أعتقد أن بعض ما نشهده أو نقرأه في منظومة صحف «اللقاء المشترك» حول الوضع في البلاد في الآونة الأخيرة، بدأ يتجاوز حدود الحق المشروع في نقد وتقويم السلطة.. ولست أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن ما يكتب في صحيفة "الصحوة" وبعض ما تتناقله الصحف على لسان بعض قادة الإصلاح؛ يبدو في ظاهره كأنه تعبير عن طفرة هائلة في حرية الصحافة وحرية التعبير، ولكنه في جوهره يعكس ارتداداً مخيفاً عن ثوابت الشعب ودفعاً باتجاه المزيد من التحريض؛ والمزيد من تعميق الجراحات في جسد الوطن. فهذه الصحف، وهؤلاء القادة يرفضون الديمقراطية حتى على مستوى أحزابهم وعلى مستوى التسمية، فهم يسمونها في حزبهم «الشورى». ثم إنه من الظلم للوحدة أن تصب هذه الأحزاب وهؤلاء الأشخاص الغبار على وجه الوحدة دون الإشارة وبصراحة إلى أن مسئولية الفشل ترجع إلى تلك الأخطاء التي ارتكبها الاشتراكي والإصلاح أثناء الائتلاف وبعده وما ترتب عن ذلك من إنهاك لخزينة الدولة. أريد أن أقول إن أخطر ما يمكن أن يهدد الديمقراطية هو أن يظل حزب الإصلاح يظلل بقية الأحزاب المنضوية معه فيما يسمى ب"اللقاء المشترك" ويدفع بالأمور نحو الاحتراب ليمنِّي نفسه بالقفز إلى السلطة على طريقة حركة "حماس" وعلى هذه الأحزاب أن تعيد قراءة المتغيرات الإقليمية والدولية، وعدم الاستسلام لدعاوى غير مسئولة تدفع بالسلطة نحو الضعف والانهيار. ولست أظن أنه يختلف معي أحد حين أقول إن الشعوب الحية بإمكانها أن تتحمل الصعوبات الاقتصادية؛ ولكن الذي هو فوق الطاقة والاحتمال هو الحروب الأهلية والتفريط بوحدة الوطن. إن من ضيق الأفق ومن قصر النظر أن تدعو هذه الأحزاب لما هو أكثر من تصحيح الوضع والانزلاق إلى خطيئة الدعوة لإسقاط السلطة بتحريض الشارع وتهييجه عاطفياً. ثم إن الاعتراف ببعض الأخطاء والممارسات لا يعني ضعفاً في السلطة؛ بل يعني حرصاً على استمرار الحوار بما يخدم أمن وسلامة واستقرار الوطن. إن من الغريب أن تتحدث هذه الأحزاب عن التغيير، ثم هي تشكك في مصداقية مبادرة الرئيس/علي عبدالله صالح ودعوته إلى إجراء بعض التعديلات الدستورية، وتحويل النظام القائم إلى نظام رئاسي، وإعطاء صلاحيات للحكم المحلي. إن هذه الأحزاب للأسف الشديد تقدم ذرائع مخجلة هدفها التملص من أي اتفاق يلزم الأطراف جميعاً باحترام الشرعية الدستورية. ربما نتحدث عن متغيرات اقليمية ودولية عميقة ومتسارعة، إن كل ذلك جائز ومفهوم، ولكن الذي يصعب فهمه أو القبول به أن تسهم أحزاب اليسار في دعم طموح حزب الإصلاح الذي يتصور أن التاريخ يمكن له أن يتراجع أمام الأساطير، وأن الديمقراطية يمكن أن تصبح شيئاً من الماضي. إن المسألة قبل أي شيء وبعد أي شيء أكبر من أن ينظر إليها بمنظور الأزمات المتلاحقة التي تواجه الوطن، وإنما نحن نتحدث عن مسائل وأمور تغوص في المستقبل إلى أبعد وأعمق من متطلبات اللحظة الراهنة. إن ممارسة اللقاء المشترك للسياسة تبدو في مجملها طحناً للهواء وحرثاً في الماء. أريد أن أقول بوضوح: إن هدف صناع الأزمة في اليمن أكبر وأشمل من مجرد الحديث عن الأزمة الاقتصادية أو الحقوق المهدورة، كما أنه أعمق من خلافات دستورية وحزبية. إن الهدف الحقيقي هو استمرار دفع الأمور في اليمن باتجاه أجواء الفوضى وبما يسمح في ذات الوقت بتشديد الخناق على الحزب الحاكم إلى أقصى درجة ممكنة تحت مظلة من حجج وذرائع الغرض منها تثوير الشارع والتلاعب بعواطف الناس. إن الخطر كل الخطر أن تطغي مشاعر الغضب والانفعال التي تسيطر على الخطاب السياسي والإعلامي لدى بعض الأحزاب المتحالفة داخل اللقاء المشترك لكي تصب هذه المشاعر بوعي أو دون وعي باتجاه توفير الأجواء الملائمة لحزب الإصلاح للقفز على السلطة لمجرد الرغبة في إسقاط الحزب الحاكم. والخطر كل الخطر أن تصبح وحدة الوطن ميداناً لتصفية الحسابات، وغطاء شرعياً لأسباب ودوافع ترتبط بحسابات شخصية، ثم إن الخطر كل الخطر أن تستمر لعبة «دحرجة» المواقف باتجاه قطيعة نهائية بين السلطة والمعارضة. أريد أن أقول: إن "اللقاء المشترك" لم يكن بحاجة إلى لحظة وعي واستفاقة بقدر ما يحتاجها الآن من أجل وقف كل أشكال ومفردات التحريض التي تتعارض وتتصادم مع صيغة الديمقراطية والتعددية. إن المعارضة أحوج ما تكون في هذه المرحلة إلى صوت العقل والابتعاد عن دعوات التشنج وصرخات الغضب.