كان الحكام يحرصون على تربية أبنائهم تربية علمية ممتازة؛ لأن العلم يهذب الأخلاق ويمنح الإنسان تجارب حياة، العلم يختصر الزمن، ويقدم تجاربه بيسر وبسهولة. وكان الخلفاء المسلمون يجلبون المؤدبين من العلماء الأفذاذ في مجالات مختلفة، ويطلقون للمعلم والمؤدب الحرية في كيفية التربية، بحسب ما يتفق مع الأصول. وفي جدة، عاصمة الحجيج، وقبل عقدين من الزمن تقريباً، حضرت محاضرة للشاعر الأمير عبدالله الفيصل، تحدث فيها عن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود كيف كان يهتم بتربية أولاده، تربية علمية، معرفية، قال الشاعر الأمير: «كان الملك فيصل يلزمني بحفظ سور طوال من القرآن الكريم، وكان يجتمع معنا كل مساء ليتفقد محفوظاتنا في النحو والصرف وأشعار العرب وأنساب القبائل والبلاغة وأسماء الرجال، وكان حريصاً أن نحفظ نحن أولاده، ذكوراً وإناثاً أشعار الجاهليين، خاصة المعلقات العشر أو السبع، ويمنحنا المكافآت إذا حفظنا هذه المعلقات، بل يغرينا بالمزيد من المال إذا نحن حصّلنا كثيراً من المعارف، وعادة ما يجمعنا بالمعلمين أو يقول لهم أمامنا: "ستتحملون المسئولية إذا أبديتم أي تساهل مع الأولاد" ويقوم الملك الراحل وقد أخذها عادة بالتفتيش على كراساتنا ودفاترنا بشكل مفاجئ، وكان حسابه لنا عسيراً إذا هو ضبطنا نلعب في أوقات الجد والتحصيل، ويكلف مراقبين لتتبع سلوكنا، وموافاته بتقارير تطلعه على تفاصيل حياتنا اليومية، بل كان لا يتجاوز مصروفاً حدده لكل واحد منا، دون إسراف أو تقتير». ويذكر الأمير سعود الفيصل في هذا الشأن أنه لجأ إلى عمه الأمير فهد بن عبدالعزيز ليتوسط له لدى والده الملك فيصل لشراء سيارة بسيطة، ولم يوافق الملك إلا بعد أن اشترط شروطاً منها أن يحفظ بعض القصائد والسور القرآنية، وبعض متون الفقه. كثير من الحكام في وقتنا الحاضر لا يهتمون بتعليم أبنائهم، مع أن التعليم أساس كما العدل أساس الحكم. وحرص أخوال المأمون ابن الرشيد وكانت أمه فارسية أن يؤهلوا المأمون للخلافة عن طريق غرس حب العلم والمعرفة في نفسه، فشهد العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون عصراً ذهبياً لتشجيعه العلوم وترجمته عيون الثقافة العالمية، هندية، وفارسية، ورومية. إن الحاكم القديم كان يطمع أن يكون أبناؤه صورة واقعية له، وهي صورة بدت في أكثر الأحيان مشرقة زاهية لأنها استنارت بنور المعرفة.