بحسب مرئيات جلال الدين الرومي يكون العالم في حالة حراك يستمد قوة دفعه من الحب ،وبحسب الرومي فإنه لا شيء يحمل قيمة بدون الحب،وبدون الحب تصبح الممالك والسلطنات والأمجاد مجرد قطعة من خشب يطفو على سطح ماء مترجرج وهذا يذكرنا بما ورد في العهد الجديد “ إذا افتقدت الحب فلاشيء آخر” المقصود إذا غاب الحب غابت الفضيلة،فالعكس الكراهية والتدمير وفقدان الرحمة،وغياب العقل. الحب الكوني له مستويان: حب الله للناس،وحب الناس لله،تماماً كما ورد في القرآن الكريم:”فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه” وهذا المفهوم القرآني نجد له التفسير الكامل الشامل في كتاب « إحياء علوم الدين» للإمام محمد بن محمد حامد الغزالي،غير أن الرومي يذهب بعيداً في تفسير كتاب الإحياء ومفهوم المحبة قائلاً: لا يُحَب الحق إلا به”،وبالتالي يصلنا استنتاج جوهري مداه أنه ما من إنسان أحب في الوجود إلا وكانت تلك المنة من الله. خلق الله العوالم من خلال الحب حتى تُعرف ؛ولذا فإن بيان مخلوقات الله موصولة جبراً بالحب،والإنسان محكوم بهذه المحبة سواء في مصدره أو مآله ،إن العناصر الثلاثة المكونة لماهية الإنسان ممثلة في الروح والنفس والجسد تعبر عن ذات الحقيقة الكلية،وهي حقيقة الحب..حب الله.. وحب النفس..والحب الفيزيائي،ويتخلص مفهوم جلال الدين الرومي لهذه المفاهيم الثلاث فيما يلي:الروح عنصر اشراقي شفاف ،والنفس العنصر الوسيط بين الروح والجسد،والجسم عنصر مادي مجسد. وبحسب الرومي يستطيع الإنسان أن ينظر للحق من خلال آياته،وهذه الرؤية تتحقق من خلال”العشق” وتشكل الروح الدالة الكبرى في هذا الفراغ،وعلى المستوى المباشر تعكس الكائنات المختلفة في أفق ما هذه الحقيقة؛ذلك أن المخلوقات ليست في نهاية المطاف سوى آية من آيات الحق ،وصورة من صور الجمال والجلال،والحال فإن المخلوقات تتوازى في كونها تحمل ميزات نسبية وتختلف في القدرات فكأنما هي إشارات دالة أو روافد جزئية تتصل بالنهر الكبير،لكنها روافد تمتلك ينابيع للحياة والروح والأنفاس،يقول الرومي:” نستأنس بأقوالنا في اللحظة التي نستوي فيها في مقام الحب،أنا وأنت اثنان مختلفان لكننا نحمل نفساً واحدة” معرفة كنه الحب أشبه ما يكون باللعبة المتبادلة بين المرآة والرائي،فالطبيعة بجملتها هي مرآة الحق،وللناظر أن ينظر فيها ليكتشف بخياله وعينيه أبعاد تلك المرآة..هنالك بعيداً عن الخيال التقليدي والكلمات العادية..هنالك حيث يتخلى الإنسان عن منطق العقل باحثاً عن الدواخل والسرائر،ذاهباً في غوصه..بعيداً بعيداً في مجاهيل لا حدود لها،ومقلباً نظراته..ناسياً ذاته ومتخلياً عن غرائزه.