لسنا ضد اخواننا العرب ، لكننا ضد ممارساتهم الإقصائية تجاه اليمنيين وحرصهم الشديد على تحويل التعليم إلى مؤسسات عائلية. ومن المتعارف عليه في أي مكان من العالم أن الوظائف السيادية تكون من نصيب أبناء البلد .. ورئاسة القسم هي من الوظائف السيادية بالنسبة للجامعة ، لأنه يترتب عليها أشياء كثيرة ، إصدار القرارات وتزوير النتائج والاثراء وغير ذلك ، ومن هنا كان لابد أن ندق ناقوس الخطر ونرفع الإنذار إلى أعلى درجة ، وإذا لم نوقف العد التنازلي للانخراط في هذه الحالة من التبعية، فإن مصيرنا ومصير جامعاتنا سيبلغ من السوء درجة يصعب معها إبقاء الأستاذ اليمني موالياً لوطنه!. وأخيراً أقول للأخ رئيس جامعة ذمار: لو أنك وفّرت تذاكر السفر التي صرفت للضيوف الذين قدموا من خارج اليمن لطبعت بثمنها كل أعمال المبدعين من أبناء ذمار الذين لا يملكون حق طباعة أعمالهم ، إضافة إلى دعم الصحف التي يعدها طلاب داخل الجامعة وبجهود متواضعة.. وذلك هو الاحتفاء الحقيقي بالوحدة.