شهر رمضان؛ شهر القرآن؛ ومعنى ذلك أننا نريد أن نفهم القرآن كما أنزل من دون زيادة في تفسيره يملّ منه القارئ؛ أو تقصير في هذا التفسير يخل بمعانيه. قال أحد الأصدقاء ونحن نتذكر بعض سير الصحابة الكرام: ما أحوجنا أن نفهم القرآن هذا الفهم البسيط كما فهمه الصحابي الجليل «ربعي بن عامر» الذي أجاب ملك الفرس بأن الله أرسل سيدنا محمد لإنقاذ العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأن الله يريد أن يخرج الناس من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، وأن الخلق عيال الله، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، وأحمرهم وأسودهم وأبيضهم إلا بالتقوى، وأن هذا الدين الجديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصل الأرحام ويجير المظلوم وينصر الحق ولا يجادل بالباطل. أقول منذ ظهرت فرق الكلام، ومنذ ظهرت فرق الخوارج وكثرت الأهواء وتشعبت أطماع الناس، وتكالب الخلق على الدنيا، وتنافسوها كما فعل الذين من قبلهم، بدأ هذا القرآن الكريم يبتعد عن واقع المسلمين، وأصبح بفعل هذا السلوك الطارئ لا يعبر عن شخصية المسلم وما تتميز به هذه الشخصية من سلوك قويم وخلق جميل. لقد كان الصحابة والسلف الصالح قرآناً يمشي في الناس، والواقع، ولما سئلت سيدتنا عائشة عليها وعلى أبيها الصدّيق الرضوان: "كيف كان خلق رسول الله؟!". أجابت: "كان خلقه القرآن". إن المشكل يكمن في أن كل فرقة إسلامية ترى أنها هي الأمينة على القرآن التي هي جديرة بفهمه وإذاعة معانيه ونشر أحكامه، تفصل المجمل، وتجمل المفصل، وتؤّل المتشابه، وتفسر المحكم. وليت الأمر يقتصر على هذا وحسب، بل تتمادى بعض الفرق أبعد من ذلك، فتكفّر الفريق الآخر الذي لا يقول رأيها ولا يسير وفق هواها، فأصبحت المشكلة حزبية لا دينية، ينتصر هذا الحزب لفريقه بالحق والباطل؛ وليس ثمة مانع من أن يؤيد رأيه بآيات القرآن، فانتشرت الخلافات بين المسلمين حتى ليكاد هذا الخلاف يحدث حروباً ويثير أزمات. شهر رمضان شهر القرآن، أحوج ما نكون فيه وفي غيره من الشهور إلى فهم آياته وتدبر معانيه على النحو الذي تركه لنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام وصحابته الكرام؛ بعيداً عن غلو أو تعصب لحزب أو مذهب أو فرقة.