لاندري ماالذي يحدث!! .. لقد طالت أيدي التلاعب بالمفاهيم حتى بعض القضايا التي صاغ التاريخ دلالاتها فغيرت فيها الدلالة وكرست لها مساراً آخر بين الناس،وماهو أخوف أن تستمر هذه الدعوات في الرسوخ والتجذر بدءاً في عقول الشباب وانتهاء بالانفراد بعقول الأطفال والناشئة تشكّّل عجينتها كيفما بدا لها وعلى أي منهج تريد. اليوم في خضم هذا التلاقح الثقافي وتعدد قنوات الاستطلاع نجد المواطنة أو ثقافة المواطنة أمام مفهوم مغلوط يتجه كل يوم نحو الامتزاج بالفكر المجتمعي ليتحول الوطن في ظل هكذا رؤية جائرة إلى دار اغتراب !!. فثمة كلمات تلفظها الألسن تحمل في طياتها كفراً بقداسة الوطن وتنكراً لما يمثله من دور في تكوين الأبعاد الشخصية للفرد،ولكي نكون أكثر قرباً من مظاهر العقوق الوطني التي تأخذ شكل قوالب لفظية تُعد من سقط الكلام أو أفكار تصنعها «تهويفات» الصحافة نبرز هذا السؤال: هل صحيح أن الوطن الذي لاينعم فيه المواطن بالرخاء ليس بوطن؟وهل «العزة» التي ينشدها المواطن من وطنه تكمن في النعيم والثراء وحدهما دون غيرهما؟وكيف يمكن لمن يُدعى ب«المواطن» أن يتحصل على هذه «العزة»؟؟ وإذا ما أقررنا بمشروعية هذه الأسئلة ووجودها ثقافة انطولوجية سائدة تختزل علاقة المواطن بأرضه وتأخذ صيغة أو أخرى لاسبيل إلى نكرانها فإن إجابة الأدبيات عليها تتلاشى أهميتها إذا ما قارناها بإجابات أخرى تربض عند شباب العصر كنتيجة حتمية للعولمة التي تسعى نحو إلغاء الفواصل وطمس معالم الخصوصيات. إنه يجدر بكل شابّ أن يقف مع نفسه موقفاً رسمياً يتحرى فيه صدق التعامل مع الأرض التي تنشّأ فيها وأصبحت عنوانه ورقمه الذي يعرفه الآخرون به،بحيث يقف هذا الشاب متأملاً واجباته نحوها مستثمراً كل الامكانيات المتاحة من أجل تحقيق الرخاء الذي يطلبه من هذا «الوطن» وفي أثناء عمله هذا لاينبغي أن يتجاهل المصلحة العامة أو الهدف العام الذي تؤمّله كل أرض من أبنائها وهو الحفاظ عليها وإبراز صورة مشرفة عنها والعمل على توطيد وحدتها وعزتها ومكانتهاوكرامتها. وفق ذلك يكون الإنسان/المواطن مواطناً يحمل صفات المواطنة وشروطها ومن هنا تتجلى ماهية العلاقة بين الوطن والمواطن ويبدو أنها علاقة وفاق فطري أي أنها مجردة عن المادة والمصالح الذاتية التي يحكمها الاستغلال وتنتهج الاستنزاف. صحيح أن وجود الإنسان وجود يقوم في طبيعته على تبادل المنافع مع المجتمع والبيئة وهذه سنة الله بيد أن العلاقة بين الإنسان وموطنه علاقة تتجاوز هذه الجدلية إلى علاقة أسمى من ذلك .. إنها حمل للهوية وعراقة الأصل وعمق الجذور بحيث يفترض ب«المواطن» ألا تتخلخل عزيمته وتبدأ بالانحسار مكانة الوطن من قلبه إذا ما اعترى الوطن حالة من الشدائد تتمثل بضعف الخدمات ووجود الفقر وقلة الإمكانيات بل إن في مثل هذا الوضع يأتي مايستثير«المواطن» ويدفعه لأن ينهض نحو العمل على إعادة المكانة المادية لوطنه متخذاً من مكانة هذا الوطن التاريخية وعمقه الحضاري حافزاً للبناءوالتطوير والإشعاع. هذا يعني أن الوطن الذي ينشأ الإنسان فيه ويترعرع وليس أمامه من فرص العيش الوفير والرخاء المستديم ما يسدّ نهم طموحه وأطماعه فإنه رغم ذلك يبقى هو الوطن رمز العزة والكرامة والعراقة والإباء والشموخ. المواطنة الحق شعور ينتاب «المواطن» بعظمة الوطن وسمو منزلته التاريخية وقامته الحضارية والحضورية حداً يسوق المواطن لاإرادياً إلى السعي نحو تحقيق مستوى مادي متميز من خلال الأخذ بأسباب التقدم والتطور وعمل كل ما من شأنه خدمة الصالح العام. وعلى ذلك فإن اتخاذ مفهوم آخر للمواطنة الحق مرتبط بالمادية التي تطلب عن طريق تعطيل مبدأ «السبب» وإلا فالتذمر في حالة الشدة وعدم الاستعداد لرفض هذا الواقع بسلوك فاعل وحركة هادفة ،فإن هذا يعدّ انتقاصاً من حق الوطن وشعوراً بالدونية وإساءة إلى الذات ، ولست أرى من سبب يقف وراء ذلك سوى عدم نضج الوعي الوطني والانبهار بما لدى الآخر من بهرج العيش ومظاهر التقدم ؛ ولذا فنحن نسمع اليوم في أوساط الشباب من يقول:«وطن ما يريحكش مش وطن » مع استبدال لفظ «وطن» أحياناً ب«البلاد». فلا أضيف جديداً إذا قلت إن مثل هذه القناعة المثبطة للهمم واستمرارها مفهوماً يسود بين الناس لاسيما في أوساط الشباب تكون المدخل الأوسع والمنفذ الأقرب للمساومة بكرامة الوطن وخيانة مكتسباته ومنجزاته من قبل نفوس مهزوزة الثقة أفقدتها المادة التوازن قلا تريد أن تعمل أو تبدع بقدر بحثها عن الثراء والرفاهية .. لكن ومهما يكن من أمرها سيبقى الوطن قامة سامقة يستظل تحتها الوطنيون وشاطئاً ساحراً ترسو عنده سفن المخلصين.