حكايات كثيرة تجري أحداثها تحت جنح الظلام ليلاً ونحن لانعلم عنها شيئاً، وإن كان الظلام أقل حضوراً في المدن فإن الأضواء لاتوقف الأحداث ولا تمنع الآلام والمعاناة التي يكتوي بها بعض الناس على حين غفلة أو علم من البقية. مقدمة الحكاية أن الضرورة ساقتني للخروج من المنزل بعد منتصف الليل الشتوي قبل أيام قلائل، كان الجو أكثر برودة مما يُقال في نشرات الأحوال الجوية التي قلَّ أن تتوافق أخبارها مع الواقع لأسباب علمها عند مراكز الأرصاد ووسائل الإعلام التي تذيعها. والحكاية ليست هنا قطعاً لكنها على ارتباط وثيق بالبرد الذي يبدو أنه حرّك حصوات الكلى عند رجلٍ رأيته في تلك الساعة المتأخرة من الليل يطرق باب صيدلية بعنف يدفعه الألم الذي جعل من قوام الرجل قوساً غير قابل للانفراد، آهات لم يسمعها أحد، فالشارع خال إلا من أصحاب الضرورات الملحة لأن الطقس لايسمح بغير ذلك حتى «الصيدلي» الذي يبدو أنه ينام في صيدليته لم يسمع أو أنه لايريد أن يسمع لأسباب في نفسه، وهذا الموقف إن صدق فإنه لايمت للإنسانية بصلة ولا لشرف المهنة إن كان ثمة شرف باقٍياً لهذه المهنة وأمها الطب، وقد صارت كل المهن تجارة وشطارة.. طرق الباب كثيراً ولم يُفتح له ولم يجبه أحد، وأحسب أنه كان يعرف صاحب هذه الصيدلية دون غيرها بدليل أنه لم يفكر بالذهاب إلى غيرها رغم الألم الذي بدا واضحاً بشدته من خلال آهات الرجل وتصرفاته أمام باب الصيدلية، لكنه الفقر أيها السادة الأغنياء والأصحاء، الفقر وحده يجعل الكثير من الناس أمثال هذا وغيره يحتملون الألم رغم أنوفهم، ومع هذا لا أظن أن الصبر سيفلح في كبح جماح ألم من هذا النوع المعروف بقسوته وشدته. كانت الصيدلية الأخرى على بُعد خمس مائة دمعة.. عفواً خمس مائة متر أو أكثر من ذلك بقليل لكنها مسافة طويلة جداً في نظر مريض يتأوه ألماً ويتقوس ظهره من شديد مايعاني، فما بالنا وهو فقير لايجد ثمن إبرة مسكنة «مهدئة» لألم باغته فجأة دون أن يسأل عن حال الرجل، وهل في جيبه ثمن هذه الإبرة أم لا؟ ولم يراع التوقيت الزمني غير المناسب لكل شيء عند الفقراء تحديداً. الأمر والانكى أن المستشفيات الحكومية كلها دون استثناء لاتقدم دواء من هذا النوع لافي الليل ولا في النهار، ولاتفرق بين من يستطيع أن يشتري هذا الدواء أو غيره وهذا أعزه الله فلا يذهب إلى هذه المستشفيات فالبدائل كثيرة لديه، وبين من لايستطيع أن يشتري شيئاً من ذلك ولو دفع حياته ثمناً، وكثيرون هم الذين دفعوا حياتهم ثمناً عندما لم يستطيعوا دفع قيمة ماهو أقل منها وأرخص. لن أذكر بقية التفاصيل والحمدلله الذي جنبني آلام الكلي وكل ألم، لكن الحكاية لاتنتهي عند نهاية هذه الحكاية، فألف حكاية تحدث كل ليلة وأكثر منها تحدث كل يوم، وبما هو أسوأ من حكاية هذا الرجل، ونعلم أنه لو ذهب إلى أحد المستشفيات ولو حبواً فلن يجد غير روشتة تحمل اسم الدواء وعنوان الصيدلية التي يريد الطبيب المناوب من المريض أن يشتري الدواء منها دون اعتبارات أخرى يفترض أن تكون حاضرة على الأقل في المستشفيات وفي حالات لاينبغي تأخيرها ولاتحتمل ذلك، ودقيقة ألم أطول من عام عند المريض، فلماذا غابت كل مبادئ الإنسانية وأخلاق المهنة رغم الامكانيات التي تستطيع أن توفر مثل هكذا دواء؟؟؟